لا يترك النقاد والباحثون قصاصة ورق يمكن أن تشي بأمر ما إلا ويعملون على تحليلها وجمعها، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بكاتب كبير مثل انطون تشيخوف، عملاق الأدب الروسي، الجديد الذي نتحدث عنه ما صدر عن دار نينوي بدمشق،كتاب :دفاتر سرية ترجمه إلى العربية جولان حاجي، يقول الناشر عن هذا الكتاب :
عُثر بين أوراق أنطون تشيخوف غير المنشورة على سلسلة من القصاصات داخل مغلّف يحمل هذه الكلمات: “موضوعات، أفكار، ملاحظات، شذرات”، ثم كشفت زوجته أولغا ليوناردوفنا كنيبر عن مفكرته التي كان يدوّن فيها مداخل منفصلة تتعلّق بأعماله المستقبلية وأحلامه والاقتباسات التي أحبها، أعاد تشيخوف نسخ هذه المتناثرات في دفتر آخر، بعد شطب ما أدرجه ضمن كتبه المطبوعة أثناء حياته، وقد أولاها اهتماماً خاصاً ولم يؤرّخها عموماً على غرار اليوميات المعهودة، إنه هنا يسجل إشارات تخصه وحده مبهمة بالنسبة للقارىء، أو أسماء غريبة أحياناً لن نعثر على أصحابها أبداً وقد يطلقها لاحقاً على شخصيات قصصه ومسرحياته ملتقطاً تفاصيل رسمها الأولية، كما يضع حوارات غير مكتملة وعناوين مسرحيات لم يكتبها( قشر الليمون، الخفاش، المطر الذهبي).
في هذه الأوراق التي تغطي أعوامه الاثني عشر الأخيرة (1892-1904)، كثيراً ما يختزل تشيخوف اسم الشخص في حرف أو اثنين كي يشير إلى حكايات متنوعة، ساخرة وقصيرة، واقعية ومخترعة، نراه بدفء لطافته وفطنته يقترح على الشبان كتابة مقالات من قبيل (تورغينيف والنمور)، ويلمّحُ إلى ما يسترعي انتباهه في مشهد عابر: ثرثرة تتناهى إليه في قطار أو مطعم، شخص يصادفه خلال إحدى السهرات، زلات اللسان والهفوات وأخطاء الفهم والتلاعب بمعاني المفردات… وكل ما قد يستوقف بصيرته في المسرح والطب والتعليم والصحافة ودقائق الحياة اليومية.
هذا هو الجانب الخفي لدى كاتب كبير لم يكتبْ قطّ على مرأى من أحد.
محطات في حياته:
وإذا ما أردنا الحديث عن محطات حياته فيمكن الإشارة إلى مجلدات في ذلك، تشير المواقع والمعطيات إلى أنه ولد أنطون بافلوفيتس تشيخوف في ال 29 من كانون الثاني 1860 في تاغانروغ, روسيا.
كان والده صاحب بقالية، ويرزح تحت وطأة الكثير من الديون والمتاعب المالية، أما والدته يفغينيا، فكانت تشاركه وإخوته الخمسة حب القصص.
عندما أفلس بافلو في عام 1875، انتقل مع عائلته إلى موسكو للبحث عن عمل جديد بينما بقي أنطون في تاغانروغ لإكمال دراسته. انضم لاحقاً إلى أسرته في موسكو عام 1879، وكان يكافح مع والده لتدبير أمورهم المالية.
دعم تشيخوف عائلته مالياً من خلال عمله بكتابة القصص الهزلية القصيرة التي نشرت في المجلات المحلية تحت اسم مستعار “القلم”.
إنجازات أنطون تشيخوف
عمل تشيخوف كطبيب في منتصف عام 1880، ثم بدأ بنشر أعمالٍ جدية من الخيال باسمه، وظهر جزء من أعماله في مجلة الوقت الجديد وبعدها كجزءٍ من مجموعة قصصٍ متتالية مثل قصة مولتي 1886.
لاقت قصته “السهوب نجاحاً كبيراً، ونال عنها جائزة بوشكين عام 1888، أظهر تشيخوف في معظم أعماله الأولى تأثراً بالروائيين الروس الأوائل مثل تولستوي و فيودور دستويفسكي .
اتسمت أعمال تشيخوف المسرحية خلال الفترة الأولى بأنها قصيرةٌ وهزلية، ولكنه سرعان ما طور أسلوبه وأصبح له طابعه الخاص الذي كان مزيجاً فريداً بين الكوميديا والتراجيديا .
من أهم مسرحياته “إيفانوف ” و “غابة الشيطان عام 1889، وهي تتناول رجالاً متعلمين وكيفية تعاملهم مع الديون والمرض وخيبات الأمل التي لا مفر منها في الحياة .
الأعمال الرئيسة :
كتب تشيخوف أعظم أعماله منذ عام 1890 وحتى نهاية حياته، وقد ألف العديد من القصص القصيرة في تلك الفترة منها “سيدة مع كلب”
و”المعرض رقم 6 “، وقد كشفت هذه القصص عن فهمٍ عميق للطبيعة البشرية والأحداث العادية اليومية التي يمكن أن تحمل معنى أهم مما هي عليه.
ركز تشيخوف في مسرحياته خلال هذه السنوات بالمقام الأول على الجو العام والشخصيات، والتي تبين أنها يمكن أن تكون أكثر أهمية من الأحداث والمؤامرات، هذه الشخصيات التي غالباً ما تكون وحيدة ويائسة، ولكن الصراعات الداخلية كان لها دلالة عظيمة في أعماله، وقصصه كان لها طابعٌ خاص رسم لنا من خلالها لوحات عن المجتمع الروسي قبل الثورة، وهي لا تزال خالدة.
يعد تشيخوف واحداً من أهم الأدباء في زمنه، ومسرحياته ما زالت تعرض في العالم بأكمله، وقد كان لمجموعة أعماله الرائعة تأثيرٌ كبير على العديد من الكتاب والروائيين العالميين أمثال جيمس جويس، إرنست هيمنغواي، تينيسي وليامز و هنري ميلر.
اشتُهر تشيخوف بتعليقاته الساخرة، وعشقه للمسرح منذ نعومة أظافره، وقد أطلق على أساتذة المسرح المحلي في طفولته ألقاباً ساخرة، وشارك في التمثيل مجسداً شخصيات هزلية، ومن هناك بحق، يمكن القول إن تشيخوف خط أول مؤلفاته القصيرة.
ولم يدع تشيخوف فرصةً للتعرف على خفايا النفس البشرية إلا واغتنمها، فقد قام برحلة إلى أقصى شرق روسيا، إلى ما يُعرف بمستعمرة العقوبات، وهناك التقى المحكومين بالأعمال الشاقة وحاورهم.
رشا سلوم
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة أون لاين