الرئيسية » حول العالم » فرنسا إلى جولة ثانية غداً: «جبهة جمهورية» في وجه اليمين

فرنسا إلى جولة ثانية غداً: «جبهة جمهورية» في وجه اليمين

سعيد محمد

 

لندن | يتوجّه الفرنسيون، غداً، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب نوابهم في 501 دائرة انتخابية ضمن جولة ثانية من انتخابات عامة مبكرة دعا إليها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كردّ فعل على تقدُّم حزب “التجمّع الوطني” (أقصى اليمين) في الانتخابات البرلمانية الأوروبية، الشهر الماضي. وكانت الجولة الأولى التي جرت، الأحد الماضي، أسفرت عن فوز 76 نائباً بمقاعد في الجمعية الوطنية (مجلس النواب – 577 مقعداً)، 39 منهم لـ”التجمع”، و32 لـ”الجبهة الشعبية الجديدة” (تحالف أحزاب اليسار)، واثنان فقط من حلفاء ماكرون في حزب “النهضة” (وسط). وحصل الحزب اليميني، بزعامة مارين لوبن، على ثلث أصوات الناخبين، ما قد يؤهّله للعب دور حاسم في تشكيل الحكومة القادمة، في مقابل 28% من الأصوات ذهبت إلى “الشعبية”، و20% إلى “الماكرونيين”. ومع استمرار تقدّم “التجمّع” وحلفائه، لجأت أحزاب اليسار والوسط إلى حيلة قديمة لمنع حصول أقصى اليمين على الأغلبية، وذلك من خلال تأسيس “جبهة جمهورية” أجرت تفاهمات لانسحابات متبادلة بين مرشحي اليسار والوسط في أكثر من 221 دائرة انتخابية بهدف ضمان فوز الأوفر فرصة بينهم بالمقعد النيابي لكل دائرة، وعدم تشتّت الأصوات في مواجهة مرشحي “التجمّع”. وشملت الانسحابات 83 مرشحاً من معسكر ماكرون الوسطي، و132 من تحالف “الجبهة الشعبية”، فيما دعت أحزاب هذا الأخير، أنصارها إلى التصويت بكثافة، غداً، لمنع سقوط الجمهورية في أيدي المتطرّفين.

وكان تكتيك “الجبهة الجمهورية” نجح سابقاً في إسقاط زعيم “التجمع الوطني” حينئذٍ، جان ماري لوبن، والد مارين، الزعيمة الحالية، في الانتخابات الرئاسية لعام 2002، بعدما نجح في ما يشبه الزلزال السياسي في العبور إلى الجولة الثانية، ما استدعى توافق الأحزاب لدعم جاك شيراك، الذي حصد 82% من مجموع الأصوات. على أن تجارب لاحقة لم تكن بالنجاح نفسه.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن “الجبهة الجمهورية” تبدو، إلى الآن على الأقل، صامدة وفعّالة، وستقلّل بشكل حاسم من فرص حصول “التجمّع” على أغلبية الـ289 مقعداً، والتي ستمكّنه من الانفراد بتشكيل الحكومة. ويشير آخر الاستطلاعات، إلى ترجيح احتمال حصول حزب لوبن وحلفائه على ما بين 190 و220 مقعداً. وفي الوقت نفسه، يُتوقع أن يفوز “الجمهوريون” (يمين الوسط) الذين تحالفوا مع “التجمّع” بما بين 30 و50 مقعداً، بينما كانت الاستطلاعات، قبل إطلاق “الجبهة الجمهورية”، تُقدِّر حصول حزب اليمين المتطرّف وحلفائه على ما بين 250 – 300 مقعد.

استبعد أتال أن تتحوّل «الجبهة الجمهورية»، في حال نجحت في إقصاء اليمين، إلى منصة لتشكيل حكومة ائتلافية بين الوسط واليسار

 

ويبدو أن فرنسا تتّجه إلى فترة من عدم الاستقرار السياسي، إذ إنه مع عدم حصول أيّ من الأحزاب على أغلبية وتشتُّت المقاعد بين اليمين واليسار، فإن النتيجة ستكون برلماناً معلّقاً يستحيل فيه تقريباً تمرير التشريعات المهمّة، وعلى الأغلب حكومة تكنوقراط مصغّرة في مزاج تصريف الأعمال. ومن المتوقّع أن تفوز “الجبهة الشعبية الجديدة” بما يراوح بين 159 و183 مقعداً، فيما سيقتصر حجم كتلة “النهضة” على ما بين 110 و135 مقعداً فقط، ويتبقى للآخرين 17 – 31 مقعداً. ولا يمكن الرئيس، على أي حال، حلّ البرلمان المقبل، قبل مرور عام على الأقل، فيما ستنتهي الدورة البرلمانية مع الاستحقاق الرئاسي في عام 2027.

وكان رئيس الوزراء الفرنسي الحالي، غابرييل أتال، استبعد أن تتحوّل “الجبهة الجمهورية”، في حال نجحت في إقصاء اليمين، إلى منصة لتشكيل حكومة ائتلافية بين الوسط واليسار، واقترح بدلاً من ذلك أن يتعاون النواب المعتدلون في تمرير التشريعات حالة بحالة. كما نقلت الصحف عن مصادر في مكتب ماكرون، قولها إن الرئيس استبعد فكرة تشكيل ائتلاف مع حزب “فرنسا الأبية” اليساري، بزعامة جان لوك ميلانشون، وإنْ لم يعلّق على إمكانية التحالف مع الأحزاب الأخرى التي جمعتها مظلّة “الجبهة الشعبية الجديدة”، أي “الاشتراكي” و”الخضر” و”الشيوعيين”.

في المقابل، أعربت لوبن عن استعدادها للتعاون مع الأحزاب الأخرى، إذا لم يحقّق حزبها أغلبية مطلقة، لافتةً إلى أن مرشحها لرئاسة الوزراء سيكون جوردان بارديلا (28 عاماً)، لكن الأخير قال إنه لن يحاول تشكيل الحكومة من دون تفويض واضح. ومن المعلوم أن “التجمّع الوطني” كان تأسّس باسم “الجبهة الوطنية” من قِبَل جان ماري لوبن، كفرع سياسي من منظمة فاشيستية نشأت كردّ فعل ضدّ الحرب الجزائرية وتشكيل الجمهورية الفرنسية الخامسة وثورة الطلاب في عام 1968. ومع ذلك، خضع الحزب في عهد السيدة لوبن لعملية تغيير واسعة النطاق، سعياً للتباعد مع الجذور الفاشية، شملت طرد والدها منه بحجة إنكاره للهولوكوست، وتصريحاته التي اعتُبرت معادية للسامية. كما خفّفت أيضاً من حدّة السياسات المتشدّدة التي تبنّتها في السابق، من مثل ترك عضوية الاتحاد الأوروبي والانسحاب من العملة الأوروبية الموحدة (اليورو)، ونأت بنفسها لاحقاً عن علاقات الحزب الدافئة مع روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا. ومع ذلك، لا يزال “التجمّع” على مواقفه المتطرّفة والتي يراها البعض متعارضة مع الدستور الفرنسي، من مثل الدعوة إلى تطبيق سياسة “الأولوية الوطنية” التي تمنح المواطنين الفرنسيين البيض الخيار الأول عندما يتعلّق الأمر بالإسكان الاجتماعي والتوظيف والمزايا الاجتماعية، ويعارض تماماً الهجرة، ولا سيما من الدول المسلمة، ويدعو إلى ترحيل جميع المهاجرين “غير الشرعيين”، وفرض ضوابط صارمة على الحدود. كما وعد الحزب بإلغاء منح الجنسية بالولادة للأطفال المولودين لأبوين من أصل أجنبي. وقد لقيت هذه السياسات قبولاً لدى مجموعة عريضة من الفرنسيين، في وقت أدت فيه سياسات الرئيس ماكرون ونهجه الاقتصادي النيوليبرالي إلى تراجع مستويات المعيشة وفقدان المواطنين لامتيازات طالما اعتادوا عليها من قبل دولة الرعاية، الأمر الذي مكّن “التجمّع” من بناء كتلة معارضة قوية في البرلمان المنحلّ، قوامها 88 نائباً.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الرئيس الإيراني يدعو بابا الفاتيكان لحث زعماء العالم للوقوف بوجه جرائم “إسرائيل”

  فرانسيس الثاني أنّ إيران مُستعدّة للتعامل البنّاء مع الفاتيكان من أجل تعزيز السلام والعدالة في العالم.     أكّد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، اليوم ...