باسل علي الخطيب
اذا المنظومة الحاكمة في الغرب قد صار ظهرها للحائط….
خياراتها في مواجهة (عودة ترامب) محدودة …
قلنا إن احد الخيارات هو اغتيال ترامب، ودون ذلك مخاطر جسيمة، ولكن يبقى خيارا مطروحا، وهو سيكون خيار (الكي)…
يبقى الخيار الثاني هو ان تقوم المنظومة (بلملمة) الأمور على مستوى اكثر من منطقة في العالم، لكي تقلل من خيارات (الحالة الترامبية) لاحقاً، ولكي تتفرغ لمواجهة هذه الحالة….
من هذا المنطلق يبدو ان هذه المنظومة اخذت قرارها ان تجنح للسلم في منطقتنا، كانها تريد ان تشتري الوقت عن طريق فرض هدنة في صراعات الشرق الاوسط…
يدرك محور المقاومة الأزمة التي تعيشها هذه المنظومة، ويدرك أن سعيها لإقرار هدنة طويلة الأمد في الشرق الأوسط دونها قبوله، فالمقولة التي راجت سابقاً ( أنه لا حرب من دون مصر ولا سلام من دون سورية)، تثبت صحتها يوماً بعد يوم في شقها الثاني، أما شقها الأول فقد تهاوى منذ حرب 1982 وسقط واكل عليه الزمان وشرب….
يدرك محور المقاومة ان المنظومة الحاكمة في الغرب تعاني ضعفا بنيويا، هذا الضعف ابعد ان يكون لحظات ضعف انيه، وقد قرر مجتمعاً أنه والحال كذلك فلن يرضى بذاك (السلام) إلا مقابل (الثمن) الأعلى….
لطالما تساءلت في عدة مقالات سابقة على مدى سنوات عن سر التقارب والغزل (الاعرابي) مع سورية، ذاك التقارب الذي يتقدم حينا، ويتراجع احيانا، والذي كان في خضم معركة (عض اصابع) عنيفة دارت منذ عام 2018، عانت سورية دولةً وشعباً منها كثيراً أكثر من أي طرف آخر في المحور…
تلك المعركة التي تمثلت في عقوبات اقتصادية كانت تشتد يوماً بعد يوم، عدا عن تضخيم الحالة (القسدية) والايحاء بسلخ ذاك الجزء من سورية، إلى جعل ورقة الإرهاب الداعشي انطلاقاً من قاعدة التنف، وإرهاب النصرة وملحقاتها من ادلب ورقة ضغط على الدولة والجيش ارواحاً واشغالاً، أضف إلى الضغط التركي المستمر في الشمال، وتحريك القلاقل في سورية هنا وهناك، وصولاً إلى الاعتداءات الصهيونية اليومية تقريباً….
انا لا أقول إن بقية أطراف محور المقاومة لم تتعرض للضغط، لكن ذلك لايقارن بما تعرضت له سورية دولةً وجيشاً وشعباً…
في سياق معركة عض الاصابع هذه، والكل ينتظر من سيصرخ اولاً، ضغطت سورية على الوجع، ضغطت حتى كاد يتقيح، وقد بلغ الوجع أقصاه، ولكنها لم تصرخ، في سياق هذه المعركة كان التقارب الاعرابي معها، في البداية ظهر ذلك التقارب وكأنه (رشى) سياسة، ياخذ احيانا اشكالا بعيدة عن السياسة ولكن دون مفاعيل حقيقة على الارض في سورية….
سبق وكتبت مقالاً قلت فيه أن فوز الطفلة شام بتحدي القراءة العربي هو نوع من الرشوة لسورية، وكذلك الأمر تلك الإقامات الذهبية، عدا ذلك الوفود التي تأتي وتذهب، الاستقبالات الأسطورية للسيد الرئيس، فتح بعض السفارات، الغزل الإعلامي….
تعرف وتدرك سورية أن ذلك ليس إلا ذراً للرماد في العيون، لخصتها تلك الجملة المعبرة التي قالها السيد الرئيس في مؤتمر جدة، عندما قال (أن العروبة ليست عروبة الاحضان….)….
أتت عملية طوفان الأقصى وماتلاها لتكتشف تلك المنظومة أن ذاك الوحش (الكيان الصهيوني) لم يعد ذلك الوحش الذي يركن إليه ليكون العصا الغليظة لتلك المنظومة….
