الرئيسية » مجتمع » “غزوة” ضدّ المهاجرين: اليمين الفاشي يخضّ بريطانيا

“غزوة” ضدّ المهاجرين: اليمين الفاشي يخضّ بريطانيا

اندلعت موجة متجدّدة من أعمال الشغب العنيفة في العديد من البلدات والمدن الإنكليزية، مع اندفاع جماعات يوجّهها فاشيّو اليمين المتطرّف إلى مهاجمة مساجد وفنادق خُصّصت لإقامة المهاجرين، قبل أن يتحوّل الأمر إلى أعمال نهب وسرقة للمحالّ التجارية. واضطرّت الشرطة إلى استدعاء تعزيزات لمواجهة ما وصف بـ”أسوأ اضطرابات عنف عنصري” تشهدها المملكة المتحدة منذ سنوات. ويبدو أن سيلاً من المعلومات المضلّلة المعادية للإسلام والمهاجرين، والتي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بعد جريمة طعن في بلدة ساوثبورت (بالقرب من ليفربول وسط البلاد)، الأسبوع الماضي، دفعت متطرّفين في مدن وبلدات مختلطة إلى استهداف المسلمين وأقلّيات عرقية أخرى.وكان مؤثّرون فاشيّون قد نشروا ادّعاءات – ثبت عدم صحّتها – عن أن الشاب المتّهم بارتكاب جريمة قتل ثلاثة أطفال وإصابة آخرين في نادٍ للرقص، طالب لجوء مسلم. واضطرّت المحكمة التي تَنظر في الحادثة إلى الكشف عن هوية المتّهم، على رغم أنه لم يتجاوز الـ 18 من عمره، ليتبيّن أنه من مواليد المملكة المتحدة لأبوَين مهاجرين من راوندا. ويَحظر القانون المعتمد في بريطانيا نشر أسماء المتهمين دون الـ 18 من العمر، لكن المحكمة تعرّضت لضغوط من الحكومة في محاولة منها لوقف أعمال الشغب. وبحسب الشرطة، فإن الجريمة كانت عملاً فردياً، وليس لها دوافع متصلة بالإرهاب.

وبعد يوم على وقوع الجريمة، تجمّع سكان بلدة ساوثبورت على اختلاف أصولهم العرقية في وقفة سلمية في ميدان البلدة حداداً على ضحايا الجريمة، لكن شِللاً من العنصريين، وبسبب مواد مضلّلة على الإنترنت، توجّهوا نحو المسجد المحلّي، وحاولوا إحراقه، قبل أن يصطدموا بقوات الشرطة. وما لبثت أعمال الشغب أن انتشرت إلى مدن وبلدات أخرى، بما فيها أجزاء من لندن. واصطدم نحو 300 من المحتجين في ميدلسبره (شمال البلاد) بقوات الشرطة في وسط المدينة، بعدما انفلتوا في أعمال تخريب للمباني التجارية والسيارات، وألقوا بالمقاعد والزجاجات على الضباط الذين تصدّوا لهم، وحطّموا عدة عربات للشرطة. واقتحم مئات المتطرفين اليمينيين فندقاً يقيم فيه طالبو لجوء في بلدة روثرهام (شمال البلاد)، حيث أضرموا النار في محيطه. كما تجمع مئات منهم أيضاً في بولتون (بالقرب من مانشستر)، قبل أن يتصدّى لهم متظاهرون معادون للفاشية، وتتدخّل قوات الشرطة لتفريقهم بالقوة.

الجمهور العدواني ليس سوى نتاج طبيعي للسنوات الـ 15 التي أمضاها “المحافظون” في الحكم

 

وبحسب مصادر وزارة الداخلية البريطانية، فإن الشرطة اعتقلت عدة مئات من الأشخاص المتورطين في أعمال العنف، فيما عقدت القيادات الأمنية اجتماعات طوال عطلة نهاية الأسبوع لوضع الترتيبات اللازمة للتعامل مع إمكان توسّع نطاق الاضطرابات، ولتسريع اعتقال المشاغبين، وتوجيه التهم والإدانات إليهم. من جهته، رأى رئيس الوزراء البريطاني، السير كير ستارمر، أنّ مشاهد الشغب في الاحتجاجات، “بلطجة عنيفة منظّمة”، وتعهّد بأن يواجه المشاركون فيها “البطش الكامل لقوّة القانون”. ودان ستارمر استهداف المسلمين والأقلّيات العرقيّة الأخرى والتعدّيات على المساجد، وكذلك مهاجمة قوات الشرطة – التي أصيب عشرات من منسوبيها -، مضيفاً أن” هؤلاء الغوغاء لا يمثّلون بلدنا، وستطالهم يد العدالة”. وكان ستارمر قد وجّه، بعد اندلاع الاضطرابات، بتأسيس قوّة خاصة جديدة لمكافحة الشغب تمتلك صلاحيات استثنائية.

بدورها، أعلنت وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، أن إجراءات أمنية طارئة ستنفّذ كي يتسنّى للسلطات المحلية والمساجد طلب نشر قوات أمن سريع في حال اندلاع اضطرابات، حاثّةً قوات الشرطة على اتّخاذ “أشدّ الإجراءات بحقّ المشاغبين”. وعلى الرغم من أن الشرطة قالت إن أنصار “رابطة الدفاع الإنكليزية” اليمينية المتطرفة كانوا ظاهرين بين المحتجين في اضطرابات ساوثبورت، إلا أن “الرابطة” التي طالما اعتُبرت واجهة للتيار النازي المتطرّف لم تَعُد موجودة على الأرض، كمنظمة فاعلة، وتبدو اليوم أقرب إلى تجمّع يدار من خلال الإنترنت.

وفي الواقع، فإن هذا الجمهور العدواني ليس سوى نتاج طبيعي للسنوات الـ 15 التي أمضاها “المحافظون” في الحكم، حيث وظّفوا كل أدوات السلطة والإعلام لصرف الأنظار عن فسادهم وسوء إدارتهم لموارد البلاد، عبر الترهيب من الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ونشْر أوهام حول خطر المهاجرين. وأنفقت حكومات المحافظين المتعاقبة مبالغ طائلة على خطة تستهدف شحن المهاجرين إلى رواندا التي يحكمها نظام فاسد معروف بتجاهله لحقوق الإنسان، وجعلت من وقف الهجرة بالقوارب من جهة البر الأوروبي قضية قومية أولى، في وقت كانت فيه البلاد تغرق في مصاعب اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة. وقد وصلت ذروة هذا التجييش لدى خروج التظاهرات المتعاطفة مع الفلسطينيين، والتي على رغم سلميّتها المطلقة ومشاركة مختلف الأعمار والأديان والأعراق فيها، إلا أنها ووجهت من قِبَل السلطة والإعلام بالعداء التام، ووصفها وزراء وصحافيون وشخصيات بارزة من النخبة الحاكمة بـ”مسيرات الكراهية”، و”التطرّف” و”معاداة السامية”، إلى درجة أن وزيرة الداخلية السابقة، سويلا برافرمان – التي تنحدر من أصول هندية -، تجرّأت على استدعاء مجموعات المتظاهرين اليمينيين المتطرفين ذاتها إلى الشوارع، لمواجهة المسيرات المؤيدة لفلسطين.

ولا تبدو حكومة “حزب العمل” الجديدة قادرة على إنهاء هذه الظاهرة التي تأثّرت بموجة صعود اليمين المتطرّف في أوروبا. ويُفهم من ردود فعل ستارمر، أن الرجل يتعامل مع محتجّي اليمين على أنهم أقلية من “المشاغبين العنيفين”، وأن أفعالهم مجرّد إجرام بحت. على أن اليمين المتطرّف في بريطانيا – والغرب عموماً – يبني قاعدته من التأييد حول مظالم حقيقية للأكثرية: الفقر والبطالة وتردّي خدمات الصحة والتعليم والإسكان، ويوظّف تلك القاعدة في العداء لكل من تصوّره وسائل الإعلام الموجّهة عدوّاً (ملوّنين كانوا أو مسلمين أو روساً أو حتى شرق أوروبيين). ولا يمتلك حزب العمل أيّ نية في تغيير التفاوت الطبقي أو فجوة الأجور الحقيقية، ولذلك لن تكون حكومته قادرة على تجفيف منابع البؤس الذي تعانيه الطبقات العاملة، ويتسرّب منه اليمين الفاشي مستفيداً من قدرة انتشار لامحدودة توفّرها له وسائل التواصل الاجتماعي، التي تتفنّن في قمع المضمون المناهض للإبادة، لكنها تظلّ مستسلمة تماماً أمام المحتوى المشغول بالكراهية والحقد والعنصرية.

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دون رادع.. موضة منح شهادات “الدكتوراه الفخرية” تتصدر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي!

  غسان فطوم ليندا تلي   ظاهرة غريبة تتناقلها مواقع ومنصّات التواصل الاجتماعي، تتمثل بمنح شهادات دكتوراه فخرية، أو شهادات شرفية من قبل جهات ومراكز ...