خليل الحاج علي
على خشبة «مسرح المدينة»، تنطلق عروض «يا أولاد الأبالسة» (تأليف وإخراج روان حلاوي) التي يؤدي بطولتها طارق تميم، وسليم الأعور، وعلي منيمنة، وربيع الزهر. العرض مجموعة خواطر وأسئلة عن الأدوار الجندرية ووظائفها في المجتمعات المحلية والعالمية، والتأطير الذي حدّده النظام الرأسمالي العالمي للرجل والمرأة على السواء
في مسار قصصي معقّد جداً قد يصل إلى حدّ الغرابة، تختلط في مسرحية «يا أولاد الأبالسة» (تأليف وإخراج: روان حلاوي)، السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ضمن رؤية «ساخرة»، ذات بُعد فلسفي لا يستند إلى أي مرجع أو منهج أو تحليل محدّد أو متعارف عليه. المسرحية برمتها، مجموعة خواطر وأسئلة عن دور وصفات وخواص المرأة والرجل في المجتمعات المحلية والعالمية، والتأطير الذي حدّده النظام الرأسمالي العالمي لدوريهما.«المؤلف مش راضي عن الطرفين، والضحية هو وهي» تقول روان حلاوي في برولوغ المسرحية (الاستهلال). تأخذ حلاوي صفة «الراوي» أو «المعرّف». تفتتح المسرحية في حين يتوسط خشبة المسرح، الممثل طارق تميم، وهو يغطّ في سبات عميق. تدخل علينا حلاوي، على هيئة «إبليسة»، تقهقه في أسلوب كلاسيكي أمام المتفرجين، لكنها سرعان ما تكسر الإيهام المسرحي، وتحوّله إلى بريختي، وتضع شروطاً لمشاهدة المسرحية، قائلةً إن الحبكة تصلح أينما كان، والقصة بدأت منذ الأزل، واستكملت على شكل حرب بين النساء والرجال، والشخصيات ليس لها أسماء محددة، وليس من المهم معرفة أسمائها أو مهنتها… بعد هذا التغريب، تنطلق أحداث المسرحية، وتتوافد الشخصيات تباعاً (تمثيل: طارق تميم، سليم الأعور، علي منيمنة، وربيع الزهر). سرعان ما يتبدّد الجو البريختي شيئاً فشيئاً، لمصلحة مناخ مسرحي له زمانه (عصرنا هذا)، ومكانه (بيروت)، فيخضع مسار الشخصيات إلى شرطية المسرح الكلاسيكي.
على وقع الجمل السريعة، والحوارات الطويلة، التي لا طائل منها، وهو على الأغلب فعل متقصّد لتجسيد حالة الانعزال والعزلة، تشتد وطأة الحوارات على المتفرّج، حتى يختلط عليه معرفة أي شخصية تناصر أو تناهض الأفكار المرجوة. يقص الرجال الأربعة حكاياتهم، ومعاناتهم، مع الكهرباء، والأولاد، والجامعات اللبنانية! يدخنون، يسكرون، يشربون، يثرثرون.
في مسرحية «يا أولاد الأبالسة»، لم تقدم شخصية الرجل/ الذكر، بشكله الطوباوي. فهو سكير، وشهواني، ويفرط في التدخين، محطم، متألم، وينازع، وهي فكرة سديدة لو استُكملت بنصّ أعمق، لكن ذلك ترافق، على سبيل المثال، مع حوارات من قبيل «اخترعوا الكرافات إلُه والمايك آب إلها». في كل الأحوال، تبلغ الحبكة ذروتها، عندما تغادر نساء الأرض بأكملهن، الأرض، تاركات الرجال وحدهم، ما يعزّز معالم «اللاوقعية» في محاولة للاحتجاج على«الواقعية» بعينها. تعلق «يا أولاد الأبالسة» الفروقات والأنماط والأدوار للرجال والنساء، على الرأسمالية، مع إفساح في المجال أمام المتفرج بأن يستنبط مخلفاته الأبوية والبطريركية والدينية.
تفتتح روان حلاوي المسرحية، بينما يتوسط الممثل طارق تميم خشبة المسرح، وهو يغطّ في سبات عميق
هذه الأفكار وسواها كانت تسري في فضاء العرض، ما جعلها مبعثرة حدَّ العشوائية وحبيسة التكرار والإعادة والتسطيح، مع عدم الاستناد إلى أي مصادر فلسفية ونظرية في تحليل فكرة الجندرية والنسوية، أو نقد الذكورية والنمطية. وعليه، تفتقد صنعة الكتابة في «يا أولاد الأبالسة» إلى مقومات السرد، والتكثيف، والبناء المتماسك. لا تبدو اللوحات منفلتة، بل هي منظمة، ومقطعة إلى فصول أو لوحات، لكنها تتطلب احترافية أعلى وأعمق لناحية العمق اللغوي والفكري.
كل هذا المضمون، يأتي في شكل مسرحي كلاسيكي جداً. في بعض اللحظات، نكاد لا نميز إن كنا نشاهد دراما تلفزيونية أم عملاً مسرحياً. العناصر السينوغرافية من إضاءة وصوت كانت بدائية، ومشوّشة، وفيها ضوضاء (صوت المراسل، الطبيعة في الخلف). وسيطرت لحظات من الصمت المطبق والمكرّر بلا أي سبب. الموسيقى كانت (مثل أغنية This Is A Man›s World) خياراً بدائياً ولا ينم عن بحث دراماتورجيّ معمّق.
في ما يخص التمثيل المسرحي، يبدو أنّ الممثلين كانوا بحاجة إلى إعداد وتهيئة أكبر. كل منهم أدّى الدور على طريقته، واعتمد على العفوية والحركات الاجتماعية (من صوت، وجسد، وإيماءات) وحسب. كان التمثيل بحاجة إلى مزيد من التحضير المسبق، وخصوصاً أنّ كان يُفترض من الشخصية أن تكون مجردة بما يتناسب مع شروط وفكرة المسرحية التي تكسر الإيهام، وتدع المشاهد يبحث ويسأل عن واقعه ويأخذ مسافة نقدية من كل ما يُقدم. تأتي المونولوجات الأخيرة لكل شخصية، على شكل اعترافات تم تقديمها بطريقة جاهزة ومعلبة و«كليشيه». تتقدم كل شخصية إلى مقدمة المسرح، ويسلط ضوء عليها، وتبدأ بالبوح عن مكنوناتها وأفكارها في أسلوب مباشر، وإن كان مضمونه سامياً من قبيل الحديث عن «ملكية المرأة» التي يتناقلها الأب ومن بعده الزوج، ويكرّسها الدين والعرف والقوانين.
* «يا أولاد الأبالسة»: الجمعة 26 تموز (يوليو) بالإضافة إلى 30 و31 آب (أغسطس) ـــ «مسرح المدينة» (الحمرا) ــــ البطاقات متوافرة في جميع فروع «مكتبة أنطوان» و «أنطوان أونلاين».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية