علي عبود
لايتوقف الكثيرون عند عبارة تتكرر في اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية: (وطلب رئيس الحكومة ..)! هذه العبارة العامة جدا تدفعنا للتساؤل:هل رئيس الحكومة يطلب أم يأمر؟، أو في الحد الأدنى يُوجه الوزراء لاتخاذ إجراءات محددة حول قضية مهمة كتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، أو تخفيض كلف الصادرات لتنافس مثيلاتها في الأسواق الخارجية، أو يأمر الوزارات المعنية بتنفيذ الآليات الفعالة لدعم المنتج المحلي، وتصنيع بدائل المستوردات، وتوفير الطاقة الرخيصة للإستثمارات القائمة والجديدة..الخ.
إذا كان رئيس الحكومة “يطلب من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لضبط حركة الأسعار في الأسواق وتفعيل أداء أجهزة الرقابة التموينية” .. فمن الذي يأمر هذه الوزارة بتنفيذ طلبات رئيس الحكومة؟
نعم، السؤال المهم جدا : هل مهمة رئيس الحكومة إصدار الأوامر للوزارات بما ينسجم مع خطط وسياسات الحكومة تنفيذا لبيانها الوزاري .. أم الطلب باتخاذ الإجراءات اللازمة فقط ؟
حسنا، لقد أخفقت وزارة التجارة الداخلية بتنفيذ طلبات رئيس الحكومة لضبط حركة الأسواق، وأخفقت وزارة الإقتصاد ومعها المصرف المركزي بتنفيذ طلب رئيس الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة بالتنسيق مع غرف التجارة لمنع تدهور سعر صرف الليرة السورية خلال السنوات الثلاث الماضية..الخ.
بل يمكن القول ان جميع الوزارات لم تنفذ طلبات رئيس الحكومة التي يكررها في الإجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء .. مايدفعنا للتساؤل : وماذا بعد ؟
لايزال رئيس الحكومة يطلب “من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بذل المزيد من الجهود لمتابعة ضبط السوق ولجم الأسعار وكبح جماح ضعاف النفوس المتلاعبين بقوت الشعب وتفعيل أداء أجهزة الرقابة التموينية “!!
أما على أرض الواقع، فإن الأسعار ترتفع يوما بعد يوم بفعل أوامر رئيس الحكومة المترجمة بقرارات تعديل سعر الصرف، وبقرارات ترفع أسعار المحروقات والأسمدة والأعلاف، وكل ماله علاقة بمستلزمات الإنتاج الصناعي والزراعي..الخ.
لاحظوا أن اللجنة الاقتصادية غير مؤثرة فعليا في المشهد الاقتصادي حتى لو استجابت لطلب رئيس الحكومة في مختلف القضايا التي تهم البلاد والعباد، فما تقره في اجتماعاتها ليس أكثر من توصيات ومقترحات، ووحده رئيس الحكومة من يملك صلاحية تحويلها بقرارات “إنتقائية“ إلى أفعال!
ومع إن رئيس الحكومة يطلب من الوزراء وضع الخطط السنوية لوزاراتهم، ومع أن مجلس الشعب يناقش هذه الخطط ويغنيها بمقترحات وتوصيات..الخ، فإن مامن وزير لديه صلاحية تنفيذها، لأن تأمين مستلزمات تنفيذها يحتاج إلى قرارات من رئيس الحكومة!
وإذا أخذنا محصول القمح كمثال، فإن إنتاج احتياجاتنا من هذه المادة الإستراتيجية تتطلب محروقات وأسمدة وأدوية ومياه وأسعار شراء مجزية..الخ، ولكن وزراء النفط والكهرباء والصناعة والتجارة الداخلية والإقتصاد..الخ لايملكون صلاحيات تأمين مستلزمات محصول القمح،حتى لو طلب رئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء التي تناقش الخطة الزراعية تأمين هذه المستلزمات بالكميات الكافية والمواعيد المناسبة، مالم يُصدرها بقرارات ملزمة!!
مايحصل أن القرارات تصدر دائما لصالح المستوردين للسلع الإستراتيجية، وليس لصالح المنتجين، وهذا يؤكد وجود بون شاسع بين مايطلبه رئيس الحكومة وبين مايأمر به على شكل قرارات!
الخلاصة: حين يتعلق الأمر بالمواطنين فإن رئيس الحكومة يكتفي بالطلب من الوزراء بالعمل على تحسين أوضاعهم المعيشية، وتوفير احتياجاتهم من السلع والمواد، وخاصة في شهر رمضان، وبتشديد الرقابة على الأسواق.. الخ، لكن مايصدره رئيس الحكومة من قرارات يناقض كليا مايطلبه في إجتماعات مجلس الوزراء، فكل هذه القرارات التي صدرت أو التي في طريقها إلى الصدور ضربت القوة الشرائية لملايين العاملين بأجر، وزادت من تدهور أحوالهم المعيشية يوما بعد يوم !!
(موقع سيرياهوم نيوز-٢)