ثمانية أشهر ونيف وقد استعمل ذاك الكيان كل قواه إضافة للدعم الهائل الغربي والاعرابي الذي تلقاه عسكرياً ولوجستياً وسياسياً ومالياً ومعنوياً ولم يستطع تطويع منطقة مساحتها 350 كيلومتر مربع فقط…
قامت إيران بتوجيه ضربة صغيرة لذلك الكيان، احتاج الأمر تدخل بعض الغرب وبعض الاعراب للتصدي لتلك الضربة، ولم يجرؤ الكيان على رد الضربة…..
كانت النتيجة التي وصلت إليها تلك المنظومة أن ذاك الكيان صار يفشل في تأدية الدور الوظيفي المطلوب منه، وقرار سحب ذاك الدور منه قد حسم، وهو مسألة وقت وترتيبات، نعم، بحري الحديث كثيراً هذه الأيام عن اليوم التالي بعد الحرب في غزة، والأصح أن يكون الحديث عن اليوم التالي بعد الحرب في الكيان…..
بناءً على كل ذلك اعلاه، حدد محور المقاومة (الثمن) الذي يريده للذهاب إلى هدنة، حالياً هناك وساطة عمانية بين سورية وامريكا، ووساطة سعودية بين قطر وسورية، ووساطة عراقية بين تركيا وسورية….
الثمن عالي جداً، وقد بدأ دفع فواتيره، البداية كانت مع عدم توقيع الرئيس الأمريكي لقانون العقوبات الجديد ضد سورية، فاتحاً المجال أمام الدول الأعرابية لتنخرط أكثر في علاقة جدية مع سورية يكون لها مفاعيل حقيقية على الأرض من الناحية الاقتصادية، تزامن ذلك مع إلغاء أي اعتراف باي مكون يمثل الدولة السورية سوى الحكومة الشرعية في دمشق، تالياً سيكون هناك انسحاب تركي وتسليم لادلب قد يتضمن عملية جراحية بسيطة، و سيكون هناك اتفاق على ضمان أمن الحدود، هذا يتطلب التعامل مع قسد، هؤلاء بدؤوا يعوون أن هناك اتفاقاً سورياً تركياً يلوح في الأفق وبرضى امريكي، سارع هؤلاء إلى خطب ود دمشق، دمشق لم ترد على العروض التي تكررت منهم، سيكون انسحاب امريكي من الجزيرة مقابل انسحاب الإيرانيين، وستترك قسد لمصيرها امام سورية وتركية والعشائر العربية….
لكن دون هذه الصفقة بقي عائق وحيد واساسي، هو العقلية المتطرفة في الكيان الصهيوني، هؤلاء مازالوا يعتقدون أنهم ذاك (الوحش)، ولايريدون التسليم أن حروب (الستة أيام) قد ولت إلى الابد، ستدفع تلك المنظومة الكيان إلى الذهاب الى حرب مع المقاومة اللبنانية لكسر شوكة تلك العقلية، وجعل أولئك المتطرفين يرضخون، سيتلقى الكيان في تلك الحرب ضربة لم يتلقاها سابقاً، نعم، ستتلقى المقاومة ضربة كبيرة ايضاً، ولكن الضربة التي سيتلقاها الكيان قد لايقوم بعدها….
هذه الحرب ستكون آخر حروب المنطقة ولفترة طويلة نسبياً، وبعد ذلك يتم إرساء نظام شرق أوسطي جديد سيكون الاقتصاد التشاركي ومجابهة التطرف عنوانه الأساس….
طبعاً تفصيلات وترتيبات هذا الأمر في كل دولة والعلاقة بين الدول المختلفة فيه يحتاج مقالاً تفصيلياً، ولكن ركيزتي هذا النظام ستكونان ايران والسعودية، وستلعب سورية دور ضابط الايقاع….
هناك احتمال ولو بسيط أن تنجح بعض الرؤوس (العاقلة) في الكيان فيتجنب الحرب مع المقاومة اللبنانية، ولكن ذلك قد لايرضي ذلك تلك المنظومة، لأن الخيار البديل هو اغتيال ترامب،. لكن كما قلنا اعلاه، هذا خيار (الكي)، وقد لاتحتمل المنظومة نتائجه….
(موقع سيرياهوم نيوز ١)