آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » المسنون يتمسكون بعادات ويرفضون الاستغناء عنها

المسنون يتمسكون بعادات ويرفضون الاستغناء عنها

مع مرور الوقت يأبى كبار السن إلّا أن تكون لهم طقوسهم الخاصة بها، والتي اعتادوا عليها، وتصبح موضع اهتمامهم، فهم – باحتفاظهم ببعض الأشياء والعادات – يقدمون عربون وفاء لكل لحظة عاشوها وأثرت في حياتهم, فتمسّك كبار السن ببعض الطقوس ينبع من إحساسهم العميق تجاه الأشياء التي تصنع لهم إرثاً كبيراً من الذكريات يوقظهم الحنين إليها كلما راودهم طيف الماضي، وشعروا بالحاجة إلى استحضار مشاعر أنيقة دافئة لن تتكرر وتثبت وفاءهم.
الباحث التّربويّ د. نبيل أحمد صافية – عضو الجمعيّة السّوريّة للعلوم النّفسيّة والتّربويّة قال: لعلّ من شبه المؤكّد أنّ كبار السّنّ يمكن أن يكونوا حراسَ التّقاليدِ والعادات والأعراف، وقد أكّدت منظّمةُ الصّحّةِ العالميّة أنّ سكّان العالم يشيخون بسرعة نتيجة متغيّراتٍ عديدةٍ، وأنّ نسبة كبار السّنّ في العالم ستتضاعف من نحو اثني عشر في المئة إلى اثنين وعشرين بين عامي ألفين وخمسة عشر وألفين وخمسين، وتالياً سيجعلهم يواجهون تحدّياتٍ اجتماعيّةً وصحّيّةً وجسديّةً ونفسيّةً عديدة، ولا بدّ لنا بدايةً من الإشارة لتعريف الشّيخوخة أو كبار السّنّ، وهي المرحلة العمريّة النّهائية التي تبدأ من سنّ السّتّين فأكثر، وتتميّز تلك المرحلة بظهور علاماتٍ صحّيّةٍ وجسديّةٍ ونفسيّةٍ مختلفةٍ، وأستطيع القول: اجتماعيّة تَبَعاً لما يعترضهم من حالات الوَحدة أو ما يعانونه من كآبةٍ، وهنا يمكننا أن نبيّن تعريف منظّمة الصّحّة العالميّة للشّيخوخة أو كبار السّنّ بأنّها عملية الحفاظ على القدرة الوظيفيّة التي تمكّن المسنّين من الرّفاهية لتلبية احتياجاتهم الأساسيّة، وقدرتهم على اتّخاذ القرارات الخاصة بهم للإسهام في بناء مجتمعهم والقدرة على بناء العلاقات الاجتماعيّة.
وهناك بعضُ العادات يقوم بها كبار السّنّ، ويكون لها فوائدها وأهمّيّتها ومبرّراتها، وتتعدّد تلك العادات، فبعضُها صحّيّ كالتي تظهر في حالات الطّعام والنّوم والنّشاط الجسديّ، والتّركيز على الأمور الصحية والفحوصات الطبية اللازمة ومتابعتها، وبعضُها عادات اجتماعيّة تسهم في بناء علاقات اجتماعيّة ترتبط بمجموعة من المؤشّرات الحيويّة الإيجابيّة للصّحّة، وقد عدّ المعهد العالميّ للشّيخوخة أنّ أهمّ ما يساعد كبار السّنّ على تكوين شعور إيجابيّ للحياة يظهر في قضاء الوقت مع أبنائهم وأحفادهم، والبقاء على اتّصال وتواصل مع أفراد العائلة، وتالياً فإنّ حالات العزلة تسهم في تردّي الحالة الصحية والاعتلال لكبار السن، وهي تزيد من حالات التّعرّض لخطر الاكتئاب.
ويحتاج مجتمعنا -في رأيي – في كثير من أُسَره للتّأهيل والتّدريب للتّعامل مع كبار السّنّ، ذلك أنّ بعض كبار السّنّ يتعرّضون للإساءة، وإن كانت بصورة غير متعمّدة أو غير مقصودة، وربّما تكون الشّفقة أشدّ إيلاماً لكبار السن من السّخرية والإهمال، وكثيرون يظنّون أنّ تطوّر المهارات الفكريّة أو الجسديّة أو النّفسيّة لكبار السّنّ قد تتوقّف، وهذا الكلام بعيد عن الواقع، فقد أثبتت دراساتٌ تربويّةٌ ونفسيّةٌ أنّ العقل لا يتوقّف عن النّمو والتّطوّر في عمر محدّد، وتتأثّر حالات التّكيّف النّفسي والانسجام مع البيئة وقدرات كبار السّن بما يمتلكونه من عاداتٍ يمارسونها وفق تقاليدهم السّائدة وثقافتهم الذّاتيّة.

ولعلّ من الأهمّيّة بمكانٍ الإشارة إلى أنّ كبار السّنّ يتمسّكون بالعادات والتّقاليد، لأنّ المنظومة الثّقافيّة بما تحويه من أفكار وعادات وتقاليد وقيم وأعراف تمثّل موروثاً ثقافيّاً تاريخيّاً، عاشه كبار السّنّ في مراحل حياتهم السّابقة, وأثّرت فيهم سواء أكانت من النّاحية المادّيّة أم النّفسيّة، وهم يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم ويختزلون حكمة حياتهم في مرحلتهم العمريّة التي نطلق عليها «الشّيخوخة», وهم أكثر تمسّكاً بالحياة في تلك الفترة أو المرحلة، ومن ذلك احتفاظهم بكلّ ما يعتقدون أنّ له قيمةً مادّيّة في حياتهم، ولا يتخلّون عنه، ويقومون بممارسة عادات مختلفة, اعتقاداً منهم أنّ ذلك هو جزء من الحياة, رغم أنّ الشّباب يرون في تلك العادات التي يقوم بها كبار السّنّ أموراً غريبةً، ومن ذلك الاحتفاظ بمقتنياتٍ قديمةٍ أو ارتداء سترة في غير حالات البرد التي تستوجب ذلك، أو الاستيقاظ في أوقات مبكّرة أو الاستمتاع بالقيلولة، وهذه العادات وغيرها قد تشعر كبار السّنّ أنّها حالات من النّشاط, وخصوصاً الاستيقاظ المبكّر، وارتداء الملابس كاملةً لتكون إشارة منهم لبداية يوم بنشاطٍ بعيداً عن الكسل والخمول، وهذا ما يكسبهم حالة من حالات حبّ الحياة والتّعلّق بها، وكذلك النّوم وقت القيلولة، وإن لم يكونوا متعبين، يمثّل لهم أيضاً نوعاً من أنواع الحياة التي تشعرهم بأنّهم قاموا بعمل معيّن أثناء يومهم، وهذا ما يستدعي منهم النّوم وقت القيلولة لاستمرار حياتهم بما فيها من نشاطٍ، وهذا الأمر صحّيّ جدّاً لكبار السّن عموماً، وتالياً فإنّ تلك العادات والطّقوس تمثّل جزءاً من حبّ الحياة لديهم عبر ممارساتٍ عديدةٍ يقومون بها، وفي رأيهم تسهم في توفير حياة كريمة مستقلّة تشعرهم بالأمان والاستقرار، ولا بدّ للمجتمعات عموماً والسورية خصوصاً من الاهتمام بكبار السّن لضرورة دمجهم في الحياة الاجتماعيّة العامة، ومشاركتهم في مختلف المتغيّرات الاجتماعيّة التي تعترض المجتمع من أجل تأمين حياة مستقرّة منسجمة بين مختلف الفئات العمريّة لمجتمعنا لإعادة التّماسك والوَحدة والاستقرار إليه.

دينا عبد

سيرياهوم نيوز 6 – تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“اليونيسيف”: أكثر من 200 طفل قُتلوا في لبنان من جراء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين

منظّمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” تعلن استشهاد أكثر من 200 طفل في لبنان من جرّاء العدوان الإسرائيلي منذ نحو شهرين، في وقتٍ “يجري التعامل مع ...