آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الصهيونية عار الحضارة الغربية

الصهيونية عار الحضارة الغربية

 

رأي سعد الله مزرعاني

 

 

بناءً على شكوى تقدمت بها «الوكالة اليهودية الأوروبية»، اعتقلت الشرطة الفرنسية، يوم الثلاثاء الماضي، الباحث والأكاديمي الفرنسي فرانسوا بورغا بتهمة «دعم الإرهاب في غزّة». كان بورا قد قال في تصريح إنه «يحترم قادة حماس أكثر بكثير من قادة إسرائيل»! بورما عالم مرجِعي مرموق استمعت إليه الجمعية الوطنية الفرنسية «والمحكمة الجنائية الدولية». الشرطة في بلد «التنوير» تنفّذ قرار السلطة التي سارع وتسابق رئيس الجمهورية فيها، بكلّ خفّة ولهفة، مع سواه من قادة بلدان حلف الأطلسي، وفي مقدّمتهم الرئيس الأميركي، إلى زيارة تل أبيب: داعمين ومحرّضين وشركاء في الحرب على غزّة والشعب الفلسطيني وقضيته.لم يكن ذلك مصادفةً أو مجرّد ردّ فعل على حدث استثنائي وطارئ، هو عملية «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023. الواقع أنّ ردّ فعل ذلك الحشد من رؤساء وقادة، قد كشف عمق العلاقة بين الصهاينة (حركةً عالمية وكياناً)، وبين المعسكر السياسي الاقتصادي العسكري الغربي وأتباعه ومواقع نفوذه في مختلف أنحاء العالم!

في رواية التأسيس والتبرير والتبنّي والدعم الغربية، أنّ إسرائيل لو لم تكن موجودة (منذ متى، وبقرار وبدعم مَن؟)، لوجب إيجادها، كما عبَّر الرئيس الأميركي فور وصوله إلى تل أبيب غداة «طوفان الأقصى»! في تلك المنظومة أيضاً، إنّ إسرائيل هي «عين الغرب وأذنه» كما صرّح المرشح المستقل إلى الرئاسة الأميركية روبرت كندي. وهي في البروباغندا الغربية عموماً، «واحة للديموقراطية والحضارة»، وفرصة للتقدّم في منطقة تزخر بالثروات فيما تفتقر إلى الإرادة والتدبير ومقومات الإنتاج وخطط التنمية. ضمن هذه المعادلة كان كتاب شيمون بيريز، «الشرق الأوسط الجديد»، الذي روّج لمزاوجة التكنولوجيا والتطوّر الإسرائيليين بالثروة والأسواق الشرق أوسطية!

الغرب أنشأ الكيان الصهيوني وهيَّأ له شروط الغلبة والتوسّع. وهو أداة في خدمته ذات مواصفات خاصّة صاغتها الحركة الصهيونية التي تحولت أحد أهم الأجهزة الأيديولوجية للنظام الرأسمالي في مرحلته الإمبريالية التي تبلورت أوائل القرن الماضي. لقد تجنّدت عائلات يهودية شديدة الثراء في ورشة مشروع الحركة الصهيونية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وهي ما زالت حتى الآن، تلعب دوراً بالغ التأثير في حقلين: تعزيز نفوذها في المؤسّسات الإمبريالية العالمية، وتوفير كلّ عناصر الدعم الشامل للكيان الصهيوني في كنف الإمبريالية الأميركية خصوصاً، وفي خدمتها.

تحتلّ الحركة الصهيونية مواقع مهمّة في النظام الرأسمالي العالمي. هي تحتكر، تقريباً، بعض الحقول ذات الحيوية الاستثنائية، أو التأثير الواسع في الرأي العام الدولي: المؤسّسات المالية والبورصة والبنوك، صناعة السينما، لجان الجوائز الدولية، دوائر وزارات الخارجية، فروع الصناعات التكنولوجية المتقدمة… بذلك باتت ذات سطوة وقدرة وتأثير على مراكز القرار في عدد كبير من البلدان الغربية وغيرها، وبالتالي، على اختيار أو ترجيح انتخاب هذا أو ذاك من المرشحين، ثم في توجيه السياسات الخارجية دعماً للسياسة التوسعية للكيان الصهيوني بالدرجة الأولى.

في الحقول المذكورة آنفاً، وسواها، في كنف الإمبرياليات الغربية وتكتلاتها ومؤسساتها، وفي الحقول الأيديولوجية والسياسية والدعائية، تستخدم الحركة الصهيونية، على أوسع نطاق، مسألة «العداء للسامية» كتهمة بممارسة الإرهاب أو دعمه، ولفرض الولاء، أو لمنع نقد سياسات الحركة الصهيونية ووليدها الكيان الغاصب وقمعه. يضاف إلى ذلك نشاط هائل في حقول التخريب ونشر الفتن وإثارة الانقسامات والنزاعات في صفوف القوى المعادية، وصولاً إلى تنظيم الاغتيالات للقادة والعلماء والكفاءات والناشطين. حظي هذا المزيج الهائل والخطير من السياسات والعلاقات والنشاطات، بدعم واحتضان دائمين من قبل واشنطن والغرب عموماً. وبرعاية ومتابعة دؤوبة منها، حقّق الكثير من الإنجازات لمصحلة الكيان الصهيوني، خصوصاً في مجال التطبيع، وآخره وأخطره مع المملكة السعودية.

في هذا السياق، بدأت التيارات السياسية، وحتى الجماعة الإسرائيلية بأكثريتها، تتّجه تباعاً نحو التطرّف المقرون بتوجّه طاغٍ عنصري وفاشي. تجسّد ذلك في حكومة نتنياهو الحالية التي تشكّلت في أواخر 2022. تغذّى التياران المتطرفان السياسي والديني، في كيان العدو، من ثبات الدعم الأميركي والغربي وتعاظمه، ومن تزايد تآمر الأنظمة العربية وتواطؤها، ومن انكفاء التيار التحرّري العربي التقليدي وعجزه. بالغ هذان التياران في تطرّفهما وفي إجراءاتهما (سياسياً وأمنياً واستيطانياً…) دون سقوف، وبوسائل بالغة العنف والإجرام والاستفزاز.

لم يكن ينطبق ذلك على المقاومة الفلسطينية التي واصلت الكفاح مدعومة، بشكل متصاعد، من «محور المقاومة» الذي لم يكن قد وُضع بعد قيد الاختبار الجدي. من هذا الموقع، انطلقت حكومة العدو في تعاملها مع عملية «طوفان الأقصى» المفاجئة والصاعقة و«المزلزلة» حقاً. المجريات مذهلة وغير مسبوقة. الخسائر البشرية تكاد تفوق ما تكبّدته إسرائيل في كلّ حروبها السابقة. الإخفاقان العسكري والاستخباراتي كاملان. الانهيار المعنوي شامل وأكبر بما لا يقاس. ليس أدلّ على حجم الفاجعة من مسارعة قادة «العالم الحرّ» الاستعماري إلى نجدة حكومة الكيان الغاصب: بالحضور المباشر، وبكلّ أشكال الدعم المعنوي والسياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي والديبلوماسي… المعنى الآخر والأخطر لهذه الهبّة، كان في إعلان صاخب لوحدة المسار والمصير بين الطرفين، وفي تكريس وحدة المعركة، وكذلك وحدة الردّ، ضدّ الشعب الفلسطيني ومقاومته وقضيته جميعاً.

لم يترك العدو وسيلة من وسائل الإجرام ضدّ المقاتلين والمدنيين إلّا استخدمها. لم يترك سلاحاً من أسلحة التدمير الواسع إلا اختبره. شدّد الحصار وصولاً إلى التجويع. استهدف بالقتل والتدمير كلّ حيّ وكلّ شيء: وكالات الإغاثة الدولية، المستشفيات، دور العبادة، المدارس، الصحافيين… استهتر بالقوانين الدولية والإنسانية وبالمؤسّسات التي تمثّلها. واصل حرب إبادة شاملة رغم الإدانة الدولية والتظاهرات والاحتجاجات العارمة. أعاد البشرية مئات السنين إلى الوراء. وطوال أكثر من 9 أشهر، ظلّ الغرب، بقيادة واشنطن، يقدّم لحكومة العدوّ الدعم الشامل والتبرير والمساندة والمهل وتعطيل القرارات. ولم تتحرّك واشنطن وشركاؤها إلا لتغطية أخطاء قادة العدوّ ولتدارك خسائره وامتصاص النقمة العارمة، في العالم، على جرائمه، ولتمكينه، إزاء المقاومة والصمود الأسطوريين، من أن يحقّق في المفاوضات ما عجز عنه في الساحات.

علاقة الصهاينة بالغرب الاستعماري، وخصوصاً واشنطن، منذ التأسيس إلى التوسّع بالعدوان وبالجرائم والمجازر، وصولاً إلى الحرب الهمجية على غزّة والضفّة حاليّاً، تجعل هذا الغرب (وتابعيه من الحكام العرب خصوصاً) شريكاً كاملاً في المسؤولية عن وحشيته، وعاره عاراً للحضارة الغربية الاستعمارية سواء بسواء.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يعلن ترامب الحرب على الصين؟

نور ملحم في وقت يستعد فيه الجيش الأمريكي لحرب محتملة ضد الصين، ويجري تدريبات متعددة لمواجهة ما سُمي بـ«حرب القوى العظمى»، بدأت بكين في بناء ...