آخر الأخبار
الرئيسية » تربية أخلاقية وأفعال خيرية » العقيدة شأن خاص بين الإنسان وربّه

العقيدة شأن خاص بين الإنسان وربّه

 

بقلم: الدكتور مكي حماده فياض

 

عقدت مائدةٌ مستديرة للنقاش حول الأديان والأخلاق جمعت مجموعة من رجال الدين من عقائدَ وأديان ومذاهبَ شتى . وكان من بين المناقشين عالمٌ في اللاهوت المسيحي من أمريكا اللاتينية وحكيم التبت «تنزين جياتسو» ، القائد الروحى الأعلى الحالي لبوذية التبت المُلقّب بـ “الدلاي لاما” .

 

وبعد إنتهاء النقاش ، وجّه رجلُ الدين المسيحي المتنور سؤالاً “للدلاي لاما” : سماحة “الدلاي لاما” – ما هي أفضلُ الأديان من وجهة نظرك ؟

كان السائل يظنُّ أن “الدلاي لاما” سيقول : بوذية التِّبت هي الأفضل أو على الأقل الديانات الشرقية التي سبقت المسيحية بقرون بعيدة . لكن “الدلاي لاما” إبتسم ، ثم قال بهدوء : العقيدةُ الأفضلُ هى تلك التى تجعلك شخصًا أفضل وتجعلك أقرب إلى صورة الله على الأرض .

 

عندها ، ألح رجلُ الدين المسيحي فى السؤال قائلا : وما هى تلك العقيدة التى تجعل الإنسانَ شخصًا أفضل ؟

أجاب “الدلاي لاما” :*هي العقيدةُ التى تجعلك أكثرَ رحمةً ، أكثرَ إدراكًا ، أكثر حساسيةً ، أقلّ تحيّزًا ، أقلّ عنصريةً ، أكثرَ حبًّا ، أنظفَ لسانًا ، أكثر إنسانيةً ، أكثر مسؤوليةً وذو أخلاق عالية . والدينُ الذى يجعلك كل بما سبق ذكره ، هو الدينُ الأفضل* .

صمتَ رجلُ الدين المسيحي مأخوذًا بالإجابة الحكيمة التى لا يُمكن مجادلتها . لكن “الدلاي لاما” أكمل قائلا : *لستُ مهتمًّا يا صديقي بعقيدتك أو دينك أو مذهبك أو إذا ما كنتَ متديّنًا أم لا . إنما الذي يعنيني حقًّا هو سلوكك أمام نفسك ، ثم أمام نظرائك ، ثمّ أمام أسرتك ، ثمّ أمام مجتمعك ، ثم أمام العالم ، وجمع كل ما سبق ذكره ، سيشكّل كيانك وصورتك أمام الله . وتذكّر أن الكونَ هو صدى أفعالنا وصدى أفكارنا ، وأن قانونَ الفعل وردّ الفعل لا يخص عالم الفيزياء وحسب ، بل هو أيضًا قانون يحكم علاقاتنا الإنسانية . فإذا إمتثلتُ للخير ، ستحصدُ الخيرَ . وإذا إمتثلتُ للشرّ ، فلن تحصد سوى الشرَّ . لقد علّمنا أجدادُنا الحقيقة الصافية التي تقول : سوف تجني دائمًا ما تتمناه للآخرين . فالسعادةُ ليست رهن القدَر والقسمة والنصيب ، بل هي إختيارٌ وقرار . ثم ختم كلامه قائلا : إنتبه جيدًّا لأفكارك ، لأنها سوف تتحول إلى كلمات . وإنتبه إلى كلماتك لأنها سوف تتحول إلى أفعال . وإنتبه إلى أفعالك لأنها سوف تتحول إلى عادات . وإنتبه إلى عاداتك لأنها سوف تُكوّن شخصيتك . وإنتبه جيدًّا إلى شخصيتك لأنها سوف تصنع قَدَرك ، وقَدرُك سوف يصنع حياتك كلّها .*

 

يبدو أن ما يريد قوله “الدلاي لاما” بكل بساطة هو أن الدين وسيلة وليس غاية . فالغايةُ العليا هي الصلاح والإصلاح ، والدينُ هو أحد السبل للوصول إلى الهدفين أعلاه . فإن قضى الإنسانُ عمرَه كلَّه فى مسجد أو كنيسة أو هيكل أو معبد وهو يُصلّى ويصوم ويتعبّد ولم يصنع منه كلُّ ذلك إنسانًا صالحًا رحيما متحضرا وعفيف اللسان ، فما جدوى ركوعه وسجوده وجوعه وعطشه علما أن الله تعالى غني عن صلاتنا وذكرنا وقرابيننا ؟ فالله خلقنا لكي نصنع نموذجًا متحضرًا للكائن المسؤول الذى يختار الخير وهو قادرٌ على الشر ، ويختار الرحمة وهو قادرٌ على القسوة ، ويختارُ العدل بدلاً من الظلم . لهذا فقد كلّفنا الله وجعلنا ورثة الأرض القادرين على الإختيار والقرار ، وهذا هو الدرسُ الذى نحتاجُ أن نتعلّمه . فالعقيدةُ شأن خاصٌّ بين الإنسان وربّه . أما الشأنُ العام ، فهو التعامل الطيّب بين الناس . فالإنسانُ النظيف القلب ، العادلُ ، المتحضّر وغير متحيّز ، هو السفيرُ الأجملُ لعقيدته .

 

نتمنى أن تكون أيامكم متوجة دوما بالمحبة والعطاء والتسامح

(سيرياهوم نيوز ١-الشرق اليوم -اختيار د.محمد حاج صالح)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

من هي الفرقة الناجية..؟

  يافع منصور لا تكاد تخلو قناة دينية اليوم من الحديث عن الفرقة الناجية وكل يسحب البساط إليه. ولهذا أقول كلمتي وجوهر اعتقادي بالفرفة الناجية. ...