“حيث توجد المياه توجد الحياة وبالتالي توجد الحضارة”، مقولة قديمة وحكمة ذكية أثبت التاريخ دقتها وصحتها، وخاصة أن التجمعات البشرية نشأت وازدهرت على مقربة من مصادر المياه، واقترنت حياتها ونموها باستمرار توافره.
عن “الينابيع المائية الأثرية في منطقة صافيتا” ألقى الباحث الأثري بسام القحط محاضرة في المركز الثقافي في صافيتا، أكد فيها أنَ كل الينابيع وعيون المياه في واقع الأمر أثريةً وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإنسان وآثاره الباقية على هذه الأرض من مزارع وقرى وقصبات ومدن وسكن بشري، وحاجته للمياه من أجل الشرب (مياه الشفة)، ولسقاية الأراضي والمواشي وتدوير المنشآت الحرفية المرتبطة بالزراعة مثل: طواحين المياه، ومعاصر الزيتون والعنب ودواليب الحرير الطبيعي.
طواحين وقنوات أثرية
وبيّن وجود العشرات من الطواحين المائية الأثرية المعتمدة في إدارة رحاها على الينابيع، كما أن بعض الينابيع تدير دواليب لف الحرير الطبيعي، ويبلغ طول القناة الواصلة بين النبع والطاحونة حوالي خمسين متراً، مثل “القناة المائية الخارجة من عين العسل في قرية مجيدل شرقي صافيتا، والتي توصل المياه إلى طاحون “القرق” المائية القريبة منها، كما يوجد قنوات مائية طويلة تصل الينابيع بالطواحين الصيفية: مثل قناة طاحونة “الشيخ” المائية الأثرية وطولها يزيد على الكيلومتر، تقع أسفل مزرعة “دار صبيح” وتغذيها قناة قادمة من نبع الغمقة شمال مدينة صافيتا، وقد اندثرت هذه القناة ولم يبق منها سوى بضعة أمتار، أما مبنى الطاحونة فقد ظل سليماً حتى اليوم بسبب حفاظ أصحابها عليها.
عيون أثرية
وتحدث القحط عن أنواع الينابع والعيون الأثرية الشهيرة في منطقة صافيتا، مثل: عين الحداد، عين الحمام، أو عين الشرقية، عين النادري، عين بحنيتي”، إضافة إلى عدد من الينابيع الصغيرة الأقل غزارة والمتوزعة داخل المدينة وفي ضواحيها (عين الغربية، نبوعة عبيد، عين شاباش، عين الفوقا، عين القبلية، عين سلامة، عين الجوزة)، كما يوجد عيون مياه أثرية غزيرة يمكن تقسيمها الى حوضة “عين الغمقة” شمال مدينة صافيتا، وحوضة “عين سركيس”، وعين مريزة على نهر الأبرش في الجنوب والجنوب الشرقي، إضافة لوجود ثلاثة أنهار رئيسية وهي: “الغمقة والأبرش والعروس”، ومئات الينابيع وعيون المياه تغذي مجاري هذه الأنهار.
ينابيع أثرية
وقدم القحط تصنيفاً للينابيع الأثرية القديمة على مجاري أنهار صافيتا الثلاثة بحسب استخداماتها من قبل سكان المنطقة، والمنشآت المرتبطة بها أو المقامة عليها مباشرة كـ (نبع العروس أو راس النبع)، ويوجد على هذا النبع الغزير ست طواحين مائية أثرية باقية، ونبع “نهر الأبرش” نبع الشيخ “حسن كفرون” في وادي الكفارين التابع لمنطقة صافيتا والنبع يغذي مباشرة طاحونة مائية قديمة ملاصقة له.
وتكثر العيون المائية الأثرية حسب القحط في منطقة صافيتا، منها بني عليها سبيل ماء أثري للشرب بقناطر حجرية، مثل سبيل ماء قناطر “عين الكرم” الأثرية ذات تصميم روماني تم ترميمها من قبل بيت شمسين في النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
وسبيل ماء عين “مريزة” المشهورة التابعة لأراضي اليازدية وهو سبيل عالي الغزارة يستعمل للشرب والقنوات الخارجة منه تستخدم لسقاية حيوانات الجر والنقل والدواب وتعود العين إلى الفترة الرومانية البيزنطية وقد تم تجديدها وترميمها عام،1876.
وعيون بني عليها برك أثرية كبيرة مثل: “عين كورين، بيت شوهر، وبركة عين الشرقية، وبركة عين الحمام المجاورة، كما هناك عين ماء مغارة أثرية بفتحتها الخارجية وقنواتها المائية الواصلة للبحيرة الجوفية مثل مغارة “المتومة”، ومغارة “بطارش” في وادي العديدة، وبئر نبع معقود بمبنى عقد حجري نظامي كعين السنديانة وبئر مدرسة الضهر وهو نموذج من القرون الوسطى فترة الحروب الصليبية، وتعود جذوره إلى العهد البيزنطي 313 ـ 641 م، إضافة إلى الكثير من العيون المائية كـ “عين اوبين، عين قرين، عين الكبيرة، عين الجرن وغيرها.
وفي الختام أكد الباحث الأثري بسام القحط على ضرورة العناية بالينابيع والأنهار في منطقة صافيتا، وذلك لأهميتها في الزراعة والسياحة وبناء الحضارات وهذا يستلزم العديد من الإجراءات التي ينبغي فيها التعاون الجاد بين الأهالي والدولة وأهم هذه الإجراءات، منع فتح الآبار الارتوازية في وديان الأنهار ومحيطها المباشر، ومنع بناء المساكن في أودية الأنهار حتى لو كانت متصحرة، لأن المناخ يتغير كل 60 سنة ومن الممكن أن النهر الجاف اليوم قد يصيبه أي فيضان طارئ في المستقبل.
كما دعا لتعزيل المجاري والقنوات الصادرة من الينابيع، ومنع الزراعة والبناء فوقها، وتنظيفها من الشجيرات الشوكية والنباتات الضارة، والعناية بالطواحين المائية الأثرية والسدود السطحية، وإعادة تشغيل الباقي منها سليماً قدر الإمكان، واستثمارها سياحياً وخصوصاً أنها تتميز بطبيعة خلابة.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين