آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » ما المهم لدينا في انتصار حزب «الشعب الجمهوري» التركي؟

ما المهم لدينا في انتصار حزب «الشعب الجمهوري» التركي؟

عبد المنعم علي عيسى

 

 

رسمت النتائج التي أفضت إليها الانتخابات البلدية الحاصلة في تركيا في 31 آذار المنصرم، لوحة سياسية جديدة للبلاد، وهي تختلف عن تلك التي رسمتها نظيرتها التي جرت شهري أيار وحزيران الماضي عندما كرس حزب «العدالة والتنمية» زعامته في الرئاسة والبرلمان على حد سواء، لكن اللوحة الجديدة المرتسمة سوف تحتاج لوقت ليس بقصير لكي تتبلور تجلياتها بوضوح، فتهدد بانقلاب المشهد البادئ عام 2002 والمستمر حتى اليوم، مع لحظ أن تلك الاستمرارية باتت مهددة فعلاً بحدوث انقطاع فيها، هذا إن لم يستطع حزب «العدالة والتنمية» النجاح في محاولته الالتفافية التي بدأت بالتأكيد مع تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أطلقه يوم 3 نيسان الجاري حين قال إن «أكبر عدو لحزب سياسي يولد من حضن الأمة هو بناء الجدران ما بينه وبين المواطنين».

 

شكلت منهجية حزب «الشعب الجمهوري» الأرضية الأساس للتوجهات التي سارت عليها تركيا منذ 1923 وحتى 2002، على الرغم من الانقطاعات التي حدثت خلال تلك المدة من نوع صعود أحزاب إسلامية إلى سدة السلطة، عدنان مندريس (1950 – 1960) ونجم الدين أربكان (1996 – 1997)، وكلتا التجربتين طواها انقلاب عسكري قام به ضباط محسوبون على «العلمانية» بذريعة التهديد الذي تمثله تلك الأحزاب لهذه الأخيرة، والأمر عينه تكرر ونجح، في مرات عدة أعوام 1971 و1980، وتكرر وفشل، أعوام 1993 و2016، لكن الأمر تغير جذرياً ما بعد وصول حزب «العدالة والتنمية» إلى السلطة في أنقرة العام 2002، حيث سيعمد هذا الأخير إلى إجراء تحولات اقتصادية – مجتمعية كانت تطول بنيان المؤسسة العسكرية بشكل حذر، من شأنها توسعة القاعدة التي يحكم من خلالها هذا الأخير، وفي أعقاب الانقلاب الفاشل صيف العام 2016، وجد الحزب فرصة سانحة للتخلي عن التعاطي الحذر مع البنيوية السابقة الذكر، التي لطالما جرى تصويرها لدى الجمهور على أنها «حارس العلمانية».

 

شكلت النتائج النهائية لانتخابات 31 آذار التركية تعويماً لثقل حزب «الشعب الجمهوري» لم يحظ به هذا الأخير منذ العام 1977، فهو فاز بنسبة 37.5 بالمئة من الأصوات في مقابل 35.6 بالمئة لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ولم يكتف الأول بإطباق قبضته على بلديتي إسطنبول وأنقرة الحاصل منذ العام 2019، بل وسعها إلى 36 مدينة ومحافظة منها 15 كبرى، ومنها أيضاً بلديات لم يسبق له أن حقق أي فوز فيها مثل «كوتاهية» و«بورصة» و«مانيسا» التي شكلت المعقل الأساس لحزب «العدالة والتنمية» منذ تأسيسه العام 2001، والأخيرة ظاهرة ذات مدلولات عدة تتخطى خسارة هذا الأخير لـ«الرقم 1» في ميزان القوى الداخلي التركي، لكن ذلك كله لا يعني انقلاباً للمشهد السياسي الراهن فـ«العدالة والتنمية» لا يزال ممسكاً بالرئاسة ومعها أغلبية البرلمان التي تمكنه من أن يحكم قبضته على القرار السياسي، مع لحظ أن النتائج سوف تشكل جرس إنذار لا بديل من تردد صداه في أروقة هذا الأخير الذي بات مهدداً بسحب البساط من تحت قدميه الأمر الذي يمكن له أن يحدث في غصون السنوات المقبلة.

 

في معايرة السياسات التي ينتهجها حزب «الشعب الجمهوري» تجاه سورية، سابقاً ثم راهناً، يمكن القول إن سياسات الحزب لم تكن في يوم من الأيام «متميزة» عن تلك التي تبنتها أحزاب أخرى وهي في سدة السلطة، وتلك حالة طبيعية إذ نادراً ما تتغير السياسات تجاه دول الجوار بتغير الأحزاب القابعة في هذه الأخيرة، لكن مواقف حزب «الشعب الجمهوري»، وهو في المعارضة، كانت توازي، إن لم تتفوق، مواقف حزب «العدالة والتنمية» من الحكومة والدولة السوريتين، ففي عز العداء الذي أظهره هذا الأخير منذ بدء الاحتجاجات السورية مارست بلدية لواء إسكندرون، التي يسيطر عليها حزب «الشعب» دوراً أساسياً في أعمال البنية التحتية في إدلب ممهدة بذلك لسياسة «التتريك» التي اعتمدها حزب «العدالة» الحاكم، وعندما دخل هذا الأخير في مسارات تهدف للتقارب مع سورية ظلت مواقف حزب «الشعب» عند حال المنع الذي فرضه زعيم الحزب السابق كمال كيتشلدار أوغلو على الرغم من أن ثمة جدالاً كان قد انطلق على مستويات عدة بخصوص الالتزام بتلك الحال، وما نريد قوله هنا إن الرهان على صعود محتمل لحزب «الشعب» إلى سدة السلطة يقوم أساسا على فرضية مفادها حدوث تغييرات وازنة تجاه سورية في حال حصول الفعل، يبدو خياراً غير واقعي، فالسياسات هنا تتحدد عبر منظومة شديدة التعقيد تبدأ عند «الجيوبولتيك» ولا تنتهي عند الواقع القائم على حدود الجوار.

 

في مطلق الأحوال يمكن القول إن الانتخابات التركية الأخيرة قد أفرزت قوتين شبه متعادلتين، أو أن إحداهما تتفوق على الأخرى بقليل، وهذا سيؤدي إلى حال من الاستقطاب الداخلي لوقت غير قصير قبيل أن يحسم أحد الطرفين «المعركة» لمصلحته، ولربما لن يحدث ذلك قبيل العام 2028 ما لم تحدث تطورات تستدعي الدعوة لانتخابات مبكرة قبل هذا التاريخ، وفي ظل حال الاستقطاب، يمكن أن تخفت «النزعة الهجومية» لأنقرة التي ما انفكت تتحين الفرصة والظروف للقيام بعملية عسكرية ستكون الرابعة منذ أن افتتحتها بالأولى صيف العام 2016 في أعقاب مصالحة شهيرة مع الجار الروسي كانت من النوع الثقيل الوطأة على الجغرافيا والاستقرار السوريين.

 

كاتب سوري

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بعد الفيتو الامريكي على وقف القتل: خطوتان مجديتان

  ا. د. جورج جبور       الخطوة الأولى: *انتقال صلاحيات مجلس الأمن الى الحمعية العامة بموحب قرار التوحد من أجل السلم. يتخذ قرار ...