الدكتور خيام الزعبي
إن العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح بالدرجة الأولى، وتركيا التي تملك حدوداً طويلة مع سورية لديها مخاوف كبيرة تتعلق بأمنها القومي، وهذا قد يكون أهم العوامل التي قد تدفع إلى التقارب مع دمشق، وهذا يعني أن أنقرة لن تسمح لأي مجموعات مسلحة أو هيئات أو منظمات معارضة أن تعمل أو تمارس أي أنشطة على أراضيها.
مع تسارع وصول عجلة قطار التطبيع بين دمشق وأنقرة إلى محطة النهاية شهدت مناطق في ريف حلب الشمالي (الخاضعة للنفوذ التركي) شمال غربي سورية اشتباكات مع متظاهرين أحرقوا العلم التركي ورفعوا شعارات إسقاط النظام في أنقرة.
بالمقابل ردت تركيا على الاضطرابات وتعرض القوات التركية لإطلاق نار من قبل المجموعات المسلحة بإغلاق معبر باب الهوى الحدودي حتى إشعار آخر، ويُعدّ إلى جانب معبر باب السلام ومعابر أخرى أصغر، ممرات رئيسة لعبور حركة التجارة والركاب لأكثر من ثلاثة ملايين نسمة، وعلى الطرف الأخر أبلغت الاستخبارات التركية لقيادات المعارضة عن نية تسليم سلاح المقاتلين في الفصائل المسلحة لكن الأخيرة رفضت ذلك، وحذرت من التعويل على وعود أردوغان أو الاعتماد على نقاط المراقبة التركية في إدلب، كما أنها أغلقت الممرات البرية في وجه الشاحنات التركية المارة بمنطقة إعزاز بريف حلب.
الأوضاع تذهب باتجاه التصعيد فالشمال السوري وفي مناطق تسيطر عليها المعارضة تغرق بالظلام الدامس بعد انقطاع الكهرباء وتوقف المولدات عن العمل إثر أزمة محروقات ووقود تلوح بالأفق، وهذا ما يجعل القاطنين على المحك في تحدي البقاء إما الاستمرار بالاحتجاج الشعبي في وجه التركي وسلاحه أو تأييد ما يحدث من مجريات سياسية وأمنية، وفي كل الأحوال من المتوقع أن يبقى الشمال على كف عفريت ومعرضاً للانفجار في أي لحظة.
وفى ضوء كل ذلك، هل يمكن لتركيا التضحية بعلاقاتها مع حلفاءها من أجل الدولة السورية؟!
بالتالي وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة التي جمعت تركيا والقوى المتطرفة خلال السنوات السابقة؛ حيث قدم الجانب التركي العديد من المساعدات المختلفة لها، شملت الأموال والعتاد والملابس والطعام، إضافة إلى ذلك كانت هذه القوى تعتبر الرئيس أردوغان بمثابة الأب الروحي لها، ولكن تركيا تتجه لتغيير أجندتها السياسية، ونبذ المجموعات المسلحة والمتطرفة من أجل مصالحها مع دمشق.
لذلك ليس غريباً أن تدير تركيا ظهرها لحلفائها وتمضى قدماً في تطبيع علاقتها مع سورية إنطلاقاً من مصالحهما، فتركيا رفعت يدها عن سورية ، اذ لم تعد حلب أو إدلب أولوية تركية، خاصة بعد التدابير التي إتّخذها أردوغان للإنتقام من العناصر الإرهابية المتطرفة وإهتمامه بالشأن الداخلي لبلاده مما أضعف المعارضة المسلحة التي كانت تعتمد على الدعم منه، فضلاً عن سحب تركيا ضباط مخابراتها الذين كانوا ينسقون مع فصائل المعارضة المسلحة في منطقة إدلب وريفها كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري
يبدو واضحاً هذه الأيام، أن دمشق قد نجحت في قلب الموازين في الداخل وعلى المستوى الإقليمي والدولي، لذلك أصبحت صورة المشهد السوري تتضح ملامحها بعد سيطرة الجيش على أهم المناطق الإستراتيجية في الشمال السوري، بخسارة إدلب تخسر الجماعات المسلحة وعلى رأسها جبهة النصرة نفوذها في المنطقة، بعد أن نجح الجيش بمساعدة هجمات جوية روسية مكثفة من استعادة عشرات البلدات والقرى، ما أجبر الآلاف من المتطرفين على الفرار إلى الحدود التركية.
مجملاً…هؤلاء الذين راهنوا على أردوغان منقذاً أو حليفاً عليهم أن يستعدوا للمشهد الجديد، فأنقرة أدركت حجم المغامرة التي يدفعها الأمريكي وحليفه العربي اليائس نحوها، بالإضافة الى إتساع رقعة الإرهاب، وبادرت الى مراجعة حساباتها، لتجنب التورط قدر الإمكان بالمستنقع السوري، وإن الأسابيع القليلة القادمة ستكون شاهدة على تغييرات جذرية في ملف العلاقات التركية السورية، من شأنها أن تحمل المزيد من التطورات والتفاصيل وربما المفاجآت، لأن أنقرة لا تملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليها أن تتعاون مع الجيش السوري لضرب المتطرفين وأعوانهم، وأن تتراجع عن سياستها الداعمة لداعش وأدواتها، والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف لمواجهة الإرهاب بكافة أشكاله.
خلاصة القول لقد آن الأوان أن تستعيد سورية مكانتها ودورها البارز على المستويين الإقليمي والدولي، وتؤكد على أنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في شؤونها الداخلية.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم