سعاد سليمان
قراءة في المجموعة الشعرية ” بعض نزف من عذوبة ” للأديب علم الدين عبد اللطيف قدمها الأديب منذر حسن , والأديبة ميرفت علي , وذلك مساء أمس الأحد الموافق 26 – 5 – 2024 في اتحاد الكتاب العرب بطرطوس , بحضور رئيس وأعضاء فرع الاتحاد , ومجموعة من الأدباء , والمهتمين بالشأن الثقافي بالمحافظة ,حيث قدم الاديب منذر عيسى رئيس الفرع للأديب , ولنتاجه الجديد , و مما قال :
شغف الأسئلة أقدمها .. ففي سياق حياتنا , ونشاطنا في الحقل الأدبي الابداعي يطرح سؤال : ماذا نريد من الكتابة ؟
هل هي مصدر للشهرة , والبقاء تحت الأضواء ؟
هل يمكننا القول أن الكتابة احتراف التخلي عن كل شيء من أجل كلمة نكتبها ؟
أليست الكتابة نزف , أو بعضه , ممارسة الحياة , والحرية
هل نخرج بعد الكتابة بسلام أم نعود إلى سجن خلقته قوة النص ..
ويجيب : نعم .. ويضيف :
إن الشعر لا يموت , وهو مرتبط بوجود الانسان على كوكب الارض .. الكوكب شعر , الشعر حرية , ولا يمكن للحرية أن تموت .
الشعر أولا , وله الكلمة الأولى ..
بهذه العبارات الجميلة بدأت جلسة من الأدب حول المنتج الجديد : بعض نزف من عذوبة , ومما قاله الأديب منذر حسن بالجلسة المميزة حول الكتاب ومبدعه :
هي الصوفية أم الحالة المعرفية لدى الشاعر الذي امتلك أدوات الصوفية كحامل لرؤيا يقدمها , حيث كانت المفردات التي استخدمها جزءا من الثقافة التي تسكن وجداننا الجمعي ..
مؤكدا أنّ تجاوز عالم الحس عنده مضى نحو روحانيات , لا تتجاوز العقل إلا حين يكون الاتجاه هروبا إلزامياً من قسوة الواقع الى مخيال الشعر , ومحاولة لجعل الشعر ذاتا له، للنص الشعري لا للهروب بمعنى المواربة , أو اللعبة اللغوية.. وأضاف :
المرأة تسكن الظل، لكن الظل الجميل , و الأثير الذي يطال عطره أجمل التفاتات الإبداع لديه.
ويسأل : لعل الشاعر اراد ان يقول كل ما يشاء عنها بدونها ..ليدلل على حضورها , وهذا يجعل مفردات الجمال مختمرة كما خمرة السنين لديه .
وعن الحداثة أكد أنها جاءت بمثابة جنس أدبي له كينونته الخاصة , وأن الشاعر ترك الباب مفتوحا لهذه التجربة مقدما نماذج جميلة ..
ويضيف : كان الشاعر بعيدا عن الصور المستهلكة , فجاءت قصيدته رشيقة , وقد امتلك القدرة على توظيف اللغة عبر الاحالات الدلالية , والانزياحات التي اتكأت على الارث لكن لم تكن اسيرة له , وقد استطاع أن يحملها المعاني , والصور التي تماهت مع نص رشيق , وبكر .
مؤكدا أن الشاعر كان بعيدا عن التعصب لأي جنس ادبي , وفي قصيدته كتب الشعر بأشكاله الثلاثة ..
وأن تجربة الشاعر هي تجربة متعددة واسعة , وغنية , والحديث عنه كشاعر لا ينفصل عن الحديث عنه كأديب , وناقد , وباحث , وهذا ما يمكن استقصاؤه من خلال الغنى الذي يمتاز به نصه الشعري معرفيا , ودلاليا , وفنيا , وبنيويا ..
وأن هذه المجموعة الشعرية تشكل فارقا في مسيرته الابداعية , وتستحق المزيد من التعمق في دراستها ما يحتاج الى اكثر من قراءة وجيزة كهذه :
” بعض نزفٍ من عذوبة ” للشاعر و الأديب الأستاذ علم عبد اللطيف
مجموعة وقعت في مئة وسبعين صفحة , صادرة عن وزارة الثقافة ..الهيئة العامة السورية للكتاب. وأغلب قصائدها من الشعر الكلاسيكي , أو من الشعر الحر، كما اغتنت بنصوصٍ نثريّة عذبة
و منها : أبيات على غلافها:
يا للهوى
في الوعد شيّدَ لهفتي
و أنار نجماً في الخيالِ
و أطفأه
وعلى شواطئ بحره
في الحلم أوصد مرفأه
ويعلق بالقول :
قصائده تعود بالنفس إلى سجيّتها الأولى، لغةُ البدء، اللغة الأمّ الخالقة ..
ويضيف : أقولُ له : ليتك وضعت لكل قصيدة عنوانا، وأسمعه يرد:
لا يحتاجُ الشعر , فكلّ كلمةٍ شاعرة؛ و لكلّ جديلةٍ روحٌ لا تحبّ أن نوجزها، أو نلوّحَ لها.. لنتركها.. فضاؤها أولى بها.
ومما قال أيضا : رأيت الشاعر يهمسُ للقمر، يشير إلى طلّته، و إلى ضوئه سلّماً للجمال، ثمّ يسبغ علينا دوائرنا، ويهبنا دوائره حتّى لنكاد نتنزّلُ به، ونكتمل, ونحن نلملم حكاياتِنا , و أسماءَنا هالاتِ ضوءٍ يرتّلها الشجر.
ويؤكد أنّ الشاعر قد أخذ منحىً صوفيّاً، وليس عنده تعصّب لشكل من أشكال الشعر ، حتى بشأن الحداثة فإنه يفصل بين تطوّر القصيدة العربية عنده , وبين تجربة الحداثة .
وأن الكتاب يستحق منّا دراسة معمّقة.. خاصّة في الجانب النّثري منه.. انطلاقا من أهميّة التجربة التي خاضها الشاعر.. نثراً وشعراً ونقداً أدبيّاً
وينهي بالقول : هذا الكتاب.. ” بعض نزف من عذوبة ” يشكّل إضافة جميلة , وغنيّة لتجربة الأستاذ علم الغنيّة.. أديباً عالياً , و شاعراً ألِقاً..
الأديبة ميرفت أحمد علي قدمت بدورها رؤيتها الخاصة بالديوان (بعض نزف من عذوبة)، فتناولت البناء الفني , وتخريج القصيدة عند الشاعر، واستشهدت بآراء المفكر الكبير , والشاعر أدونيس. بالقول :
الشعر حالة وجدانية تتسم بالإغراق في الذاتية، وهو مفهوم يتصدر تعريفات الشعر الحر، والقصائد المنثورة في الديوان برأيها تحقق هذا الشرط اللازم والضروري. كما تحدثت عن حضور البلاغة , واللغة الفصيحة باتساع , ورحابة في القصائد، وأن الأسلوب كان مماثلاً أحياناً لأساليب الشعراء الأوائل، وفي كثير من الأحيان كانت له فردانيته , وخصوصيته في التعبير , والتحليق , والخروج بالمنطوق اللفظي , والتركيبي من ضفة المألوفية إلى أفق اللامحسوس , واللاواعي واللامنظور.
كما أشارت إلى قوة الإيحاء , والتصوير , والتخييل، واستدعاء التراث العربي في الفلسفة , والشعر , والموسيقى , وعلم الفلك , والرياضيات، وأشادت باللغة الشعرية وبحرفيتها في تجربة الأستاذ علم عبد اللطيف، فلم تقع كقارئة على أي نشاذ أو شذوذات عن اللفظ الشعري الأنيق المعروف للنقاد..
لكنها عاتبت الشاعر على عدم تصدير القصائد بما يناسبها من عناوين تشكل مدخل ضروري لفهم النص، ما أثار لديها كمتلقية بعض الارتباك , والغموض.
ومن ناحية أخرى تحدثت عن المضمون المتنوع فهناك الفلسفي المستدعى من التراث، وهناك الصوفي، والغزلي المتخفف من الغموض , والمتميز بالسلاسة الأسلوبية، وحضرت الطبيعة بقوة في النص، وجاء تمجيد الحزن كمطلب ملحّ للشعراء يطالب به الشاعر، ويعتبره محفزاً على الإبداع.
وخلصت بالقول : بالمجمل فالقصائد في ديوان (بعض نزف من عذوبة) عبرت عن رؤيوية خاصة , وطرحت أسئلة وجودية , وإشكالية عامة من منظار شاعر قدير امتدت قراءاته الواسعة على مدى سنوات طويلة.
الأديب علم الدين عبد اللطيف قرأ بعضا من كتابه الجديد ومما قال :
إن أتيت الكأس صبحا
نشوة الروح تفيها
حقها فيها رغاب
في صقيع تصطليها
وإذا أشعلت منها
قلبك الباكي عليها
حظه من أمنيات
حظها من خاطفيها
قد يوافي مستجيبا
شغف صاح يليها
نشوة كانت صلاة
أو رفيفا أو شبيها
وكان لعدد من الحاضرين مداخلات قدموا من خلالها انطباعاتهم عن الشعر , والأديب علم عبد اللطيف شاكرين وجوده , وابداعاته المميزة .
(موقع سيرياهوم نيوز-٢)