آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » حولَ الثّقافةِ وفاعليّتِها..!!

حولَ الثّقافةِ وفاعليّتِها..!!

 

أحمد يوسف داود

 

أعتقد أن الفعاليّةَ الثَّقافيَّةَ الحَقَّةَ هي فَعاليّةُ (صِناعةِ وَعيٍ عامٍّ) يستجيبُ للتّحدّياتِ الحَيويّةِ المَطروحةِ على مُجتمعٍ ما، في (شروطِ وجودِهِ) المُعايَنةِ.. وهيَ فعاليةٌ تمسُّ دائماً قضيّةَ بَقائِه أو قضايا استِمرارِهِ وارتقائِهْ.

وأعتقِدُ أنّ وَعيَنا العامَّ لوُجودِنا الراهنِ كسوريّينَ، هو وعيٌ يُعاني من (أزمةٍ بُنيويّةٍ) شاملةٍ ناتجَةٍ، إجمالاً، عن الجَمعِ القََسريِّ بينَ (مُكَوِّنَينِ) متناقضَينِ بحدّةٍ هما:

1 ـ المَوروثُ الغيبيُّ المُتواتِرُ عَبرَ أربعةَ عشرَ قَرناً، بيقينيّاتِهِ القطعيّةِ الجبريّةْ وبما فرّعَهُ (الفِقهُ السلطويُّ) عن تلك اليقينيّاتِ من تفصيلاتٍ تسويغيةٍ متراكِمةٍ خِلالَ المَراحِلِ المُتواليةِ في تلك القُرونْ.

2 ـ مافرضتْهُ ديناميّاتُ حَركةِ الواقِعِ الحديثِ ونَواتِجُها ـ في ظلِّ الاستعمارِ الرأسماليِّ الأوربيِّ، وفي فترةِ الحَربِ الباردةِ، وفترةِ ظهورِ الإمبريالية الجديدةِ المُتوحّشةِ ـ من نُثارِ أفكارٍ مُناقضةٍ أصلاً لذلك الموروثِ، ومن تأثيراتٍ مُعقّدةِ التركيبِ على وعي الشُّعوبِ في البُلدانِ التي كانَت تُسمى في مرحلةِ الحربِ الباردةِ باسم (العالمِ الثالث)، حيث لاتنفعُ (الاستسلاميّةُ الاعتقاديّةُ الغَيبيّةُ) بشيءٍ تَقريباً في مُواجَهةِ الضراوةِ الوحشيّةِ للامبريالية الجديدة، وأسلحتِها المعرفيّةِ والتقنيّةِ، ونواتِجها المُختلفةِ المُهيمِنةْ، ومَشروعاتها النّهّابةِ التّدميريّةْ.

ولقد كشفتِ الحَربُ الدائرةُ على سوريا منذ ثَلاثةَ عَشَرَ عاماً ونَيِّفْ مدى عُمقِ هذه (الأزمةِ البنيويّةِ).. و حُجومَ مُنعَكساتِها الاقتِصاديّةِ/ الاجتِماعيّةِ عُموماً في سَعةِ الخرابِ العامِّ الذي نَتجَ عنها في مُختلفِ المَجالاتْ، كما كَشفتْ عُمقَ الحاجةِ إلى تبنّي وتطويرِ مُستوىً جديدِ من (الوَعيِ العامّ) الأكثرِ نجوعاً في ضَمان البقاءِ والارتقاءِ المتوازنينِ.. وفي رأيي، أنّ أولَ مايجبُ إقرارُهُ في الطريقِ إلى ذلك هو:

ـ فصلُ الدّينِ عن الدولةِ فَصلاً مُلزِماً يَضمَنُ (حُريّةَ الاعتقادِ الشّخصيِّ) من جهةْ، وحُريّةَ الرأيِ والفِكرِ والإبداعِ في مُستَوى الحياةِ الاجتماعيةِ والاقتصاديّةِ والسيّاسيّةِ من جِهةٍ أخرى، مالم يكنِ الرّأيُ والفكرُ مُخِلّينِ فعليّاً بشُروطِ ضَمانِ البَقاءِ الناجعْ… فتكونُ الديموقراطيةُ بذلك (ناتِجاً وأسلوبَ عَملٍ) اجتماعيَّينِ/ سياسيَّينِ، ويكونُ القانونُ راعِياً حَقيقـيّاً لقَضايا إعادةِ الإعمارِ والبِناءْ بالشروط المُثلى المُتاحةْ.

وهذا كلهُ بالطبعِ يُلغي تغييبَ أيِّ أحدٍ أو أيّةِ فئةٍ أو أيّةِ جَماعةٍ مُجتمعيّةٍ عن ساحةِ الفعلِ الإيجابيِّ المُنتِجِ.. والشرحُ التفصيليُّ يَطولْ.

إنّ أيّةَ وزارةٍ أو جِهةٍ إداريّةٍ لايُمكنُها ـ في شُروطِ وُجودِها الراهن ـ أنْ تقومَ بعبءِ ذلك أو بعضِهْ، لأنّ خلقَ مستوىً جَديدٍ وكُفءٍ من (الوَعيِ العامّ) هو مَسؤوليّةُ الجَميعِ: الشعبِ والدّولةِ معاً. وإن صحّ ما قلتُه هنا أو بعضُهُ فإنّ الأمرَ سيَحتاجُ إلى استِنفارٍ عامٍّ لسائرِ منْ لدَيهِمُ القُدرةُ على إقْرارِ (التأسيسِ) ـ مُجرّدِ التأسيسِ ـ للمُستوى الجَديدِ الكفءِ المَطلوبِ من ذلك الوَعيِ المطلوبْ.

ويبقى أخيراً هذا التساؤل:

هل هذا الذي ذكرتُهُ مُمكنٌ فِعليّاً في سياقِ حركةِ وُجودِنا السُوريِّ الراهنْ؟!.

نَظَريّاً: نعمْ.. أمّا عمليّاً فإنّ إمكانيّةَ تَحقُّقِهِ هيَ رهنٌ بمَدى حِرصِنا، نحنُ كَسوريينَ، على ما سمّيناهُ قَبلاً (بقاءَنا الناجِعْ)!.

(موقع سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية: بين المشورة واتخاذ القرار

  حسان نديم حسن في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم وتنامي أهمية المؤسسات التشاركية، تبرز المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية كأدوات حيوية للإدارة وتقديم الخدمات ...