ألكسندر نازاروف
تزايدت الأحاديث في الأيام الأخيرة عن أن “منظمة شنغهاي للتعاون” سوف تعمل على توحيد القوى المناوئة للغرب، وستصبح في نهاية المطاف هيئة الأمم المتحدة الجديدة، وما إلى ذلك.
وأصبحت قمة “منظمة شنغهاي للتعاون” في أستانا فعالية مناسبة لمثل هذه الأقاويل، إلا أن هذا لم يكن السبب في محتواها، حيث من الواضح أن هناك تحولا في الآمال والدعاية من “بريكس”، التي تعثّرت كثقل موازن للغرب، نحو هدف جديد.
لا شك في أن الصين تتمتع بثقل ودور أعظم في “منظمة شنغهاي للتعاون”، وربما تكون هذه المنظمة بالفعل أكثر قدرة في التعامل مع الأزمات التي تؤثر على الأعضاء الأصغر حجما في المنظمة. على سبيل المثال، في حال وقع انقلاب من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بإحدى الدول الأعضاء الأصغر حجما. ربما حينها تتمكن “منظمة شنغهاي للتعاون” من العمل معا لحل الموقف. لكن من بين أعضاء المنظمة الهند والصين وروسيا وإيران، أي تلك الدول ذات الطموحات الواضحة، والتي ترى في نفسها لاعبين مستقلين، وهو ما يجعل “منظمة شنغهاي للتعاون”، بحكم تعريفها، أقل تجانسا وقدرة على الفعل من الكتل التي لها زعيم واحد، وتتمتع بطاعة البقية، مثل حلف “الناتو” ومجموعة الدول الصناعية السبع.
بالإضافة إلى ذلك، فإن “منظمة شنغهاي للتعاون” هي منظمة أوراسية إقليمية، بالتالي فلا يمكنها أن تدعي أنها الأساس لإنشاء الأمم المتحدة-2 في النظام العالمي الجديد.
ثالثا، وهو الأهم، أن الصين نفسها لم تظهر حتى الآن أي استعداد للمواجهة مع الولايات المتحدة. ولا يمكن لأي منظمة بمشاركة الصين أن تكون أكثر معاداة للولايات المتحدة من الصين نفسها، لأن الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة تضيف إليها ضبط النفس أكثر من الحسم، وكلما زاد عدد الأعضاء في المنظمة، كلما قلت معاداة الولايات المتحدة، على الأقل في هذه المرحلة التاريخية. وإذا تجنبت الصين تصعيد الصراع مع الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن مجموعة “بريكس” أو الأدعى “منظمة شنغهاي للتعاون” لن تمضي قدما في هذا المسار.
إلا أن كل دعاة مناهضة الغرب ومعارضي الولايات المتحدة، لسوء الحظ، منجرفون للغاية في مسار مجموعة “بريكس”، وأدى التأخير في تحقيق أوهامهم بهذا الصدد إلى البحث عن مادة جديدة للخيال بدلا من مراجعة أسلوبهم في إدراك الواقع.
أدعو إلى عدم التسرع في التطرف، فلا النشوة والأمل، ولا خيبة الأمل واليأس سيغيرون من الواقع. وإنشاء عالم جديد سيكون طويلا وصعبا، وقد لا تكون النتيجة نظاما عالميا جديدا، وإنما الفوضى، على الأقل لبعض الوقت.
بالطبع، أو دعنا نقول، آمل أن تظل “منظمة شنغهاي للتعاون” مجرد منظمة إقليمية، وإلا ففي حالة التوسع المفرط لمجموعة “بريكس-2” أعني “منظمة شنغهاي للتعاون”، فإن مصيرها سيكون كمصير “بريكس”.
في الوقت نفسه، وعندما أقول “مصير بريكس”، فلا أقصد الموت أو شلل المنظمة، أو أي شيء قريب من ذلك. بل أعتقد أن مجموعة “بريكس” ستلعب دورا، بما في ذلك إنشاء الأمم المتحدة-2. وفي “بريكس” سيتم بناء تسلسل هرمي جديد، وإنشاء مجلس أمن جديد، سيتم نقله إلى منظمة عالمية جديدة. إلا أن كل هذا سيأتي لاحقا.
لكن بعض الغموض، وعدم وضوح مجموعة “بريكس”، وعدم القدرة على تقديم جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة، يعد أمرا إيجابيا وليس من عيوب المجموعة. فوجود دول محايدة أو مترددة يمنع الآن مجموعة “بريكس” من التحول إلى تحالف مناهض للولايات المتحدة. ولكن، عندما تبدأ حرب مباشرة بين حلف “الناتو” وروسيا، وبين مجموعة AUKUS (الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا) والصين، فإن هذا الوضع غير المتبلور هو الذي سيحافظ على علاقات ونفوذ روسيا والصين من ناحية، والدول المحايدة من ناحية أخرى. ودعم الجنوب العالمي سيحظى بأولئك الذين يمارسون ضغوطا أقل عليه، والذين يستخدمون الحوار بدلا من الإكراه. وعندها سوف تشهد مجموعة “بريكس” أفضل أوقاتها، إذا تمكنت هذه المنظمة، بطبيعة الحال، من الحفاظ على طابعها الراهن، المحايد وغير المتبلور، بحلول ذلك الوقت.
وحتى ذلك الحين، علينا أن نقرع طبول الدعاية بشكل أقل، وألا نضخم النجاحات من أجل تأثير دعائي لحظي، يتحول بعد فشل الأمل المتضخم إلى خيبة أمل هائلة. فلنترك هذا للأوكرانيين.
يتعين علينا أن ندرك أخيرا أنه لا مجموعة “بريكس”، ولا “منظمة شنغهاي للتعاون” ربما، لن تلعب دورا مهما في مواجهة الولايات المتحدة. فـ “بريكس” ليست مجموعة للحرب، وإنما لبناء عالم جديد على أنقاض القديم، ولكن على الأرجح بعد ظهور هذه الأنقاض.
الآن يقع العبء الكامل للمواجهة العالمية مع الولايات المتحدة والغرب على عاتق روسيا، وحركة أنصار الله، وجزئيا فلسطين. جزئيا، لأنه ومع كامل الاحترام لنضال الفلسطينيين الشجاع، وحجم تضحياتهم، إلا أنهم ليسوا التفاعل الكيميائي الرئيسي، وإنما هم المحفز، وليس من الواضح بعد ما إذا كان الفلسطينيون يضحون بأرواحهم عبثا أم لا، وما إذا كان ذلك سيؤدي في النهاية إلى حرب إقليمية تفتح جبهة ثانية كاملة ضد الولايات المتحدة أم لا.
علينا أن ننتظر ستة أشهر، فلعبة الشطرنج العالمية تتجسد في إجبار خصمك على اتخاذ خطوة ضرورية ومنطقة لكنها كارثية بالنسبة له. وقد تمكنت الولايات المتحدة من دفع روسيا إلى الحرب في أوكرانيا، وتدفع الولايات المتحدة أوروبا الشرقية وروسيا إلى الحرب مع بعضهما البعض. وربما قد يتمكن الفلسطينيون (من خلال جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة والانقسام في الحزب الديمقراطي الأمريكي بسببها) من دفع إسرائيل إلى الحرب ضد حزب الله. وقد تكون إسرائيل قادرة على دفع الولايات المتحدة إلى الحرب ضد حزب الله وإيران. وتدفع الولايات المتحدة الصين إلى الحرب ضد تايوان وغيرها من الجيران.
هناك احتمال كبير أن تكون الأشهر الست المقبلة ساخنة، مع احتمال انفجار أحد براميل البارود المذكورة أعلاه.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم