شربل كريّم
ها هي كأس أوروبا لكرة القدم شارفت النهاية مع إقامة المباراة النهائية عند العاشرة من مساء الأحد بين منتخبَي إسبانيا وإنكلترا على الملعب الأولمبي في العاصمة الألمانية برلين. بطولةٌ انقسمت الآراء حولها بين مستمتعٍ بمبارياتها، ومنتقدٍ لأداء منتخباتها والكثير من نجومها
لا يخفى أن العديد من محبي كرة القدم كانوا ينتظرون نهائيات كأس أوروبا، المفترض أن تحمل دائماً أعلى المستويات في عالم كرة القدم. هم تأمّلوا خيراً في رؤية أقوى منتخبات العالم وجهاً لوجه، وأيضاً تلك المنتخبات الوافدة حديثاً التي تفرض عادةً تحدّياتٍ كبيرة بطموحاتها الواسعة، ما يفرز مباريات نارية.هذا ما حصل في كأس أوروبا 2024، وتحديداً في دور المجموعات الذي حفل بالمواجهات القوية والنتائج المفاجئة. لكن فجأةً تبدّلت الصورة، وبدأ الملل يصيب الجمهور، فسجّل المستوى الفني تراجعاً في الأكثرية الساحقة من المباريات، وذلك في موازاة طغيان الاعتراضات على التحكيم والانتقادات لأداء الكثير من النجوم والمدربين.
الروزنامة القاتلة
الواقع أن السبب الأول الناتج من تراجع مستوى البطولة هو الروزنامة الضاغطة التي يعيشها اللاعبون في كل موسم، والتي تركت انعكاساتها السلبية على أدائهم في البطولة القارية.
هم ربما بدأوا كأس أوروبا بزخم، لكن بما أن المتطلبات البدنية للمباريات كبيرة، وهي توالت في مدةٍ زمنية قصيرة، بدا وكأن المخزون نفد منهم، فبات أداؤهم عادياً، ولم يتركوا تأثيراً كبيراً في العديد من المباريات.
الأمثلة كثيرة حول هذه المسألة، ويمكن اعتبار النجم الإنكليزي جود بيلينغهام أحدها، إذ إنه بدأ البطولة بشكلٍ جيّد، لكن سرعان ما أصبح تأثيره متواضعاً في منتخب بلاده، وهو بالتأكيد لم يظهر بالصورة نفسها التي ظهر عليها مع ريال مدريد الإسباني خلال الموسم الأول الذهبي الذي قضاه معه.
وبالحديث عن ريال مدريد، فإن النجم الفرنسي كيليان مبابي هو الآخر خيّب الآمال، ولم يرتقِ بأدائه، فتأثّر منتخبه سلباً بشكلٍ كبير، والسبب أنه بدا مشتّت الذهن بين محاولاته تفادي الالتحامات لكي لا يصاب مجدداً، وبين وجوده جسداً في ألمانيا وعقلاً في إسبانيا، حيث ينتظر بفارغ الصبر الانضمام الى فريق العاصمة الإسبانية.
أصيب الجمهور بالملل في العديد من المباريات بعد نهاية دور المجموعات
حال بيلينغهام ومبابي هي حال الكثير من النجوم الذين أُرهقوا أصلاً جرّاء ضغط المباريات، وهم الذين ينتظرون أصلاً قدوم فصل الصيف للخلود الى الراحة وعيش حياة طبيعية لا تكون فيها التزامات تجبرهم على الخلود باكراً الى النوم، واتّباع حمية غذائية، والانغماس في تمارين قاسية يومية.
الواقع أن الكثيرين ربما تمنّوا نهايةً سريعة لكأس أوروبا لكي يتمكنوا من الحصول على إجازة قصيرة كون الفرق الأوروبية بدأت التجمع لإطلاق مرحلة الاستعداد للموسم الجديد الذي سينطلق في إنكلترا وإسبانيا مثلاً في منتصف آب المقبل، ما يعني أن معظم لاعبي طرفَي النهائي لن يحصلوا على أكثر من أسبوعٍ من الراحة قبل انغماسهم مجدداً في الروزنامة القاتلة.
مدربون متواضعون
مسألةٌ أخرى تركت أثرها السلبي على كأس أوروبا، وهي نوعية المدربين الحاضرين مع معظم المنتخبات الكبرى، إذ إن الأكثرية الساحقة منهم إما حصدوا الفشل في مشوارهم التدريبي مع الأندية، أو لا يحملون تاريخاً مجيداً على الصعيد الدولي.
وهذه النقطة بالتحديد دفعتهم الى محاولة تفادي الهزائم بشتى الطرق التكتيكية التي أخذتهم غالباً الى اعتماد أساليب دفاعية مملّة لتأمين الفوز قبل أيّ شيءٍ آخر.
نظرةٌ سريعة على لائحة المدربين تترك انطباعاً بأن لا أحد منهم يشبه الإسباني جوسيب غوارديولا أو الإيطالي كارلو أنشيلوتي أو غيرهم من أولئك الذين طبعوا الكرة العالمية بطابعهم الخاص وبفلسفتهم الفريدة من نوعها، فلم يتركوا أي إضافة إيجابية، لا بل إن أفكارهم صبغت المباريات بالملل في بعض الأحيان.
الحقيقة أن مدربي النخبة في العالم لا يجدون تحدّياً كبيراً في الإشراف على أي منتخب، وربما يتركون قبول مهمة من هذا النوع الى ما قبل الاعتزال، بالنظر الى شغفهم بالعمل اليومي، فكان أن حملت المنتخبات الى كأس أوروبا مجموعة كبيرة من مدرّبي الصف الثاني وحتى الثالث في العالم، وهو ما لم يساهم في رفع المستوى وخلق الإثارة التي كانت منتظرة.
ورغم كل ما تمّ ذكره سلفاً، كان بروز العديد من المواهب الشابة، وتألّق حراس المرمى، واهتزاز الشباك في أوقاتٍ قاتلة، وذهاب مبارياتٍ كبيرة الى ركلات الترجيج، من سمات الإثارة في البطولة القارية التي ربما لم تعجب البعض، لكنها تبقى حاضرة بقيمة فنيّة استثنائية وبمشاهد لا تنسى لأهدافٍ رائعة واحتفالاتٍ جميلة خلقت حالة عالمية من حيث التفاعل والمتابعة لكل تفصيل.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية