الرئيسية » كتاب وآراء » خلفيّات الغضب الأميركي

خلفيّات الغضب الأميركي

 

نبيه البرجي

 

كفانا سذاجة بالخلط بين “اسرائيل” وبنيامين نتنياهو. جو بايدن غاضب على الرجل لا على الدولة. أي متابع لما يقال ولما يكتب في واشنطن، يختزل بهذه الكلمات الموجهة الى زعيم “الليكود”: “لقد فشلت وفشلت وفشلت، وعليك أن تغادر المسرح”. كل الأسطورة التي أحاطت بـ “اسرائيل” على مدى عقود، سقطت بأيدي من لا يحملون سوى البنادق، وسوى مدافع الهاون، مقابل ترسانة هي صورة مصغرة عن الترسانة الأميركية المعدّة حتى لحروب الفضاء.

 

هذا لا يعني في حال من الأحوال، أن تنتقل الأمبراطورية من ضفة الى ضفة. سواء كنا أحياء أم كنا موتى، لا مكان لنا لا في العقل الأميركي، ولا في الأجندة الأميركية. من سنوات طويلة قال لنا المستشرق الفرنسي جاك بيرك “حتى عندما تريدون الدخول الى التكنولوجيا، تدخلون من فراش شهرزاد” !

 

 

لا كلام أشد هولاً، ولا كلام اشد واقعية من هذا الكلام. تحت عنوان “التحديث” تنفق المليارات لاعادة احياء ألف ليلة وليلة، ونحن الذين بحاجة الى تحديث حتى هياكلنا العظمية. كما لو أن الله خلقنا هكذا. لكننا نحن الذين أنتجنا ابن رشد وابن الهيثم وابن النفيس، كما أنتجنا جابر بن حيان وأبو حيان التوحيدي.

 

لا ندري ما الذي أصابنا حضارياً وتاريخياً، حين تكون آخر منتجاتنا فيفي عبده وأبو بكر البغدادي. شتان بين الراقصة المصرية بخفة ظلها ورشاقتها، والخليفة “الداعشي” بالتكشيرة والساطور، وهو يلوّح بقطع رؤوسنا اذا لم نستبدل هذه الرؤوس برؤوس القردة. من منا لا يشعر بأن الرأس الذي على كتفيه رأس من يحظر عليه أن يكون كائناً بشرياً ؟

لا نعتقد أننا سنكون شيئاً في اليوميات الأميركية. حتى ولو أبدلنا الكعبة بالهيكل، وأحللنا التلمود محل القرآن. كبير آل بوش، بالضريح الملكي في تكساس، رأى فينا الكائنات التي سقطت للتو من مؤخرة الشيطان. لن نضيف ما قاله أيضاً حتى لا نتهم بالمس بالمقدس. مكاننا الأبدي عراة عند أسوار البيت الأبيض.

ذاك الغضب الأميركي حين كان البنتاغون يقوم بتوضيب طائرات الـ ” اف ـ 35A” والقنابل الزلزالية لارسالها الى “اسرائيل”، لم يكن بسبب جثث عشرة آلاف طفل سقطوا تحت أنقاض بيوتهم، وانما بسبب مصرع 7 عاملين في “المطبخ المركزي الدولي”. هؤلاء الذين كانوا مثالاً للرقي الأخلاقي والانساني، مقابل ذلك النوع الهمجي من البشر.

 

الصدمة الأميركية من “الانتحار الاسرائيلي”، الانتحار العبثي، كانت مدوية. محاولة تغطية الفشل بارتكاب المذبحة تلو المذبحة، أحدث ردات فعل مجلجلة في شتى أنحاء العالم، لا سيما في العالم الغربي الذي، بالرغم من الحروب التي خاضها على مدى قرون، لم يشهد مثل ذلك النوع من الابادة، وحيث الهيستيريا الدموية في ذروتها.

“النيويورك تايمز” تتعامل بذهول مع اصرار نتنياهو على اجتياح رفح. وحتى لو ألقي القبض على يحيى السنوار وهو حي، وهذا، كما تقول أوساط حماس أكثر من أن يكون مستحيلاً، أي نصر يحرزه الائتلاف الحالي في “تل أبيب”؟ مشكلة “الاسرائيليين” في وجود الفلسطينيين الذين يفترض طردهم الى خارج الكرة الأرضية، اذا لا مجال قطعاً للتواجد معهم على أرض واحدة، وحتى على كوكب واحد. النتيجة… ما دام هناك فلسطيني واحد على قيد الحياة لا انتصار، ولا امكانية للرهان على البقاء.

أكثر من ذلك، الايغال في السياسات الوحشية التي تعرّي الدولة العبرية أكثر فأكثر أمام الرأي العام العالمي، بتوظيف الذكاء الاصطناعي في القتل، كانتهاك مروع للمواثيق وللاعراف الدولية. ماذا يتغير… وكما كان الشاعر الفلسطيني سميح القاسم يقول، اذا وضعنا الثعبان داخل اناء من الكريستال؟

 

الآن تكشف صحيفة “الغارديان” البريطانية اسم المسؤول عن الاستخبارات الالكترونية، ومهندس الذكاء الاصطناعي في الجيش “الاسرائيلي” يوسي سارييل. هل ننتظر منه، وقد استخدم تلك التقنية المروعة للقتل، أن يحذو حذو روبرت أوبنهايمر، أبو القنبلة الذرية الأميركية، الذي قال “أنا مدمّر العالم”، ويقول “أنا مدمر العرب”.

 

 

ما يفترض أن تدركه أميركا، وهي صاحبة المعجزات التكنولوجية التي غيّرت “مسار الآلهة” في العالم، أن “اسرائيل” هي التي سقطت لا نتنياهو، الساقط أساسا ً، بعدما كان الديبلوماسي المخضرم دنيس روس قد قال في “اسرائيل”: “نجمتنا الجميلة في سماء الشرق”…

(سيرياهوم نيوز ١-الديار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...