يوسف فارس
غزة | غيّرت الحرب المستمرة على غزة منذ تسعة أشهر الشكل التقليدي للاقتصاد في القطاع، حيث لا بضائع تجارية تدخل يشكل يومي، ولا بنوك تعمل، وأيضاً لا وزارة اقتصاد تضع حداً أدنى وأقصى للبيع. كذلك، اختلف شكل الأسواق كثيراً، بعد أن دمّر الاحتلال آلاف المحالّ التجارية، وأضحت البسطات التي يديرها الأطفال والشباب وحتى الفتيات، هي عماد الاقتصاد ومصدر التسعير لكل السلع. في سوق الصحابة، وهو أشهر أسواق شمال القطاع، تتراصّ المئات من البسطات، التي تحتوي على كميات محدودة جداً من البقوليات والمعلبات، وكميات أكثر ضآلة من الخُضر. «ما سمحوا بتنسيق لدخول الشاحنات التجارية منذ شهرين، من وين بدنا نجيب بضاعة؟»، يجيب أبو حسام على تساؤلنا عن حجم ما هو متوفر من كميات الأرز والسكر، حيث لم يكن يعرض على بسطته سوى خمسة كيلوغرامات من السكر وأقل منها من الأرز.هنا، يباع السكر بـ30 دولاراً للكيلو الواحد، وسر ارتفاع سعره، كما يوضح التاجر الشاب، أن «السكر بيدخل في صناعة الحلويات ومشروبات الصيف مثل البراد والعصير، وكل مدخلات الإنتاج إلي ما بتدخل من المعابر بيغلى سعرها». وفيما المساعدات هي المصدر الوحيد للبضائع المعروضة، يتسلّم الأهالي الطرد الغذائي ويبيعون جزءاً من المواد الموجودة فيه للحصول على السيولة النقدية. «الحياة مش أكل وشرب بس، الأولاد بدهم لبس ودواء، بيكون نفسهم يشتروا حاجة حلوة ياكلوها»، تقول أم حامد وهي سيدة تعيل خمسة من الأبناء، بينما تبيع جزءاً من الطرد الغذائي الذي تسلمته من إحدى المؤسسات الأهلية.
في اقتصاد الحرب، ارتفعت أسعار السلع الكمالية
وفي اقتصاد الحرب أيضاً، ارتفعت أسعار السلع الكمالية، ومن بينها السجائر مثلاً، إذ تجاوز سعر السيجارة الواحدة هامش الـ60 دولاراً، أما كيلو المعسل فوصل سعره إلى 3 آلاف دولار. ويقول مصطفى المصري الذي يدير واحدة من بسطات السجائر: «هذه المنتجات ما دخلت من أول الحرب، الطلب زاد عليها والكميات بتتناقص، لهيك وصلت لأسعار خيالية، سعر كيلو المعسل في الوضع الطبيعي ما بيزيد عن 50 دولاراً، وسعر كروز السجائر أقل من 40 دولاراً، اليوم السيجارة بسعر كروز». أيضاً، تغيب جميع السلع الغذائية، مثل الشوكولاتة والمشروبات الغازية والمشروبات الساخنة، فيما حصر جيش الاحتلال الكميات القليلة التي تدخل من المساعدات إلى شمال القطاع، بأدنى أنواع المعلبات جودة، وأقلها قيمة غذائية.
كما أن إحدى أزمات اقتصاد الحرب، هي أن صاحب البسطة هو من يحدد أي الأنواع المالية التي من المسموح التعامل بها، في الوقت الذي أُخرجت فيه كميات هائلة من الأوراق النقدية المهترئة من التداول، وكميات أكبر من الأوراق النقدية ذات الطبعة القديمة التي أوقف التجار التعامل فيها. وفي هذا السياق، يوضح أبو محمد حرز، في حديثه إلى «الأخبار»، أنه «لا مشكلة في أي ورقة نقدية في السوق في الوضع الطبيعي. كانت العملة المهترئة تُسلم للبنوك، التي تقوم باستبدالها بعملة جديدة، لكن توقف القطاع المصرفي عن العمل»، لافتاً إلى أن ذلك «قلّل هامش الأمان، بالتوازي مع انتشار الخرافات، ما جمّد مئات الملايين من الشواكل في جيوب المواطنين». وتقول حسناء خليل، بدورها، وهي موظفة حكومية تعمل في قطاع التعليم: «تلقّيت مساعدة مالية قدرها 1500 شيكل، جميعها أوراق قديمة، لم أستطع تصريف سوى 200 شيكل منها، وباقي المبلغ بلا فائدة». وتضيف أنه «رغم أن هذه الأوراق كانت شائعة قبل الحرب، لكن هناك من يشيع الخرافات ويلعب في أوضاع السوق، ما يزيد من معاناتنا».
سيرياهوم نيوز٣_الأخبار