كثيرون يتخوّفون اليوم من إجراء الحكومة وإعلانها نقل الدعم السلعي إلى الدعم النقدي، في الوقت الذي يربط البعض هذا التحويل بدعم مادة الخبز بضرورة دعم زراعة القمح خشية تراجع إنتاجنا أكثر مما هو متراجع رغم أهميته وإستراتيجيته، والذي بات في خطر وتناقص مطرد نوعاً وكمّاً.
لكن بالمقابل هناك من رأى في هذا التحويل خطوة إيجابية جداً ومطبقة في كل دول العالم المتطور، وسيكون لها مردود إيجابي، وبين هذا وذاك يدور الشك حيناً واليقين حيناً آخر.
الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم قوشجي أوضح لـ”تشرين” وفنّد كل نقاط الدعم المزمع تقديمه عبر حوار طويل معه: لا أحد ينكر أنّ محصول القمح عندنا بات اليوم في خطر لجهة تراجع الإنتاجية كمّاً ونوعاً، ومن هذه النقطة دعنا نبدأ.
فدعم القمح الذي كان من البذار والسماد والوقود والكهرباء، زد على ذلك التمويل بفوائد تتعدى الـ٥% لفترة طويلة ثم ارتفع إلى ٨% وكانت أسعار الشراء من مؤسسة إكثار البذار أو مؤسسة الحبوب مجزية إلى حدٍّ ما.
وماذا تغير في الأمر اليوم بعد كل ذلك؟
يبيّن الدكتور قوشجي: اليوم وبعد رفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج الزراعي” القمح”، لابدّ من شرائه بأسعاره العالمية الرائجة، ولنقارن سعر القمح للموسم الحالي ٢٠٢٤ الذي بلغ ٥٥٠٠ ليرة للكيلو الواحد، مع سعر القمح في مصر الذي اعتبر خطوة إصلاحية لتفادي نقص الموسم المقبل وهي / ٤٢ / دولاراً لـ ١٥٠ كغ، أي ٣٨٢٤ ليرة سورية وفقاً لسعر الصرف الرسمي للفترة نفسها، أي سعر شراء القمح في سورية يزيد على مصر بـ١٦٠٠ ليرة سورية.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية يرتبط تخفيف الدعم ونقله إلى نقدي على مادة الخبز، ثم رفع الدعم عن الكثير من مصادر الطاقة وأدى ذلك إلى ازدياد التكاليف الإنتاجية وزيادة الأسعار، ولم تكن زيادة الرواتب والأجور في الاقتصاد، للقطاعين العام والخاص، تتناسب مع زيادة الأسعار. يتخوف البعض أن ينعكس كل ما يجري الآن من تدابير على الرغيف التي لها شجونها، والسوريون يأكلون الخبز مع البرغل.
ماذا لو تأثر ذلك وأدى إلى إشكالية في مردود القمح وصناعة الخبز؟
هنا يستطرد الدكتور قوشجي موضحاً: للخبز كل الخصوصيات، لكونه يمس كل الشرائح وتحديداً أفقرها في مجتمعنا الذي بات يعاني من نقص كبير في متطلبات الحياة، والخبز واحدة من مجمل هذه القضايا، ومن المؤكد كلما رفعت الحكومة أسعار شراء القمح سوف يؤدي ذلك إلى رفع سعر الطحين، وهذا يعني إما رفع سعر الخبز أو زيادة قيمة الدعم في الموازنة العامة للدولة، وتوزيعها بين الأفراد والمؤسسات التي تعمل في مادة القمح من شرائه إلى بيعه طحيناً.
وطالما أن الجميع يطلب رفع الدعم لطرف مصلحته، بدءاً من المزارع فالحكومة والمؤسسات الخدمية، فما الحل إذاً؟
الحل لهذه المعضلة -حسب قوشجي- إعادة النظر بالبيئة الاستثمارية في سورية وتسهيل عملية الاستثمار ورفع الدعم النقدي للشرائح الفقيرة، والعمل على تحرير الاقتصاد وسنّ قوانين حماية المستهلك وليس للحفاظ على السوق الاحتكاري القائم الذي أدى إلى رفع أسعار السلع والخدمات لدينا إلى أعلى مما هي عليه في الدول الأخرى.
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي مهنا المحمد أن إيجابيات الدعم النقدي كتجربة مطبقة في أغلب الدول المتقدمة كإعانات نقدية، يمكن أن يؤدي إلى إعادة ترتيب الأولويات الاستهلاكية عند الفرد.وعلى سبيل المثال يقوم الفرد باستجرار كامل مخصصاته من مادة الخبز لمجرد أنها مدعومة، مع الإشارة إلى أنه قد لا يحتاج إلى استهلاكها بشكل يومي، فعند تحويلها إلى دعم نقدي سيقوم بشراء ما هو بحاجته فقط، وتوجيه الفائض النقدي الذي سيحصل عليه إلى شراء سلعة هو بحاجة إليها أكثر، الأمر الذي سيؤدي إلى وفر في مادة الخبز، مقابل حصول المواطن على السلعة التي يحتاجها بدل الخبز.
بالمختصر المفيد: ما يجري الآن من تحويل الدعم من سلعي إلى نقدي يثير التخوف لدى المزارعين ويخشون أن يؤثر على أهم محصول إستراتيجي” القمح” والذي فيه وعليه تتوقف صناعة الرغيف.
في كل الأحوال، هي تجربة، فإن أفلحت سيصار إلى تعميمها إلى الغاز والمازوت أيضاً وفقاً للتصريحات، لكن ماذا لو لم تفلح؟ هل لأحد أن يتصور ما قد يلحق بالمواطنين وتحديداً بأربعة ملايين ونصف مليون فتحوا حساباً لهم في البنوك؟ والأسئلة تدور.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين