صعّد مسؤولون إسرائيليون وتيرة تهديدهم بشنّ عملية عسكرية في لبنان، على وقع ارتفاع منسوب الهجمات المتبادلة مع حزب الله خلال الأيام الأخيرة. لكنّ احتمال اندلاع مواجهة شاملة بين الطرفين لا يزال ضئيلاً، وفق محللين.
ما هي مؤشرات التصعيد؟
منذ الأسبوع الماضي، ارتفعت حدّة تبادل القصف والهجمات المركّزة الأهداف بين حزب الله وإسرائيل عبر الحدود، التي تشهد تصعيداً تعلو وتيرته حيناً وتتراجع حيناً أخرى، منذ هجوم حركة حماس الفلسطينية غير المسبوق على جنوب إسرائيل.
وأعلن حزب الله، الذي يقول إن عملياته تشكل جبهة “مساندة” لغزة، مؤخراً أنه شنَّ هجمات مركبة بمسيّرات انقضاضية وصواريخ على مواقع عسكرية إسرائيلية. وتسبّب الأسبوع الحالي باندلاع حرائق غير مسبوقة في الجانب الإسرائيلي.
ومساء الخميس، قال الحزب إنه استخدم صواريخ دفاع جوي ضد طائرات اسرائيلية، لإبعادها عن أجواء الجنوب بعد خرقها جدار الصوت، لأول مرة، بعد استخدامه في وقت سابق صواريخ مماثلة لاسقاط مسيّرات من نوع هيرمز.
ويشير المحلل الجيوسياسي لدى شركة لو باك الاستشارية مايكل هورويتز إلى “تصعيد حقيقي خلال الأسابيع الأخيرة، مع إطلاق صواريخ بعدد أكبر بكثير”، لافتاً الى أن عدد الصواريخ التي تم إطلاقها على شمال إسرائيل “تضاعف ثلاث مرات خلال شهر أيار/مايو مقارنة مع كانون الثاني/يناير على سبيل المثال”.
ويوضح “يستخدم حزب الله كذلك أسلحة جديدة أكثر فاعلية، لا سيما الطائرات الانقضاضية من دون طيار، بينما يوسّع نطاق عملياته إلى مدن جديدة”.
ويكرّر حزب الله الذي يستهدف أحياناً مواقع عسكرية بعيدة نسبياً من الحدود على لسان أمينه العام حسن نصرالله أنه لم يستخدم إلا جزءاً يسيراً من ترسانة الأسلحة الضخمة التي يمتلكها، في هجماته ضد إسرائيل، وانه لن يوقف هجماته قبل وقف إطلاق النار على غزة.
ويرد الجيش الإسرائيلي بتنفيذ غارات أعمق داخل الأراضي اللبنانية وضربات موجهة بمسيرات، تطال مقاتلين وقياديين من حزب الله وفصائل أخرى أثناء تنقلهم في سيارات أو على دراجات نارية.
ماذا عن مواقف الطرفين؟
في موازاة التصعيد في الميدان، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الأربعاء أن بلاده “جاهزة لشنّ عملية مكثفة للغاية” على الحدود مع لبنان، من أجل أن “نعيد الأمن” الى شمال إسرائيل، حيث دفع التصعيد مع حزب الله عشرات الآلاف إلى مغادرة منازلهم.
ودعا حليفا نتانياهو من اليمين المتطرف وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش في الأيام الأخيرة إلى التحرك بصورة عاجلة لإعادة الأمن إلى شمال إسرائيل.
وكتب بن غفير على تلغرام الثلاثاء تعليقا على حرائق اندلعت إثر إطلاق حزب الله صواريخ الإثنين “إنهم يُضرمون الحرائق هنا. يجب حرق وتدمير جميع معاقل حزب الله”.
وقال سموتريتش الإثنين إن على الجيش الإسرائيلي أن يجتاح لبنان ويبعد “مئات آلاف اللبنانيين” من الحدود.
وفي الجانب اللبناني، يقلّل حزب الله من أهمية التهديدات الإسرائيلية، التي اعتبر نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أنها “لا تعنينا.. وليس لها فائدة”.
وقال في تصريحات لقناة الجزيرة الثلاثاء “على كل حال قرارنا ألا نوسّع المعركة ونحن لا نريد حرباً شاملة” مشدداً في الوقت ذاته على أنه “إذا فرضت علينا، فنحن جاهزون لها ولن ننسحب من الميدان”.
وخلال ثمانية أشهر، أسفر التصعيد عن استشهاد 456 شخصاً على الأقل في لبنان بينهم 88 مدنياً، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات حزب الله ومصادر رسمية لبنانية.
وبين القتلى أيضاً 296 مقاتلاً من حزب الله، وهي حصيلة أعلى مما تكبّده الحزب خلال حرب مدمّرة خاضها مع اسرائيل في صيف 2006.
وأعلن الجانب الإسرائيلي من جهته مقتل 15 عسكرياً و11 مدنياً.
وعلى ضوء التصعيد في المواقف والميدان، دعا الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريش الخميس إلى وقف الهجمات المتبادلة عبر الحدود، معرباً عن قلقه من خطر نشوب “صراع أوسع نطاقاً تكون له عواقب مدمّرة على المنطقة”.
وفي بيان مشترك الخميس، شدّد قادة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا على “الأهمية القصوى للحفاظ على استقرار لبنان وتصميمهم على توحيد جهودهم من أجل دعم وقف التصعيد” على طول الحدود مع إسرائيل.
هل يترجم التصعيد بمواجهة شاملة؟
رغم التهديدات المتبادلة، يرى الباحث في مركز مالكوم كير-كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب ويخوضان “تصعيداً بضوابط”.
ويقول “ما نراه هو لعبة ردع من الجانبين. وسّعت اسرائيل خلال الأشهر الماضية هامش” عملياتها عبر “ضرب أهداف أبعد من الجنوب واستهدفت المدنيين”، في حين أنّ “تصعيد حزب الله في الأيام الأخيرة لاستخدام أسلحة على نطاق واسع هو بمثابة محاولة لإخبار الاسرائيليين أن: قادرون أيضاً على التصعيد”.
ورغم أن اندلاع الحرب “يبقى احتمالاً حقيقياً” وفق يونغ، إلا أنه يرى أن الطرفين “وسّعا الخطوط الحمراء، لكنهما لم يتجاوزاها فعلياً بعد”. ويقول “ما يحدث اليوم في الجنوب ليس استعداداً للحرب بقدر ما هو استعداد للتفاوض” في حال التوصل الى وقف لإطلاق النار.
ويجد المسؤولون الإسرائيليون أنفسهم، وفق هورويتز، تحت “ضغط شعبي حقيقي” مع استمرار معاناة النازحين من شمال اسرائيل. وتلعب “التوترات الداخلية دوراً في تصريحات” المسؤولين على حد قوله.
خاض حزب الله وإسرائيل حرباً مدمرة في 2006 أسفرت عن استشهاد 1400 شخص، 1200 منهم في الجانب اللبناني، وغالبيتهم مدنيون.
وسبق للقوات الإسرائيلية أن اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت لطرد منظمة التحرير الفلسطينية التي تزعمها الرئيس الراحل ياسر عرفات. إلا أن رحيل المقاتلين الفلسطينيين أدى الى ظهور خصم أكثر شراسة لإسرائيل، وهو حزب الله.
ويقول هورويتز “على الرغم من التصريحات التهويلية، أعتقد أن نتانياهو يعلم أيضاً أن الحرب مع حزب الله ستكون رهاناً محفوفاً بالمخاطر”.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم