باسل علي الخطيب….
قلنا في الاجزاء السابقة من هذا المقال ان التغيير قادم لا محالة، وهذا التغيير ليس نتيجة قرار أو أنه خيار، إنما نتيجة حتمية للطبيعة البشرية القلقة غير المستقرة….
قلنا أيضاً ان البشرية تدخل عصرا جديدا اسميناه (العصر ما بعد الصناعي)، او اصطلاحاً (عصر السيلكون)، وقلنا ان تلك (الالة) تسعى للتحكم بهذا التغيبر ليناسب مصالحها واهدافها، وذلك عبر تهيئة البيئة المناسبة لذلك، سواء بالترغيب او الترهيب وليس لديها من ضوابط او قوانين او وازع اخلاقي او ديني يضبط هذه الرغبة او يهذبها….
طرحنا السؤال التالي في نهاية الجزء السابق من المقال: الم تلقى محاولات تلك (الألة) في تهيئة تلك البيئة مقاومة ما هنا او هناك؟….
البداية مع يوغسلافيا…
عام 1990 قام ميخائيل غورباتشوف بزيارة ليوغسلافيا، غورباتشوف وكما اسلفنا كان احد ادوات (الالة) في تدمير الاتحاد السوفيتي، الزيارة كانت خاطفة ولبضعة ساعات، حمل غورباتشوف رسالة مقتضبة من تلك (الالة) للزعيم اليوغسلافي سلوبادان ميلوسيفيتش (فككوا يوغسلافيا او سنأتي نحن ونفككها بالقوة)…
رفض سلوبادان والقيادة في يوغسلافيا ذاك الامر….
وكان ان جاء الامريكيون، وجلبوا معهم الناتو، حركوا كل الصفائح القومية والطائفية والاثنية والنازية في تلك البلاد…
النتيجة؟….
نشبت حرب اهلية ادت الى تقسيم يوغسلافيا الى ست دول اقزام في الميزان السياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي والعسكري، (صربيا، كرواتيا، سلوفينيا، البوسنة والهرسك، مقدونيا الجبل الاسود) ومن ثم لاحقاً دولة سابعة هي (كوسوفو) التي تم سلخها بالقوة عن صربيا….
هذه الحرب تخللها تدخلات عسكرية متتالية من قبل خلف الناتو، ساهمت في ترسيخ التقسيم…
أريد ان اشير الى نقطة مهمة هنا، كل دول العالم قاطبةً هي (كيانات صنعية)، لاتوجد دولة في العالم (كاملة الانسجام) في جميع النواحي (سواء الاثنية او الطائفية او المذهبية او القومية)….
لاتوجد دولة – ولا دولة – الا وتحمل عوامل تشظيها وانقسامها في داخلها، والعامل الاساسي في تحريك كل تلك الصفائح المرعبة حتى تتصادم بعضها وينتج عن ذلك زلازل عنيفة تطيح ببنيان الدولة والمجتمع هو التدخل الخارجي…
لذا القول ان سقوط الاتحاد السوفيتي او يوغسلافيا وتفككهما كان نتاج خلل بنيوي فيهما هو قول بجانبه الصواب كثيرا…..
يكفي اطلاق الشرارة الاولى، حتى تتدحرج الامور، وتتناسل الاحداث بعضهما من بعض، حتى الوصول إلى تلك المرحلة التي ينسى فيها أصلاً كيف بدأت الاحداث…
نعم لاتوجد دولة في العالم والا ويمكن اللعب باعدادتها، وادخالها في أتون صراعات داخلية ان حضر العامل الخارجي، حتى لو كنا نتحدث عن الولايات المتحدة او كندا او بريطانيا او فرنسا او المانيا او اسبانيا والتي تبدو من الخارج دول متماسكة..
ولكن كلامي هذا لايعني أن الدول (المنسجمة) ذات اللون الواحد افضل حالاًً، بل هي اسوأ…
التنوع ابداع وغنى، هذا جانبه الإيجابي جداً، ولم تخرج الحضارة وكل مخرجاتها إلا من مجتمعات ذات تنوع قومي أو اثني أو طائفي أو مذهبي…
أما المجتمعات ذات اللون الواحد فهي مجتمعات راكدة، ضيقة الأفق، عقيمة الابداع والإنتاج الحضاري تقريباً، أياً كانت تلك الأحادية….
في المجتمعات المتنوعة يسعى كل منتسب لجماعة ما أن يظهر افضل ما لديه أو فيه من مبدأ التنافسية بين مختلف الجماعات، أما في المجتمعات الاحادية اللون فهذه التنافسية غير موجودة أو معدومة، لانتفاء فكرة التفاضل أن المنافس غير موجود أصلاً….
لذلك لاحظنا اينما ذكرت كلمة (القرى، جمع قرية) في القران الكريم ذكرت ذماً، أن القرى هي ذات مجتمع أحادي اللون، لايقبل التغيير أو الرأي الآخر، مجتمعات القرى مجتمعات متعجرفة جامدة وضيقة الأفق، ولا تبيح الخروج أو التفكير خارج الصندوق، أما مجتمعات المدن فهي مجتمعات تعددية ابداعية، تقبل التغيير ولا تحاربه، وتقبل اختلاف الاراء،، لذا كان ذكرها في القرآن الكريم يرتبط دائماً بالتفكر والتدبر والعقل والخير….
ولكن لماذا يوغسلافيا ومن ثم العراق ولاحقاً سورية؟…
يتبع….
(سيرياهوم نيوز ٢)