آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » أفلاطون

أفلاطون

 

مالك صقور

كان يفترض أن يكون عنوان هذه الزاوية ( طغاةالعصر). لكن جوهر الذي سألني : هل يمتلك طغاة العصر ذاكرة ؟ وهل يعرف هؤلاء الطغاة الأقزام اليوم مصير الطغاة عبر العصور ؟ قلت : ما أكثر العبر وأقل الاعتبار –كما يقول كرم الله وجهه . والتاريخ على الرغم من تزويره وتزييفه مليئ بالعبر ، لكن لا يعتبرون . ولو درس أو تذكر الطاغية نهايات الطغاة الذين سبقوه ، لما اشتد بطشه ، واستبداده ، والإمعان في تنكيل شعبه وتجويعه، ولن يأخذ فلساً واحداً ولا بنساً ولا قيراطاً من كل الذي جمعه وكان سبب بلاء شعبه . لذا ،ياجوهر أنا على يقين أن طغاة العصر سيكون مصيرهم أسوأ من مصير أسلافهم . وبوسعي أن احدثك عن طغاة الشرق والغرب . وعن النهايات أيضا ..لكن سأبدأ بقصة أفلاطون ..
مَنْ يصدّق أن الفيلسوف العظيم أفلاطون حكم عليه الطاغية ديونسيوس بالإعدام أو أن يباع كعبد في سوق النخاسة .
ولم يكن إفلاطون صاحب أول نظرية فلسفية عن الطغيان السياسي فحسب ، بل كان أول فيلسوف يلتقي بالطاغية وجها لوجه . ويختبر الطاغية بنفسه ، قبل أن يضع فيه نظريته الفلسفية ، ما خَبِرَ أيضا طغيان الرعاع أو العامه أو مايسميهاهو ” الديمقراطية ” والتي تُسمى الآن الفوضوية أو الديماغوجية . ف” ديمقراطية ” أثينا التي عاصرها أفلاطون هي التي حكمت على أستاذه سقراط بالأعدام عام 399 قبل الميلاد .
يعرف الجميع : ثلاثة من أعظم فلاسفة الدنيا ، مُذ تكونت الدنيا
– سقراط – أفلاطون – أرسطو .
سقراط أستاذ أفلاطون . وأفلاطون أستاذ أرسطو . وأرسطو أستاذ الأسكندر .
عندما حكمت ” ديمقراطية أثينا ” بالاعدام على سقراط بحجة إفساد الشباب . وحين تمّ تنفيذ حكم الإعدام ب سقراط العظيم ، ضاقت نفس إفلاطون بالحياة بعد أستاذه ؛ ولم يطب العيش له ..فغادر أثينا ، وبقي زهاء اثنتي عشرة سنة يتنقل بين مصر وإيطاليا و صقلية . إفلاطون العظيم ، بالإضافة إلى فلسفته ، وأخلاقه ، وعلمه ، ومدرسته التي اصبح اسمها مُعمماً في أربعة أركان الأرض ( الأكاديمية ) ، وإلى جمهوريته المثالية العالية . هو كما قلت صاحب أول نظرية فلسفية عن الطغيان السياسي .
فبعد أن غادر مصر توجّه إلى جنوب إيطاليا ، هناك أرسل إليه أعتى طغاة الأرض في زمانه ويدعى الامبراطور ديونسيوس
كان ديونسيوس هذا واسع الثقافة ، وكان يقرض الشعر أيضا ويكتب المسرحية . وكان من معاصريه الشاعر المعروف فيلكسنوس ولما طلبه ليعرف رأيه في شعره ، لم يجامله فيلكسنوس ، وقال له إن شعره غث وهابط ولاقيمة له . فحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة في مقالع الحجارة . وبعد فترة كتب هذا الطاغية تراجيديا ، وأ راد أن يعرف رأي الشاعر الكبير فيلكسنوس في هذه التراجيديا الملكية الجديدة .. وقف الشعر صامتاً ؛ وعنددما سأله عن رأيه لم يُجٍبْ ، بل مال إلى حارسه وقال : ” عد بي إلى السجن” .
وهنا السؤال : لماذا لبّى أفلا طون دعوة هذا الطاغية ؟!
يقال : إن أفلاطون ذهب إلى صقلية لكي يشاهد البراكين فيها . المهم إن أفلاطون تعرف على (ديون) وهو شقيق زوجة الطاغية . وكان ديون هذا شابا لماحاً ، سرعان ما نشأت صداقة متينة بين أفلاطون والشاب ديون الذي أصبح تلميذاً له . وقد سحرته تعاليم الفيلسوف . يصف أفلاطون نفسه هذه العلاقة :” عندما التقيت بديون في ذلك الحين ، وكان لا يزال شاباً صغيراً ، عملت دون قصد مني على انهيار الطغيان ، وذلك عندما أفضيت إليه بآرائي عن أفضل الأمور البشرية ، وحثثته على اتباعها بصورة عملية ، فقد تحمس ديون الذي كان بطبعه سريع الفهم ، وقرر أن يعيش بقية حياته بطريقة مختلفة “.
وكان من نتيجة هذه العلاقة بين الفيلسوف وقريب الطاغية أنحقدت عليه حاشية الطاغية ، واوغرت صدره عليه ، فغضب الطاغية ديونسيوس على الفيلسوف . فسارع ديون وأصحابه بمساعدة أفلاطون على الرحيل قبل أن يبطش به الطاغية .. فهيأوا له سفينة للرحيل ، لكن عرف الطاغية بذلك ، فأمر : إما أن يعدم أفلاطون في الطريق ، أو يباع كعبد في سوق النخاسة ! وبعدها تمّ بيعه فعلا . والذي اشتراه هو اينقورسالقورينائي بثلاثمئة درهم وأعاده إلى أثينا ..
لكن قصة أفلاطون مع الطاغية لم تنته .. ولها تتمة ..
والعبرة من هذه القصة :
– أولا : لقد رحل الطاغية ، وبقي الفيلسوف خالداً .
– ثانياً : عبّر أفلاطون عن الظلام الدامس الذي يعيش فيه الطاغية .. حيث تنعدم الحرية يكثر الوشاة والمرجفون ، وتحاك الدسائس والمؤامرات ..
– ثالثاً ً : ليس للطاغية قيم وأخلاق ، فلا وفاء بوعد ، ولا أصدقاء ولا كلمة شرف .
– رابعاً : شيوع النفاق والتملق .
وأخيراً ياجوهر : إن طغاة العصر ليسوا بأدهى من طغاة العصور القديمة ، بل هم أغبى وأحمق ..لأنهم لم يتعلموا من دروس الماضي ..وأن غدا لناظره قريب ..
(موقع سيرياهوم نيوز-2)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بين وجع السوريين وصمت الأمم… “كوردوني”يدخل الساحة ومعه ملامح تحوّل خفي

  د. سلمان ريا   في خطوة لافتة تحمل أكثر مما تعلنه بيانات الأمم المتحدة التقليدية، عيّن الأمين العام أنطونيو غوتيريش الإيطالي كلاوديو كوردوني نائبًا ...