تحيي الجزائر هذه الأيام الذكرى التاسعة والسبعين لـ”مجازر” 8 مايو/ أيار 1945، التي تقول إن الاستعمار الفرنسي قتل خلالها 45 ألف جزائري في ساعات معدودة، خلال مظاهرات سلمية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945).
وفي محافظات الجزائر كافة تم تنظيم مراسم رسمية، رُفع فيها علم البلاد وقُرأت فاتحة القرآن الكريم على أرواح “الشهداء”، وأُقيمت محاضرات وندوات عن “وحشية الاستعمار الفرنسي” للبلاد (1830-1962).
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن الاستعمار الفرنسي “أقدم على اقتراف مجازر 8 مايو 1945 بأقصى درجات الحقد والوحشية لإخماد مد نضالي وطني متصاعد”.
وأضاف تبون في رسالة بهذه المناسبة، أن “الشعب الجزائري خرج في مظاهرات عارمة غاضبة آنذاك، معبرا عن تطلعه إلى الحرية والانعتاق”.
وشدد على أن هذه المظاهرات “كانت إعلانا مدويا عن قرب اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 1954 (الثورة التحريرية)”.
مظاهرات سلمية
وفي ذلك اليوم من مايو 1945، خرج مئات الآلاف من الجزائريين في مظاهرات سلمية؛ للاحتفال على غرار شعوب العالم بإعلان انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمطالبة بالاستقلال وخروج الاستعمار الفرنسي.
وشهدت مدن سطيف وقالمة وخراطة (شرق) آنذاك أكبر المظاهرات، التي يقول الجزائريون إن “آلة القتل الفرنسية حولتها إلى وديان من الدم”.
وكان “الشهيد بوزيد سعال” أول ضحية لتلك “المجازر”، عندما قتله شرطي فرنسي، بعد أن رفع سعال علم الجزائر في مقدمة مسيرة احتجاجية سلمية.
فرنسا وإسرائيل
وقال صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، وهو أحد المحاربين القدامى، إن “الجزائريين خرجوا في 8 مايو 1945 احتفالا بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، ومطالبة بالاستقلال الذي وعدوا به”.
وأردف قوجيل، في محاضرة ألقاها الثلاثاء بـ”جامع الجزائر الأعظم” في العاصمة، أن الرئيس الأمريكي آنذاك فرانكلين روزفلت (1933-1945) صرح بمنح الشعوب المستعمرة التي شاركت في الحرب إلى جانب الحلفاء، حقها في تقرير المصير.
وزاد بأن الشعب الجزائري خرج للاحتفال بناء على وعد روزفلت، لكنه قوبل بالقتل والتنكيل من جانب قوات الاستعمار الفرنسي.
قوجيل اعتبر أن ما تعرض له الجزائريون في ذلك اليوم “لا يشبهه سوى المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.
وخلفت الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة أكثر من 113 ألفا بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
“لن ننسى”
وفي “مجازر” 8 مايو، وفق السلطات الجزائرية، استخدم الجيش الفرنسي أفران الجير للتخلص من جثث القتلى، وشاحنات لنقل الضحايا ودفنهم في مقابر جماعية في الأودية.
وترفض فرنسا التعامل مع ملفات عديدة خاصة بتداعيات استعمارها للجزائر، وتدعو إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وأمام تجاهل باريس لـ”المجازر” 8 مايو، شدد تبون في رسالته “على أن ملف الذاكرة (تداعيات الاستعمار الفرنسي) لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة”.
وأكد أن هذا الملف “سيبقى في صميم انشغالاتنا، حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية”.
وتحت شعار “لن ننسى”، يحيي الجزائريون سنويا ذكرى هذه “المجازر الوحشية” التي ارتكبتها الاستعمار الفرنسي، ويرفقون هذا الشعار بجميع منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويجمع خبراء ومؤرخون على أن هذه “المجازر” كانت نقطة مفصلية في كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.
إذ أعادت عقيدة الكفاح المسلح إلى أذهان النخب السياسية الجزائرية آنذاك، ورسمت نهاية المقاومة السلمية عبر الحركة الوطنية.
وبدأت نواة التنظيم العسكري في الجزائر عام 1947 بتأسيس “المنظمة السرية” التي مهدت الطريق لاندلاع ثورة نوفمبر 1954، التي توجت باستقلال الجزائر في 1962.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم