ثناء عليان:
دخلت معترك الأدب بعصامية واقتدار، حفرت اسمها بين زحمة الأسماء والألقاب بإزميل من الصبر، تسلحت بالثقافة الواسعة وبالموهبة الأصيلة لتبتكر فضاءها الإبداعي والجمالي الخاص بها، إنها الكاتبة ميرفت علي التي بدأتْ تجربتها الإبداعية في أواسط التسعينيات كقاصَّة وروائيَّة وكاتبة نصوص مسرحية ثم شاعرة وناقدة وباحثة، في رصيدُها اليوم خمسة عشر إصداراً متنوعاً ما بين قصة ورواية ونقد وشعر ومسرح، وستَّ عشرةَ جائزةً أدبية عربية، وجائزتانِ عالميَّتان، على هامش مشاركتها في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية، أجرينا معها هذا الحوار:
* حدِّثينا عن مشاركتكِ في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية؟
اعتبرُ نفسي محظوظة جداً لأنني زرتُ العراق لأول مرة، ودخلتهُ من أوسع أبوابه، ومن أعلى عتباته الثقافية والفكرية، عتبة مهرجان بابل، الذي انطلقت دورتهُ الأولى عام 2012 على يد الشاعر والمثقف العراقي الدكتور علي الشلاه، هذا المهرجان الذي صنَّفتهُ منظمة اليونسكو كأهمِّ مهرجان إبداعي على المستوى الدولي وليس الإقليمي فحسب، ما أتاحَ أمامي كمُشاركة فرصةً لا تعوَّض للتعرُّف على مبدعين وازنين من أنحاء المعمورة كلِّها، كنا نسمع عنهم وعن صِيتهم الذائع في الآفاق ونحلم بأن نراهم.. وقد أتاحَ لنا المهرجان إمكانية معانقة أحلامنا وتهنئة أنفسنا ونحن نتلقَّفُها كحقائقَ ملموسةٍ محسوسة، تنهضُ من هُلاميَّتها الجنينيَّة لتمشي على قدمين واثقتين، علاوةً على الاحتفاء بالضيوف وإكرام وفاداتهم وتعريفهم على الجوانب الحضارية والتاريخية لمدينة بابل والحلِّة، ومعالم العاصمة بغداد، وتوفير الخدمات والتسهيلات على مدار أيام المهرجان..
بعض النقاد يطالبونني بترك الأجناس الأخرى والتمسك بتلابيب الشعر
واختصَّت مشاركتي في المهرجان بالحديث عن الأدب الفلسطيني المقاوم، والأبعاد النضالية التي كرَّسها الفرسان الأوائل في الرواية والشعر والقصة، إلى جانب زملاء من خيرة كتَّاب العراق والوطن العربي. كما كلِّفتُ بإدارة أمسية شعرية جمعتْ أمهر الشعراء العراقيين والعالميين، وهذا شرفٌ مضاف خصَّتني به إدارة المهرجان، إلى جانب الكثير الوفير من اللقاءات التلفزيونية والإذاعية والصحفية المواكبة للمهرجان.
* في العاميْن الأخيريْن لُوحظ أنَّ ميرفت علي أصبحت تصدح بالشعر بنوعيه التفعيلة والنثر، بعد أن عُرفت لسنوات طويلة كقاصة وروائية وكاتبة نصوص مسرحية ونقد، ما أثارَ الحيرة لدى الزملاء، وإشادة كثيرون منهم بهذا التوجُّه، فسِّري لنا الأمر؟
المسألة أبسط من أن يعقِّدَها الزملاء، من حقِّ أيِّ كاتب أن يتبع أهواءَه في التجنيس الأدبي، فالفكرة تختار سَمْتها الخاص ولباسَها الذي يستمدُّ مشروعيَّته من العفوية وطبيعة الفكرة، فإذا اقتضى الأمر التكثيف والتلميح والتحليق بالخيال المركَّز والاحتفاء بالرمزية، بحثْنا عن فلترة الكلام وإخضاعه إلى الضغط العالي والاختزال والتقنين على طريقة الشعر ومُريديه، وهذا ما فعلتهُ من العامين المنصرمين، الميل إلى الشعر بعد اطّلاع مكثَّف ومديد منذ أيام الجامعة على تجارب روَّاد شعر الحداثة، وكنتُ بدأتُ في المرحلة الثانوية بكتابة الشعر العمودي بإتقان، ووجدتُ مع الزمن أنه يُقيِّد التوجُّه الفكري والتعبيري لديّ، فانصرفتُ إلى كتابة شعر التفعيلة ومؤخراً النثر، وأصدرتُ ديواناً شعرياً في المغرب على نفقة إحدى دور النشرـ والكتاب الثاني سيُطبع على نفقة وزارة الثقافة، ومنذ عامين وأنا ألمسُ تشجيعاً كبيراً من المتلقِّين ومن بعض النقاد كي أُثبِّت أقدامي في تُربة الشعر وأُجذِّر هويتي الخاصة، بل باتوا يطالبونني بترك الأجناس الأخرى والتمسك بتلابيب الشعر. وجاءت مشاركتي في مهرجانات إربد عاصمة الثقافة العربية تكريساً لهذه الانعطافة المائزة في مسيرة إبداعي التي تخطَّت ربع قرن.
* لم تُجيبي على الشق المتعلق ببعض الزملاء المعترضين على توجُّهكِ إلى كتابة الشعر، فما القصة؟
ما يؤلمني حقاً أنَّ بعض ضعاف النفوس بمجرد أن يُعلن عن مشاركتي في مهرجان شعري عربي، سرعان ما يُبرقون إلى مدير المهرجان مُوضحين أنني ساردة (أي كاتبة قصة ومسرح ورواية)، ولا علاقة لي بالشعر لمجرد أنني بدأتُ حياتي مع المسرودات القصصية وخبأتُ شعري في قلبي وعتَّقتهُ، ولكن سرعانَ ما ينقلبُ السحر على الساحر فتُقبل مُشاركاتي واستضافاتي، وأعودُ حامدةً ربي على درس تعلَّمته ولن أفرِّط فيه: (اتَّقِ شرَّ من أحسنتَ إليه)، ومشاركتي في مهرجان بالوزن النَّوعي الفَخري لمهرجان بابل للثقافات هو نوعٌ من ردِّ الاعتبار، وفرصة قدريَّة عظيمة مفادُها أن: (لا يصحُّ إلا الصحيح). وكثيرونَ من أدباءِ العربية كتبُوا في الأجناس الأدبية كلِّها ولم يعترضْ أحد، و(ممدوح عدوان) و(حسن م يوسف) مثالانِ بارزان!
تجربتي الشعرية ليست طارئة أو مستجدة بل “بنتُ ربعِ قرنٍ من الطهي على نار خفيفة”
* ميرفت علي، جمعت الرصيد الأكبر بين زملائها من الجوائز العربية والعالمية، أحدثُها جائزة (نيلسون مانديلا) العالمية للآداب، وباتَ لقبكِ (حاصدة الجوائز)، ما ردُّكِ على من يشكِّك بالجوائز وهم كثر؟
أشكركِ على إثارة هذا الموضوع، إنه وجعٌ من نوعٍ آخر، لكن ببساطة أقول: الجوائز المحترمة معروفة ولا يمكن تزييفُها، جائزة السلطان قابوس.. جائزة الدكتور محمد القاسمي، جائزة الدكتورة سعاد الصباح، جائزة العويس، آل نهيان وكتارا وغيرها تصدرُ عن مؤسساتٍ ومرجعيَّاتٍ ثقافية أصيلة ونزيهة. أمَّا الجوائز الوهمية فهي تصدرُ غالباً عن أفراد متطفِّلين على الثقافة لا يقدِّمون أي نوع من الدعم إلا الأوهام. وأقصى ما يقدِّمونهُ شهادات الدكتوراه الفخرية الزائفة، أو الفوز بجائزة لم نسمعْ عنها وعن لوائِحها الداخلية، ولا عن أصحاب وشروط وأُسس معروفة لها. الخلاصة: كل شيء جليّ، ولا مجالَ أمام المتطفِّلين على الأدب والفاشلين إبداعياً ممَّن يشاركون في الجوائز النظيفة ولا يُحرزون مراكز كي ينتقدوا الكاتب الموهوب والمجتهد. فطبيعي أن تنتقد الأكثرية من الكسالى ومعدومي الخبرة من يكتبون بنبضِ قلوبهم وبمسؤولية ورسالة رصينة. وأنا شخصياً لا يهمُّني ما يقول ذاكَ وما تدَّعي تلك؛ (فلكلِّ مجتهدٍ نصيب) من اجتهاده.
* بعدَ إسهامكِ مؤخراً في تأليف وإصدار كتاب نقدي عربي مشترك، تناولَ أبرز شعراء الحداثة في (سوريا، الأردن، العراق)، هل تتَّجه ميرفت
إلى النقد مستجيبة إلى سحر هذا المنبر الإبداعي الذي عُرفت به مؤخراً ولقيتْ فيه التشجيع؟
** لقد طرحتِ سؤالاً وأجبتِ عليه.. نعم: الشعر وكتابة الشعر وقراءة النقد الكلاسيكي والحديث لأبرز تجاربهِ الإشكالية جعلني اليوم أفضِّل الاشتغال بالنقد وبالتأليف الشعري. ولولا ضيقُ الوقت والالتهاء بتأمين متطلبات الحياة الضاغطة لوسَّعتُ نطاقَ اجتهادي أكثر في المجاليْن الشعري والنقدي.
سيرياهوم نيوز٣_تشرين