ريم هاني
بكين | برزت، في الآونة الأخيرة، جملة من المعطيات التي تشير إلى أنّ الولايات المتّحدة تعمل على تشكيل ما هو أشبه بـ«تحالفٍ غير معلن»، يضمّ كلاً من الفيليبين واليابان، ويهدف إلى «مواجهة» الصين في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي من شأنه مفاقمة التوترات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتقويض الجهود المبذولة للحدّ من التوترات في العلاقات بين بكين وواشنطن. وطبقاً للمعلومات التي تداولتها وسائل إعلام عدة في الأيام الماضية، فإنّ اليابان ستتمتع بدور «غير مسبوق» في مثل هذا التحالف، في استكمال لسياستها الأخيرة الهادفة إلى كسب «وزن أمني أكبر» في المنطقة، والتي بدأت مع إعلانها، عام 2022، «مضاعفة» إنفاقها الدفاعي. وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية أنّ الولايات المتحدة واليابان تخططان لرفع تحالفهما الأمني إلى مستوى غير مسبوق في نحو ستين عاماً، أي منذ توقيع معاهدة دفاع مشترك بينهما، عام 1960، على أن يتم ذلك خلال لقاء بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، في العاشر من الشهر الجاري. وخلال الاجتماع، من المتوقع أن يعلن بايدن عن خطط لـ«إعادة هيكلة القيادة العسكرية الأميركية في اليابان، لتعزيز التخطيط العملياتي والتدريبات بين البلدين»، وفقاً لخمسة أشخاص مطّلعين تحدّثوا مع الصحيفة البريطانية. بمعنى آخر، ونظراً إلى عدم وجود قيادة عملياتية مستقلة لدى القوات الأميركية المتمركزة في اليابان، يتوجب على الأخيرة اتباع توجيهات «القيادة الأميركية لمنطقة المحيط الهادئ»، ومقرها هاواي، في وقت يعتبر فيه الجانب الياباني أنّ ذلك يؤثر «على الاستجابة السريعة وتنسيق العمليات بين الجانبين»، ويضغط، منذ مدة، على الولايات المتحدة، لمنح سلطة قيادة تنفيذية أعلى للقوات الأميركية المتمركزة هناك. كما يخطط الجيش الياباني لإنشاء «قيادة عمليات مشتركة»، العام المقبل، من أجل تعزيز «الاندماج مع القوات الأميركية المتمركزة في البلاد، وإنشاء نظام قيادة عملياتي موحّد». ولا يخفي الطرفان أنّ الهدف من مثل هذا التعاون هو مواجهة ما يقولون إنه «تهديد متزايد من الصين، يتطلب من جيشيهما التعاون والتخطيط بسلاسة أكبر، ولا سيما في أزمة مثل صراع تايوان». وفي السياق، تنقل «فاينانشال تايمز» عن ريويتشي أوريكي، الرئيس الأسبق للأركان المشتركة لقوات الدفاع الذاتي اليابانية، قوله إنّ اليابان تعتبر أنّ هناك «حاجة ملحة إلى تعيين قيادة أميركية أكبر في اليابان، بعدما أصبحت الأخيرة تؤدي دوراً دفاعياً إقليمياً أكبر». ويتابع المسؤول السابق أنّ من شأن مثل تلك الخطوة أن «تبعث بإشارة استراتيجية قوية إلى الصين وكوريا الشمالية».
وبعد يوم من اللقاء، من المتوقع أن يعقد بايدن أول قمة ثلاثية من نوعها مع كل من كيشيدا ورئيس الفيليبين، فرديناند ماركوس الابن، في واشنطن. وتعقيباً على ذلك، اعتبرت بعض وسائل الإعلام اليابانية أنّ «التجمع الثلاثي الجديد» سيتطور إلى تحالف «أكثر أهمية» من «الحوار الأمني الرباعي»، المؤلف من الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، والذي «يتردد في بحث المسائل الأمنية»؛ ومن «أوكوس»، أي «الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة»، والتي تواجه، طبقاً لمراقبين، «اختناقات في بناء السفن تجعل من الصعب تسليم غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا».
رفعت الممارسات الأميركية الاستفزازية، أخيراً، مستوى التوترات في بحر الصين الجنوبي
ومن بين جملة «المبادرات» التي ستنتج من القمة المشار إليها، تسيير الدول الثلاث دوريات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي، في وقت لاحق من هذا العام، وفق ما نقلت صحيفة «بوليتيكو» عن مسؤول أميركي وديبلوماسي أجنبي مطلع على الخطط. وطبقاً للصحيفة، فإنّ المناورات المحتملة هي الخطوة «الأقوى» التي يتخذها بايدن لتعزيز ما يسمى بـ«استراتيجيته للمحيطين الهندي والهادئ»، والتي تشمل «حشد الحلفاء والشركاء لمواجهة البصمة الاقتصادية والديبلوماسية والعسكرية المتزايدة للصين في المنطقة»، ومن المتوقع أن «تقابل برد قوي من جهة بكين». وفيما أجرت واشنطن ومانيلا مثل تلك الدوريات من قبل، فهذه هي المرة الأولى التي تشارك اليابان فيها.
من جهته، قال مسؤول دفاعي كبير، للصحيفة الأميركية، إنّ من المتوقع أن يعلن البيت الأبيض أنّه «يبحث جدياً» جعل اليابان «شريكاً تكنولوجياً» في إطار «أوكوس». وقبل الإعلان عن هذه الخطوات، كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قد زار، نهاية الشهر الماضي، سيول للمشاركة في «قمة الديموقراطية»، وفي وقت لاحق الفيليبين، حيث أجرى مع المسؤولين هناك، بمن فيهم الرئيس فرديناند ماركوس، مباحثات قال إنها تركز على «التهديد الذي تشكله الصين»، في ممارسات أثارت ردود فعل غاضبة من بكين وبيونغ يانغ.
موقف الصين
رفعت الممارسات الأميركية الاستفزازية، أخيراً، مستوى التوترات في بحر الصين الجنوبي، وأصبحت تقف عائقاً أمام المحاولات المبذولة للحدّ من التوترات بين الولايات المتّحدة والصين. وقد دفع ذلك بالرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى توجيه رسالة إلى نظيره الأميركي، في اتصال هاتفي الثلاثاء، حدّد من خلالها «ثلاث ركائز» لترسيم العلاقة بين الدولتين في العام المقبل، والمتمثلة في احترام مبدأ «السلام والاستقرار والمصداقية»، وبالتالي «الامتناع» عن أي ممارسات مزعزعة للاستقرار، قد تقوض العلاقات بين الطرفين من خلال تجاوز الخطوط الحمر. كما أكد الرئيس الصيني، مرة جديدة، أنّ مسألة تايوان هي «الخط الأحمر» الأول الذي «يُمنع تجاوزه في العلاقة بين الطرفين».
من جهتها، نقلت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية عن خبراء صينيين قولهم إنّ مثل تلك الدوريات المشتركة التي تسعى الدول الثلاث إلى إجرائها لن تكون قادرة على «توحيد نقاط القوة بينها»، لأنّه في حال اندلاع صراع كبير مع الصين، فإنّ واشنطن «ستترك حلفاءها يقدمون التضحيات الأكبر بأنفسهم». كما نقلت الصحيفة عن لي هايدونغ، الأستاذ في «جامعة الشؤون الخارجية» الصينية، قوله إنّ «خذلان» واشنطن لحلفائها هو «من السمات اللافتة في سياساتها»، وإنّه على غرار ما حصل مع أوكرانيا، فإنّ الولايات المتّحدة «ستشجع حلفاءها على اتخاذ خطوات خطيرة، ثمّ تضحي بهم في الواقع لتحقيق أهدافها الاستراتيجية الأنانية»، بعد أن تصبح الدول الحليفة لها «تحت رحمتها»، ولا سيما في ما يتعلق بالقضايا الأمنية.
وفي تقرير منفصل، نقلت الصحيفة نفسها عن مراقبين قولهم إنّه «مقارنة بالانتشار العسكري والتدريب المشترك الاعتياديّين، فإن دمج نظام القيادة العملياتية المشتركة بين الولايات المتحدة واليابان يستهدف بوضوح طرفاً ثالثاً، وهو بمثابة استعداد للحرب وتدخل في المسائل الجيوسياسية الساخنة». وتابعت أنه «بعد ترقية التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، فإنّ الأخير سيتجاوز بأشواط هدفه الأصلي المتمثل في (الدفاع) عن اليابان، وسيتحول من تحالف دفاعي إلى تحالف يتمتع بـ(قدرات هجومية)، ما ينذر بتغيير نوعي في طبيعة التحالف بين البلدين». كما حذّر الخبراء من أنّه في حال مضيّ واشنطن في تنفيذ مخططاتها، فإنّ صنّاع السياسة في بكين قد يضطرّون إلى «اتخاذ خيارات صعبة» في المستقبل.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية