يحيى دبوق
يصل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن اليوم، في زيارة تُحمَّل أكثر بكثير ممّا يمكن أن ينتج منها فعلياً، إذ إن أبرز أحداثها، والمتمثّل في خطاب يلقيه غداً أمام الكونغرس بمجلسَيه، لا يمكن أن يأمل منه نتنياهو أكثر من تحسين الصورة أميركياً ودولياً، علماً أنه مسبوق بلقاء بالرئيس الأميركي، جو بايدن، وكبار المسؤولين في إدارته، وربما يعقبه اجتماع بالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إن رضي الأخير بذلك. على أنه إلى جانب المصلحة الشخصية لنتنياهو، المرتبطة بصراعاته في الداخل الإسرائيلي، والتي يأمل أن يحقّقها عبر الزيارة، فإن النتيجة الأهم التي يراد الوصول إليها، هي التأكيد على متانة العلاقات وثباتها بين إسرائيل والراعي الأميركي – على رغم كل ما يُحكى عن خلافات وتباين في وجهات النظر حول الحرب على غزة، التي هي، للمفارقة، حرب أميركية قبل أن تكون إسرائيلية -، والردّ عملياً على الحديث المبالغ فيه عن القطيعة والعقوبات، وأيضاً التحرّكات والمواقف الشعبية التي تدين إسرائيل، بما يشمل سياسيين أو خبراء أو وسائل إعلامية.عملياً، يراد من خلال التصفيق الذي سيلقاه نتنياهو من أعضاء الكونغرس بمجلسَيه، التأكيد على التأييد الأميركي العارم لإسرائيل، على رغم كل المجازر و«الأرض المحروقة» التي خلّفتها الحرب في غزة. ومثل هذه النتيجة، هي المطلوبة إسرائيلياً، وأيضاً أميركياً، كي لا يظن الخصم، من التباينات في المواقف، أن هناك خلافاً على الحرب نفسها، وليس على الخيارات التي تفيد إسرائيل أكثر. وعليه، فالتصفيق سيكون بمثابة رسالة إلى «محور المقاومة»، وفي المقدمة إيران، بأنه لا رهانات يمكن أن تفيد هذا المحور؛ فالخلافات التي تطفو على هامش العلاقات الثابتة بين الحليفين، أميركا وإسرائيل، لا تلغي أو «تخدش» الشراكة الثابتة التي تبقى على حالها، كما كانت قبل الحرب وخلالها، وستظل كذلك بعدها. كما أن واحداً من أهداف الزيارة، لقاء ترامب، الذي ما زال «غاضباً» من نتنياهو منذ أن هنأ الأخير الرئيس جو بايدن، على فوزه بانتخابات عام 2020، ولم تتحسّن العلاقة بين الرجلين مذاك، بإصرار من ترامب نفسه، على رغم كل الجهود المبذولة لإصلاحها.
على أن الزيارة تتزامن مع شيوع أجواء إيجابية، موجّهة من أعلى، في ما خصّ اتفاقاً محتملاً لتبادل الأسرى بين إسرائيل و«حماس»، بعدما أنهت تل أبيب خياراتها العسكرية وانتقلت إلى الحرب المنخفضة المستوى، عبر النيران عن بعد والتوغّلات الموضعية. والظاهر أن نتنياهو حرص، قبل أن يتوجّه إلى واشنطن، على بث إشارات دالّة على تفاؤل، بغضّ النظر عمّا إذا كان ثمّة أساس لها؛ إذ يراد منها أن تسهّل الزيارة وتخدم أهدافها، وتحديداً هدف تحسين الصورة، عبر إظهار أن نتنياهو ييسّر ما أمكنه العملية التفاوضية. ومن بين تلك الإشارات، قرار الأخير إرسال الوفد المفاوض إلى قطر لاستكمال المحادثات، مع التوضيح، عبر تسريبات في الإعلام الإسرائيلي، أن «المناقشات التي تقرّر بموجبها إرسال الوفد التفاوضي إلى الدوحة، شملت تداعيات إبرام الصفقة على ما يحدث في الشمال، وكذلك في مواجهة الحوثيين»، وهو ما يستبطن اعترافاً بالأسباب الموجبة الإضافية لدفع أثمان وتقديم تنازلات، خلافاً للموقف الصارم المُعبّر عنه علناً حتى الآن، من مستلزمات صفقة التبادل.
لو كانت إرادة نتنياهو تتّجه فعلاً إلى إبرام صفقة، لكان فعل ذلك قبل زيارة واشنطن
وفي هذا الإطار، تتولى المؤسسة الأمنية ومصادرها التشديد على ضرورة التوصل إلى اتفاق مع «حماس»، وهو ما تعزّز في اليومين الماضيين، إلى الحد الذي دفع المعلّقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى الحديث عمّا يشبه الإجماع في الجيش والأجهزة الأمنية على هذا الخيار. لكن الجديد، هو أن نتنياهو عمد في الأيام القليلة الماضية، قبل توجّهه إلى واشنطن، إلى البعث برسائل متضاربة حول موقفه، بين رفض مطلق للصفقة، وتلميح إلى الموافقة عليها، الأمر الذي علّق عليه كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية عبر القول لصحيفة «هآرتس»، إن نتنياهو سيجد طريقة للتغلب على مشكلة محور «نتساريم» الذي كان يشدّد على بقائه بيد الاحتلال لمنع المسلحين والسلاح من العودة إلى شمال قطاع غزة، إن قرر فعلاً التوصل إلى اتفاق.
لكن هل يريد نتنياهو ذلك؟ ثمة هنا شكوك معتدّ بها؛ إذ لو كانت إرادته تتّجه فعلاً إلى إبرام صفقة، لكان فعل ذلك قبل زيارة واشنطن، بما يفيده إلى أبعد مدى في تحقيق أهداف الزيارة، سواء على الصعيد الشخصي أو ما يرتبط بهدف تحسين صورة إسرائيل الدولة لدى الرأي العام الغربي. لكن أن يصار إلى الاكتفاء ببث «روح تفاؤلية» عبر إرسال الوفد إلى الدوحة، بالتزامن مع زيارة واشنطن، ففي هذا دليل على أن نتنياهو يريد الاكتفاء بالقدر المذكور في هذه المرحلة. يضاف إلى ما تقدم، أن نتنياهو، الذي يتعرض لضغط كبير من داخل ائتلافه، سيعمل، إن قرّر التوصل إلى اتفاق، على أن يكون توقيته متماشياً مع هدف الحدّ من تأثيراته السلبية على حكومته التي لا يريد سقوطها أو تعريضها للخطر خلال الزيارة نفسها، وهو تهديد جدي لا يفتأ يلوّح بتنفيذه شركاؤه من اليمين الفاشي، في حال الموافقة على صفقة تبادل تتضمن وقفاً لإطلاق النار ومساراً لإنهاء الحرب. أيضاً، من غير المتوقع أن يتّخذ نتنياهو قراره (الإيجابي) بخصوص الصفقة، قبل العطلة الصيفية لـ«الكنيست»، والتي تبدأ خلال أيام، ما يسهّل عليه المهمة في مواجهة شركائه.
وعلى أي حال، ثمة ترجيحات في أوساط الوزراء والمستشارين الإسرائيليين، بأن الصفقة باتت أقرب من أي وقت مضى، وهناك من يتوقع أن يجري الاتفاق عليها خلال أسبوعين إلى ثلاثة. كما أن مكتب وزير الحرب، يوآف غالانت، شدّد، في بيان استثنائي، على أنه «في ضوء الإنجازات العملياتية في الحرب، تمت تهيئة الظروف، وهناك فرصة محدودة لوضع مخطّط لتحرير المختطفين»، الأمر الذي فُهم منه أن غالانت يحاول استثمار الصفقة مسبقاً لمصلحته، عبر التأكيد أنه والمؤسسة العسكرية هما السبب في «تهيئة الظروف» لإنجازها، بعدما رأى وقدّر أنها باتت قريبة.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية