حائرة بين التصهين والديماغوجيّة: bbc أيضاً تنهش في اللحم الفلسطيني

نزار نمر

صفحة جديدة تُضاف إلى كتاب الألف صفحة الذي تتّخذه «هيئة الإذاعة البريطانية» قاموساً لنفاقها ومعاييرها المزدوجة إزاء ما يُدعى زوراً «الموضوعية». إلا أنّ ردّة الفعل الجماهيرية هذه المرة، مصحوبةً بنزعة ديماغوجيّة مستجدّة أجّجتها عودة السلطة إلى يد «حزب العمّال» الآخذ بالمدّ يميناً «على السكت»، أفضت إلى تكحيل القناة تصهينها، فارتأت تغيير عنوان مقال على موقعها تماهياً مع إستراتيجيّتها الجديدة المستوحاة من قناع التنكّر الليبرالي المنافق!

وضعت BBC العنوان التالي لتقريرها: «رجل من غزّة مصاب بمتلازمة داون يموت وحيداً»

تركيا – تكلفة زراعة الأسنان بالفم الكامل قد تفاجئك تمامًا

زراعة الاسنان في تركيا

كعادتها التي تعود إلى عقود من دون أن تلفت الأنظار الناقدة إلّا في الأشهر التسعة الأخيرة، سلخت BBC عنوان تقرير عن سياقه المدين لكيان احتلال إجرامي. التقرير المنشور في الأسبوع الماضي تناول الجريمة البشعة التي أدّت إلى استشهاد الشابّ الغزّاوي محمّد بهار (24 سنة) الذي يعاني من متلازمة داون والتوحّد، على يد كلاب أفلتتها قوّات الاحتلال الصهيوني عليه فنهشت جسده على مرأى من عائلته بمن فيها والدته، ولم يتمكّن أحد من العودة إليه إلّا بعد أسبوع عندما وُجد جثّة مضرّجة بالدماء. هذه الجريمة نزلت كالصاعقة على مؤيّدي فلسطين، وخصوصاً في الغرب حيث يبدو أنّ الروايات الفردية تأتي أشدّ وقعاً على الجمهور هناك من مثيلاتها العمومية، بغضّ النظر عن نوعية الجرائم أو عدد الضحايا. وانتشر فيديو للكلب وهو يهاجم محمّد الذي يقول له «اتركني يا حبيبي»، فغطّى المنصّات والمواقع، إضافة إلى صوَر ورسوم تخلّد الحادثة وتُظهر التضامن.

هكذا، اعتمدت BBC الآتي عنواناً لتقريرها: «رجل من غزّة مصاب بمتلازمة داون يموت وحيداً»، ونشرت رابطاً له على منصّة X (تويتر سابقاً)، سرعان ما كان عرضة لانتقادات واسعة، وخصوصاً مع تجنّب التقرير الإشارة إلى هجوم الكلب العسكري. وعلّق أحد الحسابات قائلاً «لقد قُتل. لم يمت فقط. لماذا تستمرّ BBC في تضليل الجمهور عبر محو اسم الجاني؟»، فيما أضاف آخر: «تقصدون أنّه أُبعد عن عائلته، ونهشه كلب هجومي تابع للجيش الإسرائيلي عمداً على مرأى منهم وتُرك ليموت. عثر أهله على جثّته الآخذة بالتحلّل لاحقاً. هذه تسمّى جريمة قتل». علماً أنّ محمّد بالكاد عرف والده، بما أنّ الأخير كان قد استشهد في غارة إسرائيلية على شرق غزّة عام 2002، عندما كان محمّد يكمل سنته الثانية من عمره!

بعد هذه الانتقادات، ما لبثت BBC أن غيّرت في عنوانها، ليصبح: «رجل من غزّة مصاب بمتلازمة داون هاجمه كلب من الجيش الإسرائيلي وتركه ليموت، كما تقول أمّه لـBBC». لكنّ القناة البريطانية «بدلاً من أن تكحّلها، أعمتها»، إذ بدت كأنّها توحي بأنّ جريمة إفلات الكلاب لا تعدو كونها ادّعاء أتى على لسان الأهل، فيما أصرّت على افتتاح تقريرها بمقطع يبرّئ القوّات الصهيونية، أو على الأقلّ يبرّر لها جرائمها: «اعترف الجيش الإسرائيلي بأنّ رجلاً فلسطينيّاً مصاباً بمتلازمة داون تعرّض لهجوم كلب عسكري في غزّة، وتركه الجنود بمفرده بعدما أمروا عائلته بالمغادرة. وقد عثرت عائلة محمّد بهار عليه ميّتاً بعد أسبوع. وردّاً على استفسارات من BBC، قال الجيش الإسرائيلي إنّ القوّات المسلّحة تركت محمّد بهار بمفرده استجابةً لنداء استغاثة من جنود أصيبوا في هجوم صاروخي».

باختصار، تعلن BBC أنّها لن تحيد عن نهجها الخاضع لمشيئة اللوبيات الصهيونية، وأنّ تسليم اليمين السلطة لحزب كان يساريّاً في يوم من الأيّام قبل أن يجنح نحو يمين الوسط، لن يغيّر قيد أنملة في تصهينها، بل سيضيف عاملاً ديماغوجيّاً تضليليّاً يوحي الجماهير بأنّها على جانب نقيض من حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرّة، فيما الحقيقة أنّ أرجلها وحكومتها لا تفتأ تغرق في وحول الإبادة أكثر فأكثر!

عبرية «العربية» آخذة بالتحسّن!

لم يعد يخفى على أحد أنّ قناة «العربية» السعودية قرّرت التخندق في صفّ الاحتلال في حرب الإبادة التي يرتكبها منذ تسعة أشهر، إذ تتبنّى سرديّته حول مختلف الأمور بطريقة نافرة وتستضيف مسؤوليه بوقاحة. في هذا السياق، وبعد الإعلان اليمني عن إطلاق مسيّرة استهدفت تلّ أبيب (يافا) في الأراضي المحتلّة، اختارت القناة التحريض على العمليّة عبر التضليل، فادّعت أنّ «الحوثيّين استهدفوا مسجداً في تلّ أبيب». هكذا، تكون القناة أصابت عصافير عدّة بحجر.

أوّلاً، تحاول تبييض صفحتها مع كيان الاحتلال الذي «تحوص» دولتها على التطبيع معه، وحاولت إظهاره بصورة «المسالم» و«المتقبّل للإسلام».

ثانياً، تحاول القضاء على كلّ ما تحقّق من تقدّم في الأشهر الماضية على صعيد وأد الفتنة السنّية-الشيعية، وإعادة إحداث شرخ لا يفيد أحداً غير كيان الاحتلال نفسه.

ثالثاً، تصعّد من لهجتها تجاه اليمن تحسيناً لأوراق القوّة بيد حكومتها قبيل محادثات الهدنة المزمع عقدها، وخصوصاً مع تهديد اليمن من جهته باستهداف أراضي المملكة في حال رآها طرفاً في العدوان الأميركي البريطاني الأوروبي عليه.

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية