هيام القصيفي
ثمّة متغيّر أميركي في مواكبة تطورات الشرق الأوسط عبر العودة بقوة الى الساحة. ورغم الاتصالات الجارية بين واشنطن وطهران، عبر سلطنة عمان وغيرها، يتحدّث الأميركيون عن شروط لعبة جديدة مع إيران، من ضمنها لبنان
بما أن القوى السياسية سلّمت بأن لا دور لها في ما جرى في الأيام الأخيرة من تحوّل في الشرق الأوسط، فقد انصرفت الى معركة نقابة المهندسين والاحتفال بها بديلاً من انتخابات رئاسة الجمهورية، ومقايضتها بالتمديد للبلديات. ومع أن لبنان في عين العاصفة، لم يظهر أنه معنيّ فعلاً بما جرى، منصرفاً الى متابعة تعليمات الدول الأوروبية لرعاياها في لبنان وجداول رحلات شركات الطيران الغربية من بيروت وإليها. رغم ذلك، ظلّت بعض الأوساط على تواصل مع دوائر غربية لرصد ما يمكن أن يرتدّ على لبنان من تأثيرات التحول الأخير، بعيداً عن الاصطفاف بين طرفين يتناقضان في رؤيتهما لحقيقة الرد الإيراني ونتائجه. وما خلصت إليه من معلومات وقراءات أوروبية وأميركية يتمحور حول الآتي:تعاملت بعض الدول مع الرد الإيراني بأنه صرف النظر عن غزة وعما يمكن أن تحضّر له إسرائيل لرفح، وأنه كان يفترض بحلفاء إيران التنبّه لذلك، بغضّ النظر عن الاحتفالية بالرد على إسرائيل. وتعتبر هذه الدول أن الرد الإيراني نقطة تحوّل أساسية تشبه 7 تشرين الأول، لجهة أنها أعادت تجميع القوى الغربية – وبعض العربية – إلى جانب إسرائيل، بما في ذلك الأمم المتحدة. ورغم أن إيران وحلفاءها، وحماس في المقدمة، كانت تتعامل مع الدول الغربية عموماً على أنها تغطي إسرائيل بالمطلق، إلا أن أصواتاً غربية ومنها حكومات فاعلة كانت تدين ما تقوم به إسرائيل في ردّها المفرط على الفلسطينيين وتجويعهم وحصارهم. لذلك، ترى هذه الدول أن الردّ الإيراني أعاد حشد هذه الدول مجدداً وراء إسرائيل، وسيكون من الصعب إعادة عقارب الساعة الى الوراء لجهة تزخيم متجدد للحشد ضد إسرائيل في ما قد تقدم عليه من الآن وصاعداً. وهنا يدخل العامل الأميركي على الخط وما يعني لبنان.
كلام أميركي عن أن شروط اللعبة وبنود الاتصالات المستمرة مع طهران تبدّلت
هناك فصل تام بين ما جرى بين إسرائيل وإيران، وبين ما يجري بين إسرائيل وحزب الله، حيث المعركة لا تزال مستمرة. ولا تبدي إسرائيل أي نية لوقفها، لا بل إن ما رشح هو العكس تماماً. ما تغيّر هو أن الولايات المتحدة، في دخولها على خط حماية إسرائيل عسكرياً، أعادت تفعيل دورها في المنطقة في شكل أوسع على طريق اتصالاتها الجارية مع إيران. فخطوط التواصل عبر عُمان أو غيرها، أصبح لها بعد ليل السبت معيار مختلف، يتعلق بمواجهة النفوذ الإيراني في مناطق توسّعه. فكما أن إيران أرادت من خلال ردّها إثبات نفوذها في منطقة تنشط فيها بقوة في العقود الأخيرة، كذلك تتجه الولايات المتحدة الى إعادة فرض نفوذها في المنطقة التي كانت قد تخلّت عنها في مفاصل عدة، وستصبح في الاتصالات الجارية أكثر تشدداً في مواجهة النفوذ الإيراني بعدما دخلت إسرائيل على الخط مباشرة. من هنا، تردّد كلام أميركي عن أن شروط اللعبة وبنود الاتصالات المستمرة تبدّلت، ولم تعد تجري تحت وقع الانتخابات الأميركية حصراً أو إيقاع الحرب على غزة بالمنحى التطبيعي الذي كانت تتخذه في أسابيعها الأخيرة. ما اعتبرته واشنطن تهديداً لأمن إسرائيل، يعيد في دوائرها الى الواجهة وجود حليف واحد في منطقة الشرق الأوسط يمكن للولايات المتحدة الركون إليه، الأمر الذي يجعل واشنطن متيقّظة في شكل فاعل حيال ما كان يطرح على طاولة التفاوض. ولأن لبنان واحد من هذه الملفات الأساسية، لم تعد اللعبة مفتوحة ومرهونة بشروط متبادلة حيال أي تسوية أو ترتيب يطاوله. كلّ ما قد يقال عن تنشيط اتصالات وتفعيل القرار 1701 وما يدور من ترتيبات حيال وضع الجنوب سيكون له مفعول آخر مختلف بعد الرد الإيراني. وكذلك الأمر في ما يتعلق بملف رئاسة الجمهورية، إذ لم يعد لبنان ورقة للتفاوض بالمطلق من دون احتساب أوراق الربح والخسارة. وما كان يعدّه حزب الله وإيران حتى الآن أوراقاً رابحة في الصراع مع إسرائيل منذ 7 تشرين الأول، لم يعد ينظر إليه من المنظار ذاته، ولا يشكل ورقة ضغط على أيٍّ من الدول التي تتحرك على خط لبنان، وخصوصاً الولايات المتحدة. وهذه المتغيّرات ستكون في صلب أيّ نقاش حول وضع الجنوب ورئاسة الجمهورية، سواء مع إيران أو بين الدول التي تتحرك لرعاية ما يمكن الاتفاق عليه حيال أيّ ترتيب للوضع اللبناني. وبقدر ما أن الرد الإيراني وما فتحه من مخاطر وانتظارات من إسرائيل، أشاح النظر عن غزة ورفح، أصبح لبنان من ضمن المتغيّرات التي تريد واشنطن إعادة الإمساك بها. لكن هذا لا يعني تسريعاً لأيّ نشاط رئاسي أو أمني جنوبي، لأن الوقت لم يحن بعد، ولا تزال الطريق طويلة أمام لبنان والمنطقة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية