عبد اللطيف شعبان
لعقود عديدة ليست بعيدة كان العام الدراسي تسعة أشهر يزداد أو ينقص أياما قليلة، ولمادة المنهاج الصفية مدرس واحد وكتاب واحد وللحصة الدرسية قاعة واحدة، وجميع الطلاب يتجهون إلى مدارسهم سيراعلى الأقدام في الحر والقر ذهابا وإيابا من مساكنهم إلى مدارسهم، وبعض طلاب الاعدادي والثانوي في الريف كان يستغرق سيرهم أكثر من ساعة للوصول إلى المدرسة، وكانت خرجية الطالب ( نقود لشراء حلويات ) يومئذ بالفرنكات ولقليل من الطلاب، يوم كان الفرنك ( 1 / 20 من الليرة ) يشتري أكثر مما تشتريه ألألف ليرة اليوم، وكثيرون من الطلاب – بما يتناسب مع عمرهم – كانوا يشاركون أهلهم بالعمل في الحقل والرعي والحرفة والمتجر أيام العطل الاسبوعية والأعياد وبعد انتهاء الدوام الرسمي، بل وبعضهم كانوا يعملون بأجر لدى الغير– زراعي أومهني – خلال أشهر الصيف، حتى أن آلاف الطلاب / فوق سن 15 عام/ كانوا يسافرون إلى خارج منطقتهم أو إلى لبنان للعمل، وكانت بعض عطل العام الدراسي مشغولة بالرحلات المدرسية، وبعض أيام العطلة الصيفية مشغولة بمعسكرات الطلائع والشبيبة /الترفيهية والانتاجية والتعليمية/ ومع الأسف يكاد أن يصبح ذلك من ذاكرة الأيام، ولكن يبقى من حق الأجيال اللاحقة أن تعرف أحوال الأجيال التي سبقتها.
الجديد في الأمر وخلافا للماضي، أصبح العام الدراسي عمليا / 12 / شهراً بدلا من / 9 / أشهر، لالتزام قسم كبير من الطلاب بالدورات التعليمية في أشهرالصيف وكأنها جزء من العام الدراسي، ماأضعف من مشاركاتهم في العمل المأجور أو مع أسرهم، والكتاب المدرسي أصبح اثنان/ الكتاب الرسمي والمحلول الغالي الثمن/، والقاعة الدرسية أصبحت قاعتان / قاعة المدرسة وقاعة معلم الساعات /، ومعلم المادة أصبح ثلاث معلمين ( معلمها في المدرسة ومعلم الساعات الخاصة العالية الأجر وتعليم الأبوين المجهد لهما ولأولادهما)، وذهاب وإياب أغلب الطلاب إلى المدرسة أو إلى مكان الساعات الخصوصية أصبح مأجورا كراكب أو طلب خاص، حتى للمسافات القصيرة، وبمبالغ مالية ليست قليلة، كل ذلك شكَّل عبئا ماديا كبيرا على أسر الطلاب وخاصة حال تعدُّد الأبناء، وهذه الحالة لم تعد تقتصر على طلاب الشهادات أوعلى طلاب الصفوف العليا أوعلى مادة واحدة، كما كانت في البدايات، بل كادت في هذه الأيام أن تعم طلاب المراحل الدراسية بما في ذلك طلاب رياض الأطفال ولأغلب المواد، وينطبق هذا الواقع على كثير من المناطق مدن وريف، أسرا غنية أو فقيرة، والملفت للانتباه أن بعض الدورات تتم خلال العام الدراسي في أيام العطل الاسبوعية والأعياد وبعد ظهر أيام الدوام، والمدارس والمعاهد الخاصة في ازدياد وأقساطها إلى ارتفاع كبير متتالي، بالتوازي مع ارتفاع أجور الساعات الخاصة لكل مادة؟؟.. ما يضعف قدرة الأسرمن توفير ادخار مادي لمستقبل الأبناء.
هذا الواقع أدى إلى انصراف أغلب الجيل الناشئ إلى الكتاب المدرسي بعيدا عن الاهتمامات الثقافية الأدبية والعلمية والفنية والرياضية والعملية، ما تسبب في تكريس التقليد وإضعاف الابداع، إذ من الملاحظ أن تفوُّق النجاح الذي يحققه البعض يكاد يخلو عند الكثيرين من تفوق موازي في مجالات أخرى، عدا مايتعلق بشريحة من الموهوبين، وحيث أن كل تفوق علمي يحتاج إلى تفوق عملي، فلن يتحقق ذلك من خلال الكتاب المدرسي فقط، وبالتالي فهذا الواقع المرهق للطلاب والمزهق لأسرهم، بل والمتعب للمعلمين أيضا ( ولو كان يدر عليهم دخلا ) يحتاج لإعادة النظر سريعا في واقع المناهح وواقع تدريسها، ويقع ذلك على عاتق وزارة التربية ونقابة المعلمين معا من مؤلفين وإداريين ومدرسين، والاحتجاج بأن الطلاب وأهاليهم يرغبون ذلك ليس في مكانه، بدليل تذمر الكثير من الأسر من هذه التفقات المفروضة عليهم، إضافة إلى أن الواقع الحالي يظهر تضاؤل آمالهم اللاحقة في حصول أبنائهم على عمل يتناسب مع تحصيلهم العلمي والنفقات الكبيرة التي تمت عليهم.
ويبقى السؤال لماذا المديرية العامة للمناهج المدرسية عمدت لتأليف الكتب المدرسية بهذه الطريقة التي تحتاج من الطالب كل ذلك ليحقق نجاح متفوق في المادة، ولماذا تمارس وزارة التربية ونقابة المعلمين الصمت تجاه هذه الظاهرة التي تتفاقم وغير المعهودة سابقا في بلدنا، وكأن الجهتين تقرها وتكرسها، وعلى الأغلب لاتوجد هذه الظاهرة في بلدان أخرى؟ وأرجو ألا يفهم البعض أن كلامي هذا موجها ضد مئات المعاهد وآلاف المدرسين الذين يحققون مكاسب من تعليم الساعات الخاصة، بل رأفة بمئات آلاف الأسر ومئات آلاف الطلاب الذين يتكبدون الكثير.
*عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية
(موقع سيرياهوم نيوز-٢)