علي عبود
نادرا ماأتابع برنامجا حواريا على التلفزيون السوري يتناول القضايا المحلية، فمعظمها يعدها أو يقدمها “هواة” تسللوا إلى الإعلام بالوساطة أو المعرفة الشخصية من أصحاب النفوذ، فالأسئلة التي يطرحونها، والتعليقات الساذجة والمستفزة التي يتحفوننا بها تشي بأنهم دخلاء على المهنة، وغير مستعدين لإنجاز برنامج يحترم عقول المشاهدين، وتحديدا المهتمين!
كلنا نتذكر بعض “الإعلاميين” الذين احتلوا مساحات واسعة في الإعلام الورقي والمرئي لعدة سنوات أختفوا فجاة وغابوا كليا بعد إعفاء من عيّنهم ورعاهم ودعمهم، وكأنهم سراب تبخّر في ثوان!!
بالمصادفة البحتة شاهدت مادة من برنامح موضوعها سكان الأبنية ولجانها الأدارية أداره مذيع ومذيعة مع ضيفهم المحامي الذي لديه تجربة واطلاع بالموضوع.
البداية كانت مداخلة غريبة ومستفزة من المذيع فقد قالها باستعراض يفضح كم هو غبي ومستخف: أنا شخصيا استغربت، يوجد عندنا قانون رقم 55 الناظم للتعامل بين سكان البناية .. معقول إننا في سورية لدينا قانون ينظم علاقة الجار مع جاره؟!!
تصوروا أن هذا “الإعلامي الفذّ” لم يسمع بوجود قانون ناقشه مجلس الشعب في عام 2004 وصدر في عام 2005 وتم نشره في الصحف السورية، وتصدر نشرات الأخبار المحلية في التلفزيون السورية وإذاعة دمشق، وتحدث عن مواده وأحكامه عدد من وزراء الإدارة المحلية في مناسبات عدة..الخ، قالها هكذا: “استغربت وجود قانون ينظم التعامل مع الجيران”!
حسنا، لنفترض أن هذا المذيع فوجئ و“بوغت” بوجود مثل هذا القانون، لماذا لم يستفسر من معدّ البرنامج، ولم يسأل عن أهميته من المختصين كالضيف المحامي قبل إعداد البرنامج أو بثه مباشرة على الهواء؟
ومع أن المحامي شرح بإسهاب أهمية القانون 55 بإدارة الخدمات المشتركة لسكان الأبنية (الأدراج والمصاعد والمياه والكهرباء والنظافة) فإن المذيعة طرحت سؤالا يفضح عدم قراءة القانون قبل الدخول في حوار مع المحامي: هل كل الأبنية يجب أن يكون لديها لجنة بناء؟
كان يمكن طرح مثل هذا السؤال بعد صدور القانون/55/ في عام 2005 لابعد سريانه على الأبنية البرجية والطابقية لمدة 19 عاما!!
ولم تتوقف الأسئلة الغبية والساذجة طوال فترة بث البرنامج، فبدلا من أن يوحي المذيع للمشاهد أنه مطلع على مواد القانون وخاصة مايتعلق بكيفية تأسيس لجنة البناء وعدد أعضائها ومهامها ليطرح سؤالا مهما من قبيل: هل قرارات اللجنة ملزمة لسكان البناء.. فإنه سأل المحامي: “هذه اللجنة كيف تتأسس؟ هذه اللجنة عبارة عن شو؟ كم عضو؟ ماهي مهامها أصلا؟” !!
ومع أن المحامي أجاب بوضوح مابعده وضوح: اللجان يتم انتخابها بالإقتراع السري من قبل هيئة الشاغلين ، فقد بدا واضحا أن المذيعة لم تفهم ولم تستوعب فسألت بغباء مابعده غباء: هل يجب أن تكون اللجان من سكان البناء؟
وتعليقا على رأي المحامي بأن “تشكيل لجان الأبنية مظهر حضاري جدا”، رد المذيع بلهجة ساخرة ممزوجة بكمية لاتحتمل من الغباء: هذا غير مطبق ، ماتتكلم عنه أسمع به لأول مرة، وكأنّه يقول للمحامي: أنت كاذب!!
لاحظوا المذيع بدأ البرنامج باستغرابه بوجود قانون ينظم شؤون المرافق العامة للأبنية السكانية، وهاهو يجزم أن القانون غير مطبق!!
ولم تقبل المذيعة أن تكون أقل سذاجة وغباءًا من زميلها فعلقت: “يمكن ان الكل متفق على فلان ولكن أنا واحدة من سكان البناء لاأريد هذا الشخص رئيسا للجنة وإذا حدث معي أي مشكلة لن أراجع هذا الشخص وسأحل المشكلة بنفسي”!!
المسألة بالنسبة للمذيعة شخصية جدا، وبالتالي في حال تعرضت شقتها لضرر بسبب عطل في شبكات الصرف الصحي والمياه أو تسرب الأمطار من سطح البناء فهي لن تراجع اللجنة بل ستتبرع بأصلاح العطل على حسابها!
أنا على يقين بأن المحامي ندم على المشاركة في برنامج “خفيف” لايحترم المشاهدين، وبأنه تحمل مرغما الأسئلة الساذجة والغبية للمذيع والمذيعة!
المحامي يشرح بوضوح: انتخاب لجان الأبنية يتم بالإقتراع السري من السكان خلال اجتماع يحضره مندوب مختص من دائرة الخدمات، وبأنه يتم تقديم طلب من ثلثي السكان لعقد اجتماع استثنائي لسحب الثقة من رئيس اللجنة أو أحد أعضائها، ومع ذلك ترد المذيعة المتباهية بغبائها: “طبعا عن طريق البلدية التي نصبت هؤلاء الأشحاص”!
قطعا لايوجد في القانون أي مادة تجيز للبلديات تعيين رؤساء اللجان، وهذا ماأوضحه المحامي، فمن أين استقت المذيعة الغبية معلومتها؟
وهنا تدخل المذيع في منافسة مع المذيعة عنوانها: من أغبى أكثر!؟
المذيع : “لنتكلم ببساط أحمدي .. يوجد أناس لديها أبناء شهادة ثانوية، وأناس مشغلة المسجلة بصوت عال ، وناس تضع كيس القمامة على باب المنزل وتفوح منه الروائح وأنا على باب منزلي لاأحد له دخل معي وإزعاجات وخلافات أخرى بين الجيران ، لجنة البناء ماذا يحق لها في هذه المواضيع؟”.
رد المحامي على السؤال الغبي بإيجاز: “لجنة البناء تتعاقد مع شخص هو حارس البناء الذي يتولى خدمة البناء والمحافظة على النظافة العامة..الخ”!
لم يقتنع المذيع وأصر على “تكذيب” المحامي: ”عن أيّ بلد تتحدث وأيّ بناء موجود في سورية باستثناء أبنية (الهاي) .. كيف يمكن تطبيق لجان الأبنية في العشوائيات والمناطق الشعبية وحتى الطابو الأخضر .. أنا أتحدى لو عملنا استطلاع لـ 100 بناية يمكن أن يوجد 5 أو 6 أبنية لديها لجان أبنية.. في حال عدم وجود لجنة بناء هل يلجأ الساكن المنزعج من جاره إلى البلدية؟”!
يجيب المحامي: ”بالتأكيد.. في الأبنية الحديثة مثل المنطقة المتواضعة حيث أسكن كمشروع دمر في كل بناية لجنة بناء”
يقاطعه المذيع متذاكيا مع قهقهة غبية من المذيعة: مشروع دمر ليس (هاي)؟
فعلا اننا في حفلة غير مسبوقة من الغباء، فمشروع دمر حاز على حجم كبير من المقالات والزوايا والتقارير في الصحافة السورية منذ تأسيسه في منتصف سبعينات القرن الماضي، وهو حصيلة لتعاون الجمعيات السكنية النقابية والمهنية، أي ان غالبية المستفيدين من شققه هم العاملون بأجر باستثناء عدد محدود من المحامين والأطباء، وبقي سكانه أكثر من 15 عاما يعانون من فقدان الخدمات والأسواق والمواصلات حتى البقاليات..الخ.
وإذا تحول المشروع إلى ضاحية راقية منذ سنوات فبفعل المستثمرين في المطاعم والمولات التي تعجز غالببية سكان المشروع عن ارتيادها، ومع ذلك فإن جميع أبنية المشروع قبل أن يتحول إلى (هاي) كان لديها لجان أبنية حتى قبل صدور القانون /55/ بموجب قانون خاص بالضاحية منذ أكثر من 35 عاما، نعم منذ 35 عاما !!
ويصر المذيع على طرح أسئلة إجابتها في القانون كاعتراض أحد الشاغلين على عمليات الإصلاح التي لايستفيد منها فيجيبه المحامي: ما تقرره هيئة الشاغلين (وليس لجنة البناء) ملزم لكل الساكنين وهوقرار معجل النفاذ ، ومأمور التنفيذ في البلدية سينفذ قرارات هيئة الشاغلين.
الخلاصة: الحلقة لم تقدم أي فائدة للمشاهدين وخاصة لسكان الأبنية التي تديرها لجان الأبنية، لأن من أعدها وقدمها وطرحوا أسئلة ساذجة وغبية، هم دخلاء تسللوا إلى الإعلام السوري بالوساطة عن طريق متنفذين لم يتوقفوا يوما عن تشويه الإعلام الوطني!!
(موقع سيرياهوم نيوز-1)