نزار نمر
منذ عشرة أشهر والإعلام الغربي والمؤيد لإسرائيل يشنّ حملة تهويل على لبنان، ملوّحاً بالخراب والحرب والدمار. إلا أنّ العجيب الغريب في هذا البلد أنّ لبنانيّين ارتضوا القيام بدور الكومبارس في فيلم صهيوني طويل، ليس إلا جزءاً من سلسلة أفلام أميركية أطوَل!
مع تتالي أخبار المجزرة في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتلّ التي أشارت تقارير مدعومة بشهادات أهالي البلدة إلى أنّ دفاعات العدوّ الجويّة تسبّبت بها، في مقابل اتّهام كيان الاحتلال للمقاومة في لبنان التي نفت أيّ علاقة لها بارتكابها، انقسم الإعلام والرأي العام في لبنان، ولكن ليس سياسيّاً: لقد استحال عاديّاً أن تعتمد جهةٌ لغةً معيّنة على منصّات التواصل الاجتماعي، مقابل لغة أخرى على التلفزيون، من الجهة ذاتها!ليس مفهوماً هذا التصرّف العجيب الغريب، لكن في بلد عجيب غريب مثل لبنان الاستثناء هو القاعدة. صحيح أنّ حملة التهويل بالحرب افتراضيّاً جارية على قدم وساق منذ قرابة عشرة أشهر بدفع من العدوّ والإعلام الغربي رغم فشلهما المتكرّر، وهو ما دفع كثيرين إلى التوقّف عن تصديق المواقع لمصلحة الواقع، ما انعكس اندفاعةً سياحية موسمية تحدّت العدوّ. لكن ما معنى أن تشارك في هذه الحملة وسائل إعلامية لبنانية، مهوّلةً افتراضيّاً في مقابل اتّباعها لهجة متّسمة بالاتّزان على شاشة التلفزيون؟ الأنكى قيام هذه القنوات بالإشارة إلى هذا الواقع السكيزوفريني (oxymoron) بنفسها، أي الانفصام بين المواقع والواقع، رغم مشاركتها في تصديره!
هكذا مثلاً، راحت قنوات مثل «الجديد» وmtv، وبدرجة أقلّ LBCI، تنقل كلّ شاردة وواردة ترِد على ألسنة قادة العدوّ، مهما اجتازت قذارتها من حدود، من دون استخدام تعبير مثل «الزعم» ولو مرّة. ولاقاها بعض الإعلام المؤيّد للمقاومة في منتصف الطريق، فنقل بدوره عدداً من هذه التصريحات التي تضمّنت كلّ أنواع التهديد بحقّ لبنان، وبعضها ادّعى أنّ الغزو البرّي بدأ! في المقابل، كانت القنوات نفسها تضع كلّ هذا التهويل في إطار الحرب النفسية، وساعدها في ذلك موقف أهالي مجدل شمس كما رئيس «الحزب التقدّمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط وخصوصاً بالنسبة إلى mtv، فيما بثّت LBCI و«الجديد» تقارير تُظهر حركة الوفود إلى مطار بيروت لإثبات أنّ التهويل لا يؤتي أُكُله، إضافة إلى محاولة إظهار أوراق القوّة التي يملكها لبنان. وكان لافتاً إعطاء LBCI أهمّية متزايدة للحدث أجبرتها على وضعه ضمن الأولويّات في نشراتها على حساب التقارير السياحية التي تنتهج الافتتاح بها، بينما عدّلت «الجديد» حتّى في برمجتها السياسية، بحيث ابتعدت عن استضافة مجاهرين بالعداء للمقاومة تفسح لهم المجال في العادة، لمصلحة وجوه مؤيّدة للمقاومة أو «محايدة». وفيما كانت OTV تعتبر أنّ لبنان أقوى من «إسرائيل»، برزت طرافة mtv بحيث اعتمدت عناوين تهويلية ضخمة لتقاريرها، وهو ما يؤخذ على القناة، في مقابل مضمون لا يلبث أن يُظهر درجة اتّزان كبيرة بعيدة من التهويل، وحتّى يضع لبنان في موقع القوّة، وهو ما يُسجّل للقناة.
راحت قنوات مثل «الجديد» وmtv، وبدرجة أقلّ LBCI، تنقل كلّ شاردة وواردة ترِد على ألسنة قادة العدوّ
وإذا كانت القنوات استغلّت شاشاتها لنفض أيديها من حملة التهويل الافتراضية وحفظ ماء وجهها، فقد خرجت في المقابل جوقة تهويل ضمّت حفنة من الصحافيّين والناشطين والسياسيّين ممّن التحقوا بأوركسترا الإعلام الغربي ومعه الخليجي. هكذا، راح هؤلاء يتطرّفون في المواقف السياسية وينقلون أخباراً عن قرب استهداف لبنان ودعوة بعض السفارات لإجلاء رعاياها وتأخير شركات طيران عالمية رحلاتها إلى مطار بيروت، متجاهلين ليس فقط أنّ الأمر ذاته يتكرّر روتينيّاً منذ عشرة أشهر، بل أيضاً أنّه يحصل في الجانب الآخر، عند كيان الاحتلال، وبدرجة أسوأ بكثير. وإذا لم يكن مفهوماً تصرّف القنوات، فإنّ تصرّف هذه الجوقة يُعدّ سرياليّاً؛ كيف يمكن تفسير حماسة هؤلاء لضرب بلدهم وشعبهم ليس فقط بالقصف والنار، بل اقتصاديّاً واجتماعيّاً وسياحيّاً أيضاً؟ من حقّهم أن يُبرزوا رأيهم في معارضة المقاومة، لكن ما الفائدة عندما تتحوّل هذه المعارضة إلى هوَس لا يمانع خراب بلدهم؟ ومَن المستفيد عندها غير أعداء لبنان وفلسطين؟ التطرّف والهوَس تجلّيا كذلك في طريقة تعاطي هذه الجوقة مع مَن يُعدّون في صفّها وأبدوا مواقف مدينة للعدوّ، فتعرّض أصحاب هذه المواقف إلى حملات «إلغاء» لكونهم لم ينجرّوا إلى لغة العدوّ أو لغة الحرب الأهلية! وفوق ذلك، استغلّت الجوقة منشورات بعض مؤيّدي المقاومة المتسرّعين ممّن احتفوا بالمجزرة عندما ظنّوا أنّ المقاومة استهدفت مستوطنين صهاينة قبل أن يتّضح أنّهم من العرب الدروز القابعين تحت الاحتلال وتعرّضوا لنيرانه، واستخدمت منشوراتهم للتصويب على المقاومة على أنّها «قاتلة أطفال» حتّى بعدما أزالوها!
عالميّا،ً حظي الخبر باهتمام لافت، لم يحرّكه سوى قلق الإعلام الغربي كون الهجوم وقع داخل الأراضي المحتلّة، فهو الإعلام نفسه الذي يتجاهل منذ العام الماضي المجازر بحقّ عشرات آلاف الأطفال في غزّة، إضافة إلى أطفال الضفّة الغربية وجنوب لبنان وسوريا واليمن. وهو ذاته الإعلام الذي أثبت كونه أداةً بيَد آلة البروباغندا الحربية الإسرائيلية في محطّات باتت لا تُحصى، ولم يشبع بعد من التهويل على لبنان وشعبه، ولم يكن تقرير «التلغراف» البريطانية الملفّق الشهير سوى أحد أوجهه. بيد أنّ العتب على لبنانيّين ارتضوا القيام بدور الكومبارس في فيلم إسرائيلي طويل، ليس إلا جزءاً من سلسلة أفلام أميركية أطوَل!
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية