آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » فرنسا.. «الجبهة الشعبية» مدينةٌ بنصرها لغزة

فرنسا.. «الجبهة الشعبية» مدينةٌ بنصرها لغزة

 

رأي هالة اليوسفي

 

«بما أنّ الدستور يمنح صلاحيات لرئيسَي الجمهورية ومجلس الوزراء، عليهما التفاهم مثلاً على الاعتراف بأسرع وقت ممكن بدولة فلسطين». هذا ما أعلنه جان لوك ميلانشون، زعيم «فرنسا الأبيّة»، الحزب الأهمّ في ائتلاف «الجبهة الشعبية الجديدة»، في خطابه الموجّه لجمهور تعمّه البهجة في السابع من تموز الأخير، جاء للاحتفال بانتصار الجبهة رافعاً شعار «فلسطين حرة حرة». بعد عقود من سياسات التدمير الاجتماعي ومن تعاظم التوجّهات الاستبدادية ومن التطبيع المتعمّد للخطاب العنصري، ضاعف القرار اللامسؤول للرئيس ماكرون بحلّ البرلمان – الذي تلا انتصار «التجمّع الوطني» في الانتخابات الأوروبية – من احتمال وصول الفاشيين إلى السلطة. في مواجهة هذا التهديد، عمد اليسار بقيادة حزب فرنسا الأبية إلى تحمّل مسؤولياته والتكتّل في إطار «الجبهة الشعبية الجديدة». نجحت الجبهة في تحقيق انتصار لم تتمكّن معظم مراكز استطلاع الرأي من توقّعه. أفشل هذا الانتصار الرهانات السياسية الرخيصة على انقسامات اليسار لإعادة إنتاج الخيار العقيم بين الكتلة النيوليبرالية الماكرونية واليمين المتطرّف، وسمح بإيصال 181 نائباً عن الجبهة إلى البرلمان، وفقاً للنتائج النهائية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية الفرنسية.

السؤال المطروح اليوم هو عن كيفية تحوّل فلسطين إلى قضية مركزية في المعركة الانتخابية في فرنسا.

للإجابة عنه، لا بدّ من عودة سريعة إلى المرحلة التاريخية الجديدة التي افتتحت في فرنسا بعد عملية «طوفان الأقصى» التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في السابع من تشرين الأول 2023. علينا التذكير في هذا السياق بخطاب ماتيلد بانو، رئيسة الكتلة البرلمانية لـ«فرنسا الأبية» أمام الجمعية الوطنية الفرنسية في 23 تشرين الأول الماضي. حذّرت بانو، آنذاك، من خطر الإبادة في غزة. قلّة في فرنسا وفي أوروبا أخذت مِثل هذا الخطر على محمل الجدّ في تلك الفترة. بعد هذا التاريخ، بات كثيرون يتبنّون هذا التوصيف للحرب الجارية، بدءاً بمحكمة العدل الدولية ووصولاً إلى المقرّرة الخاصّة للأمم المتّحدة حول الأراضي الفلسطينية. أشارت بانو، في خطابها المذكور، إلى فرض إسرائيل نظام أبارتهايد على الفلسطينيين. يندرج هذا الموقف المؤيد للقضية الفلسطينية في إطار مسار سياسي خاصّ مرتبط بطموح ميلانشون وفرنسا الأبية لبلورة خيار يساري للقطيعة مع المنظومة النيوليبرالية، والاستجابة للتطلّعات الشعبية الاجتماعية والبيئية، والانخراط في النضال ضدّ العنصرية. ولا شكّ أنّ مشاركة ميلانشون و«فرنسا الأبيّة» في التظاهرة المناهضة للإسلاموفوبيا، التي دعت إليها تنسيقية مناهضة الإسلاموفوبيا وقوى أخرى في الـ 11 من تشرين الثاني 2019، شكّلت منعطفاً حاسماً في الخيارات السياسية المتّبعة من قِبل «فرنسا الأبيّة» حيال الأحياء الشعبية والفرنسيين المسلمين، وقطيعة مع اليسار التقليدي الذي وظّف العلمانية لتبرير التمييز العنصري وتسويغ الإسلاموفوبيا في الخطاب السياسي والإعلامي.

لقد كان لعقود من النضال ضدّ العنصرية الممأسَسة في فرنسا من قِبل أجيال متعاقبة من المهاجرين تأثيرٌ واضح على برنامج اليسار الجذري المتمثّل بـ«فرنسا الأبيّة»، وكان بين العوامل التي ساهمت في تثبيت مركزية القضية الفلسطينية في جميع الميادين؛ ومن التظاهرات التي ضمّت الآلاف في أنحاء فرنسا للمطالبة بوقف حرب الإبادة إلى التحرّكات الطلابية في الجامعات التي دعت الحكومة الفرنسية إلى وقف أيّ شكل من المساندة للحكومة الإسرائيلية. سمح الحضور الحاشد والحيوي للفرنسيين من أصول مهاجرة وللمهاجرين بحمل «فرنسا الأبيّة» على صياغة برنامج معادٍ للفاشية، يربط بين حماية الحريات الأساسية والحقوق الديموقراطية وبين النضال ضدّ التمييز العنصري والكولونيالية، الذي تحتلّ فيه فلسطين موقع البوصلة.

لم يتأخّر الردّ المتوقّع من قِبل السلطة الفرنسية والمنظومة السياسية – الإعلامية، التي بادرت إلى شنّ حملة تشهير منهجية تهدف إلى ضرب وحدة «الجبهة الشعبية الجديدة» وقطع الطريق على صيرورتها بديلاً وحيداً لليمين المتطرّف. روّجت هذه الحملة مجموعة من الذرائع الكاذبة والمختلقة ضدّ «فرنسا الأبيّة» وشخص جان لوك ميلانشون، كاتّهامهم بالعداء للسامية أو رفع دعاوى قضائية عليهم بتهمة تمجيد الإرهاب. لَم تقتصر المشاركة في هذه الحملة على وسائل إعلام السيد فنسان بولوري، الحريص على الحفاظ على امتيازات الأغنياء، بل انضمّت إليها بعض الشخصيات المحسوبة على اليسار، وركّزت هجومها على داعمي فلسطين، وبشكل خاصّ على «فرنسا الأبيّة».

لحسن الحظ، حضرت الجماهير المعارضة للتمييز العنصري الممأسَس بكثافة إلى مكاتب الاقتراع في السابع من تموز وكذّبت جميع التوقّعات المعادية. حالة التعبئة التي سادت في أوساط الفرنسيين من أصول مهاجرة وبين حاملي الجنسية المزدوجة، وتصويتهم الكثيف لمصلحة «فرنسا الأبيّة» هما من العوامل الأساسية التي ساهمت في تعديل المشهد السياسي الفرنسي، ودافعها الأوّل مساندة غزة. بكلام آخر، من الممكن القول إنّ لفلسطين باعاً في إنقاذ اليسار والجمهورية في فرنسا. الجماهير التي صوّتت لـ«الجبهة الشعبية» لَم تفعل ذلك ضدّ اليمين الفاشي العنصري فقط، بل أيضاً ضدّ الأيديولوجيا الصهيونية الكولونيالية التي يتبنّاها هذا اليمين، وقوى الوسط التي يمثّلها ماكرون. فلسطين هي البوصلة الحقيقية لهذه الجماهير ودافعها الأوّل لدخول حلبة السياسة. هذا هو المعنى الفعلي لشعار حركة التضامن الدولية: «فلسطين تتحرّر وتحرّرنا»!

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أَكلةُ السُّحت…..(الجزء الأول)….

    باسل علي الخطيب     تسألون من هم؟.. تابعوا إذاً كل ذاك الإعلام الاعرابي ومن يقف خلفه…. وكأن تلك الشاشات الاعرابية لاتقتات إلا ...