آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » في تحدّي القوى الطائفية المهدّدة لبقاء لبنان

في تحدّي القوى الطائفية المهدّدة لبقاء لبنان

 

رأي نجاح واكيم

 

كان لبنان دائماً، على مدى تاريخه، ساحة للصراع بين قوى إقليمية ودولية متعارضة ومتصارعة. وفي هذه اللحظة، ومع احتدام الصراع الإقليمي والدولي، والذي نعيش أحد فصوله في فلسطين وما يجري فيها الآن، فإنّ الصراع الداخلي في لبنان ترتفع حرارته بشدّة إلى ما فوق الغليان، ما ينذر بتفجّر فوضى أمنية، أو بتعبير أدق: حربٍ أهلية.في هذه اللحظة، لا أرى وجوداً لصراع مع المشروع الأميركي للسيطرة على أدوات الحكم. أميركا تسيطر بشكل شبه كامل على الحكم في لبنان. هي تسيطر على السياسة المالية والاقتصادية بشكل مطلق، وتسيطر على الأجهزة الأمنية كافّة، وعلى السياسة الدفاعية، وهي تتحكّم بالسياسة الخارجية، فضلاً عن سيطرتها، بواسطة أتباعها، على أهم المواقع في الإدارة والمؤسّسات العامّة كالبنك المركزي والقطاع المصرفي والقضاء والأجهزة الأمنية، وذلك بواسطة القوى «الحليفة» لها وخصوصاً الطائفية منها. أمّا على المقلب الآخر، فإنّ المقاومة والقوى الوطنية لا تخوض معركة ضدّ السيطرة الأميركية على أدوات الحكم، بل هي تقوم بدفاع عن بعض مواقع هذه القوى في الحكم من دون أية محاولة لتقليص السيطرة الأميركية أو منازعتها.

أمّا في ما يتعلّق بالصراع مع إسرائيل، وما يجري حالياً على ضوء المواجهة التي انطلقت بعد «طوفان الأقصى»، فإنّ أي جديد على مستوى لبنان الدولة لم يتغيّر. فالدولة اللبنانية، منذ نشأة الكيان الصهيوني، كانت دائماً على الحياد في الصراع العربي – الإسرائيلي، ولا يغيّر من هذه الحقيقة الكلام الإنشائي عن التعاطف مع فلسطين والقضية الفلسطينية. وسبب هذا «الحياد» هو أنّ القوى المسيطرة على الحكم هي قوى طائفية. والطائفية، وليس الوطنية، هي التي تشكّل هويات الغالبية الساحقة من اللبنانيين. كذلك، فإنّ الطائفية السياسية هي التي تربط هويات اللبنانيين بالقوى الخارجية المتصارعة في الشرق الأوسط. كان الصراع بين هذه الهويات يبرد أحياناً ويستعر أحياناً أخرى، وهذا ما حصل بعد نكسة عام 1967، ومنذ عام 1968 التاريخ الحقيقي لبدء الحرب الأهلية اللبنانية التي تفجّرت بشكل دموي مرعب في عام 1975.

اليوم، وبعد عملية «طوفان الأقصى»، وبسبب الدور الذي قامت به المقاومة الفلسطينية وحلفاؤها في لبنان واليمن والعراق، تمّ إخراج القضية الفلسطينية من حالة الركود، وصارت العنوان الأبرز للصراع الإقليمي، فيما يقف لبنان على شفير حربٍ أهليةٍ جديدة، وخاصّة أنّ قوى دولية وإقليمية فاعلة (أميركا وإسرائيل) تجد مصلحتها في إشعال هذه الحرب، والتي تُحقّق للعدوّ الأميركي هدفين استراتيجيين كبيرين:

– تنفيذ المشروع الأميركي للشرق الأوسط الذي يهدف إلى تفتيت المنطقة إلى كيانات إثنية وطائفية، ويعطي «الدولة اليهودية» شرعية الوجود في هذه الخريطة السياسية.

– ضرب المقاومة اللبنانية، مقاومة حزب الله، التي تحولت إلى رقمٍ صعبٍ في هذا الصراع الإقليمي. ضربه في خاصرته الرخوة وهي الجبهة الداخلية اللبنانية.

 

بين الحياد والانخراط

لا شيء هنا اسمه الحياد. فهذا «الحياد» هو الغطاء الزائف لانحياز مَن ينادون به إلى المحور الأميركي – الإسرائيلي – الرجعي العربي. وعلى المقلب الآخر، هناك قوى المقاومة ومَن معها، المنخرطة، صراحةً ومباشرةً، في المعركة ضدّ المشروع الأميركي – الإسرائيلي. وواضح أنّ الطبيعة الطائفية للقوى النافذة في السلطة لا تسمح لها بإدارة سياسة عامّة للبنان في هذا الصراع. هذه القوى غير مؤهّلة أبداً لإدارة سياسة عامّة تكون في مصلحة لبنان، وخصوصاً لجهة تجنيبه حرباً أهليةً مدمّرة.

لكن الأمر، من ناحية أخرى، يتعلّق بالسؤال عن أسباب وفشل وضمور القوى الوطنية والعلمانية. وهو حديث يطول ويطول، لكن يمكن اختصار الموقف الآن بالآتي:

إنّ أزمة القوى الوطنية التقدّمية اللبنانية هي جزء من أزمة القوى الوطنية التقدّمية العربية، حيث فشلت هذه القوى، بعد غياب جمال عبد الناصر، في تطوير مشروعٍ جدي لاستكمال مشروع التحرّر العربي الذي كان عنوانه الأوّل ورجله الأوّل جمال عبد الناصر. كما فشلت في وضع تصوّر لهذا المشروع، فاستعاضت عنه بشعارات وخطب رنّانة، حيث كانت تخاطب «الجماهير» وفق «ذاكرتها الماضوية»، وليس كما هي في الواقع اليوم، لهذا فقد انكفأت عنها «الجماهير» التي همّها الأوّل البحث عن مستقبل وليس البحث عن ماضٍ.

أمّا في لبنان، فإنّ هذه القوى تفكّكت وتشرذمت والتحقت بالقوى المهيمنة من موقع التبعيّة، وليس من موقع المشاركة والفعل والريادة. وإذا كان بعض هذه القوى قد حافظ على وطنيته عن طريق تأييد المقاومة، نجد أنّ بعضها الآخر قد انجرف في تيار «الأن. جي. أوز» الذي أدّى بها إلى ما لا ينسجم مع تاريخها وأيديولوجياتها وشعاراتها، بل إنه يتناقض بالكامل مع هذا التاريخ والشعارات والأيديولوجيات.

يحصل كل ذلك، وسط استمرار الأزمة السورية وتأثيراتها العامّة، كون المشروع الأميركي لـ«الشرق الأوسط الجديد» يفترض إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمنطقة، وبخاصّة المشرق العربي، إلى كيانات طائفية ومذهبية وإثنية. وكان واضحاً أنّ أبرز أهداف الحرب التي شنّت على سوريا، وقبلها الحرب التي شنّت على العراق، تفتيت هذين الكيانين المشرقيين. لكن، وبالرغم من الدمار المادي والسياسي والمجتمعي الذي أصاب سوريا في هذه الحرب الطويلة والشرسة التي شنّت عليها، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها وأتباعها لم يتمكّنوا من إسقاط الدولة السورية. ولا يزال الأعداء يحاولون.

إذا هم نجحوا، لا سمح الله، فلن يبقى كيان اسمه لبنان. فهذا الكيان لن يتقسّم كما يتوهّم البعض ولكنه سوف يتشظّى ويتفتّت. أمّا فشلهم، فهو فرصة لإعادة بناء لبنان الجديد وطناً منيعاً ودولةً معافاة. وإذا كان دور القوى الوطنية العابرة للطوائف اليوم هو منع جرّ لبنان إلى حربٍ أهلية، فإنّ دورها التاريخي المهمّ هو قيادة مشروع لإعادة بناء الوطن والدولة والمجتمع. فهل يظلّ هذا الدور «هائماً على وجهه يبحث عن بطل»؟

* نائب سابق، رئيس «حركة الشعب»

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عشية بدء قطاف الزيتون.. عمال يلمّحون لـ”يومية” تصل إلى 125 ألف ليرة.. وأصحاب بساتين يدعون أولادهم وعائلاتهم للالتحاق بالموسم

أيام قليلة، ويبدأ مزارعو الزيتون في اللاذقية بجني محصولهم، الذي يؤقّت معظمهم أوانه بعد “مطرة” أواخر أيلول، حيث تتشبّع الثمرة وتنتج كميات أكبر من الزيت الذي يعد ...