لا يملّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من تكرار الشروط و«الخطوط الحمر»، بالنسبة إليه، في المفاوضات. ويعتقد نتنياهو، أنه باستعادة هذه الشروط في كل مرة، يوجّه مزيداً من الضغوط ضد المقاومة الفلسطينية، ويُظهر تل أبيب في موقف تفاوضي أكثر تصلّباً. وعلى الرغم من القناعة التي باتت راسخة لدى كثير من المراقبين والمسؤولين، داخل الكيان وخارجه، بأن نتنياهو لا يريد صفقة أبداً، أو يريد «شبه» صفقة، إلا أن بعض هؤلاء أيضاً، رأى في إعادة طرح الرجل شروطاً تفاوضية، مرة جديدة أمس، محاولة للضغط على «حماس» وتعظيم الإنجازات من خلال الصفقة، وليس تمنّعاً عنها. وكان نتنياهو كرّر القول إن «هذه الحرب ستستمرّ حتى نحقق النصر، ولو استغرق الأمر وقتاً»، مضيفاً: «سنحقّق أهداف الحرب ونقضي على حماس، وسنعيد كل المختطفين، ولن تشكّل غزة تهديداً مستقبلياً علينا». وفي حين عبّر عن «التزامه» بمقترح الصفقة، أكّد في الوقت عينه التزامه «بالمبادئ الأربعة التي أعلنتها» بهذا الشأن، مستعرضاً إيّاها من جديد: تحرير عدد أكبر من الأسرى الأحياء في المرحلة الأولى (الإنسانية)، وأن تتيح أي صفقة لإسرائيل العودة إلى القتال، وعدم السماح بعودة المسلّحين إلى شمال قطاع غزة، وإحباط عمليات تهريب الأسلحة.في هذا الوقت، غادر وفد أمني إسرائيلي، بقيادة رئيس «الشاباك»، إلى القاهرة، أمس، لاستكمال مباحثات حول معبر رفح ومحور فيلادلفيا، حيث يبدو هذا المسار معبّداً أكثر من مسار المفاوضات حول الصفقة الكبرى. وأفادت مصادر «الأخبار» بأن الاجتماعات التي بدأت مساء في العاصمة المصرية، استمرّت حتى وقت متأخر من الليل، مشيرة إلى أن الوفد الإسرائيلي إليها حمل هذه المرة صلاحيات أوسع، عقب اللقاء الذي عقده مع رئيس الحكومة الإسرائيلية قبيل مغادرته إلى مصر. وبحسب المصادر، فإن «تقدّماً واضحاً جرى إحرازه في ما يتعلّق بإعادة تشغيل معبر رفح خلال الفترة المقبلة، وفق تنسيق هو في الشكل مصري – فلسطيني، لكن إسرائيل حاضرة فيه بقوة، على أن يُسمح بإخراج المرضى الذين يحتاجون إلى العلاج خارج القطاع، خلال المرحلة الأولى».
على أن اللافت، هو ما زعمه مراسل موقع «واللا» العبري، باراك رافيد، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين كبار، من أن «المعلومات الاستخباراتية التي بحوزة إسرائيل والولايات المتحدة، تُظهر أن حماس وافقت على تعديل مواقفها في المفاوضات خلال الأسبوعين الأخيرين نتيجة الضغوط العسكرية الشديدة التي تتعرّض لها»، وهو ما قد يفسّر الاعتقاد الإسرائيلي الراسخ بأن مزيداً من التصعيد العسكري، إضافة إلى تصليب «شروط» نتنياهو، سيساعدان في المفاوضات. وبحسب «واللا»، فإن مسؤولاً إسرائيلياً كبيراً مشاركاً في المفاوضات، قال إن «إسرائيل تقدّر أن حماس وصلت إلى نقطة ضعف، وهي مهتمّة للغاية بوقف إطلاق النار، وبالتالي تشدّد مواقفها في المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى»، في حين رأى المسؤول نفسه أن «نتنياهو مهتم بالصفقة، وهو يحاول تعظيم الإنجازات في المفاوضات في ضوء الفهم السائد في إسرائيل بأن حماس ضعيفة، وبالتالي يطرح شروطاً إضافية». ورغم ذلك، «اعترف مسؤول إسرائيلي بأن نهج نتنياهو يحمل في طيّاته خطر انهيار المفاوضات».
يحاول نتنياهو وحلفاؤه، إشاعة أجواء سلبية حول المفاوضات
ومن الواضح أن نتنياهو وحلفاءه يحاولون إشاعة أجواء سلبية حول المفاوضات وما توصّلت إليه، مقابل الإفراط في الإيجابية التي أظهرتها الأطراف الأخرى، سواء في المستوى الأمني أو في المعارضة، وحتى الوسطاء، والهادفة إلى الضغط على نتنياهو. ولذلك، خرجت «القناة 14» العبرية، المحسوبة على اليمين، والمقرّبة من نتنياهو، بأخبار عن عدم حدوث أي تقدم في المفاوضات، وقالت: «إلى السائلين: لم يحدث أي تقدّم في المفاوضات في الدوحة. لا يوجد تغيير في موقف إسرائيل، والشروط التي حدّدها رئيس الوزراء في الإعلان الذي نشره في الأيام الأخيرة. كل شيء آخر هو إحاطات وهذيان وضجيج في الخلفية». وعبّرت القناة بشكل فاقع عن موقف نتنياهو وحلفائه، وربما عن حقيقة الأمور أيضاً، بعيداً عن الضغوط والضغوط المقابلة. وفي المقابل، نقلت قناة «كان» الرسمية، عن مسؤول دبلوماسي إسرائيلي، قوله إن «المحادثات في قطر كانت فعّالة، وسلّطت الضوء على الاتفاقات والخلافات بين الطرفين»، فيما نقلت «يسرائيل هيوم» عن من أسمتهم مسؤولين أمنيين مصريين مطّلعين على المفاوضات، قولهم إنه قد «تمّ إحراز تقدّم في قضية تبادل الرهائن وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، فيما لا تزال ثغرات بشأن الضمانات الأمنية لوقف إطلاق النار» قائمة. ومن جهته، قال مستشار الأمن القومي الأميركي، جايك سوليفان، إن واشنطن ترى «احتمالاً للتوصّل إلى اتفاق بشأن غزة، وهناك تفاصيل يتعيّن حلّها»، مشيراً إلى أن «الرئيس جو بايدن سيتحدّث بشأن ذلك لاحقاً».
أما حركة «حماس» فأعلنت، أمس، أنها «لم تتبلّغ حتى الآن من الوسطاء بأي جديد بشأن المفاوضات بهدف وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى»، مضيفة أن «الاحتلال يستمرّ في سياسة المماطلة لكسب الوقت بهدف إفشال هذه الجولة من المفاوضات مثلما فعل في جولات سابقة»، في حين أشار نائب الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي» محمد الهندي، خلال مقابلة تلفزيونية، إلى أن «جولة المفاوضات الأخيرة (في الدوحة) انتهت ولم يتمّ التوصل إلى شيء»، مشدداً على أن «تشدّد نتنياهو في شروطه بشأن التفاوض يعني الفشل في الميدان (…) وتكراره هذه الشروط التي تدلّ على العنجهية، هدفه الاستخدام الداخلي (…) وابتزاز الوسطاء، وليس له أي قيمة على أرض الواقع».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية