لا تبدو الثقة بالتزام الرئيس التركي بتعهداته في مكانها في ضوء تجارب الخداع التي أدمن عليها خلال سنوات ما بعد تمّ وضعه في مسار أستانا، بعد هزيمته في معركة حلب، بحيث صارت الشكوك بصدقيّة التزام أردوغان شرطاً للتعامل مع تعهداته.
هذه المرة يبدو الرئيس التركي جاداً في خياره، وقد صرّح أمس، أن وزير خارجيته يتولى الترتيبات اللازمة مع كل من الوسيط الروسي والدولة الروسية خريطة طريق المصالحة التي يفترض أن يتوّجها لقاء يجمعه بالرئيس السوري بشار الأسد.
على الأرض تتواصل الترتيبات اللوجستية التركية لتطويق الجماعات المسلحة، وتواصل القوات السورية بدعم روسي إيراني دك معاقل هذه الجماعات، ويجري التعاون السوري الروسي التركي على فتح معابر تجارية بين مناطق سيطرة الجيش السوري ومناطق سيطرة الجيش التركي.
إضافة للعوامل التي فرضت على أردوغان التحرّك بسرعة، تبدو أسباب السرعة مرتبطة باستحقاق الانتخابات الكردية الذي يقلق أردوغان ويتوقف على موقف الدولة السورية مصيره، وأردوغان يستشعر خطر التطرف الأوروبي المقبل مع اليمين والعداء للمهاجرين والمسلمين، بصورة تجعل الهوية الآسيوية لتركيا حاكمة، مع انسداد أفق أحلام الهوية الأوروبية، كما الحاجة لقراءة تطورات الحرب الأوكرانية لصالح روسيا وحرب غزة لصالح قوى المقاومة وإيران.
حاولت واشنطن الضغط على أردوغان ودفعه للتراجع لإدراكها أن التفاهم التركي السوري يعني دنو ساحة رحيل قواتها عن سورية، واستحالة تأمين الحماية للكانتون الكردي القائم تحت رعايتها وحمايتها، لكن أردوغان وهو في قلب حلف الناتو يدرك أن واشنطن التي خذلته عام 2015 يوم استنجد بالناتو لمساندته بوجه روسيا تفعل ذلك في أوكرانيا، وينظر لذلك من واقع التمييز العنصري في الناتو بين عضو مسلم ومشروع عضو مقترح مسيحي. كما يدرك أن واشنطن التي هربت من المواجهة التي دعاها الى مشاركتها معه، هي أميركا التي جاءت بحاملات طائراتها وأساطيلها كرمى لعيون “إسرائيل”، وأن ليس أمامه الا البناء على وقائع الجغرافيا والمصالح الاقليمية، وها هو يفعل.
(سيرياهوم نيوز ١-البناء)