محمد عبد الكريم أحمد
مع وضْع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في كانون الأول 2023، مسألة تنمية علاقات بلاده مع الدول الأفريقية، أولويةً في سياسته الخارجية لعام 2024، دشّن وزير خارجيته، دميترو كوليبا، جولة أفريقية هي الرابعة له في غضون عامين، بين الرابع والثامن من الجاري، شملت مالاوي وزامبيا وموريشيوس، فيما ركّزت على «تطوير العلاقات الثنائية القائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة… و(تطوير) مشاركة الدول الأفريقية في الجهود الدولية لاستعادة سلام عادل في أوكرانيا والعالم».
أجندة الجولة: حشد «موقف أفريقي» خلف كييف
التقى كوليبا، في مالاوي، رئيسها، لازاروس تشاكويرا، المعروف بمواقفه الداعمة لكييف، فيما تعهّدت الأخيرة برفع حجم مساعداتها الإنسانية للبلد الأفريقي وتطوير التعاون الثنائي معه في قطاعات الزراعة والأدوية والرقمنة، إلى جانب قطاعات أخرى. أيضاً، قرّرت أوكرانيا، التي تواجه اتهامات أفريقية متكرّرة بضلوعها في أزمة تراجع إمدادات الحبوب للقارة، شمول مالاوي (التي تعاني أزمة غذاء حادة) ببرنامجها «الحبوب من أوكرانيا» الذي قدّم، حتى مطلع تموز الماضي، نحو 2210 آلاف طنّ متري من المنتجات الزراعية لعشر دول أفريقية وآسيوية، وفق مكتب الرئيس الأوكراني. وفي الوقت نفسه، بلغت تعاقدات صادرات الحبوب الأوكرانية في عام 2024/2025، وحتى السابع من الجاري، 4.4 ملايين طن متري، أي بزيادة 85% عن العام الماضي 2023/2024. ويعني ما تقدّم، أن إمدادات الحبوب الأوكرانية كمساعدات للدول النامية (من بينها نحو 20 دولة أفريقية) لم تتجاوز 4% من مجمل صادرات أوكرانيا للحبوب. إضافة إلى ذلك، فإن التناول الإعلامي المكثّف للمبادرة، واعتبارها ضمن صيغة السلام التي تطرحها أوكرانيا في الأزمة مع روسيا، يستتبع بالضرورة تصوّر وجود مشروطيات سياسية ضمنية.
وكما في مالاوي، شهدت زيارة كوليبا لزامبيا توقيع مذكّرة تفاهم «حول المشاورات السياسية» بين البلدين (6 الجاري)، بهدف بناء حوار بعيد المدى بين كييف ولوساكا. وتشير المذكّرة إلى تنسيق أوكراني مع الدول الأفريقية حول آليات العمل في المنظمات الدولية، وربما لضبط تصويتها في هذه المحافل إزاء الأزمة الأوكرانية – الروسية. ولفتت صحف بارزة في زامبيا («لوساكا تايمز»، 7 الجاري) إلى تركيز المحادثات بين كوليبا، والرئيس هاكيندي هيتشيليما، على الأزمة المذكورة، وتأكيد الأخير التزام بلاده بدعم «سلام شامل ودائم في أوكرانيا (يتم التوصل إليه) عبر الحوار». لكن يبدو أن كييف قدّمت ورقة إضافية للوساكا لدفعها إلى تبنّي موقف أكثر «إيجابية» نحو قضيتها، بإعلانها اقتراح زامبيا منفذاً إقليمياً لتوزيع الحبوب الأوكرانية في دول جوارها التسع، وهو اقتراح سيضيف مزايا نسبية إلى موقع زامبيا، وسيقود إلى إدخال تحسينات ملموسة في قدرات ممرَّي لوبيتو وتازارا (أعلنت واشنطن وعواصم غربية ضخ استثمارات مليارية لتطوير البنى التحتية والأساسية في عدة ممرات في أفريقيا الجنوبية، بينها ممر لوبيتو الرابط بين أنغولا وزامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية)، ومن ثم «تعزيز الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي» إقليمياً.
يبدو أن المواجهة الروسية – الغربية في أفريقيا قد وصلت إلى مستويات جديدة
أما موريشيوس، التي يزورها كوليبا للمرة الأولى، كما في حالتَي مالاوي وزامبيا، فتكتسب أهمية جيواستراتيجية مباشرة بالنسبة إلى أوكرانيا، كونها من دول المحيط الهندي. وقد تمكّن هذا البلد (وهو ذو أغلبية سكانية من أصول هندية)، في الآونة الأخيرة، من تعزيز صلاته الخارجية مع قوى دولية وإقليمية، من مثل الصين والإمارات والهند، كما يتمتّع بأهمية متزايدة كبوابة لتدفق الاستثمارات الهندية إلى القارة الأفريقية. ومن ثم يمكن النظر إلى تقارب أوكرانيا – موريشيوس باعتباره تعميقاً لعلاقات أكثر توازناً قائمة على المنفعة المتبادلة.
مالي والنيجر على خط المواجهة الأوكرانية-الروسية
استبقت الحكومة الانتقالية في مالي، جولة كوليبا الأفريقية بإعلان قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا على خلفية «دعم الأخيرة جماعات متمردة من الطوارق»، وسط تقارير مكثّفة عن تعرض الجنود الماليين وعناصر عسكريين روس لخسائر ثقيلة في المواجهات الأخيرة مع جماعات مناهضة للحكومة في شمال البلاد. وفي حين أكّد مسؤولون في كييف عدم تقديم باماكو أدلة على تورّط أوكراني في هذا التطوّر، أعلن الناطق باسم الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أندريه يوسوف، تلقّي المتمردين (في شمال مالي) «معلومات مفيدة»، وما يتجاوز ذلك (في شكل أسلحة أو معدات عسكرية)، ما مكّنهم من القيام بعملية عسكرية ناجحة ضدّ «مجرمي الحرب الروس»، ومن دون أن يؤكد تورّط كييف بشكل صريح. وردّ الناطق باسم الجيش في مالي، العقيد عبدالله مايجا، على تلك التصريحات، معتبراً إيّاها اعترافاً «بتورّط أوكرانيا في هجوم جبان وبربري تقوم به جماعات إرهابية مسلحة». وتكشف هذه التصريحات عن صدام مفتوح بين البلدين، في سياق جهود غربية حثيثة لتقليص التمدّد الروسي في مالي وبقية دول القارة الأفريقية، وذلك بعدما أعلنت السويد، مثلاً، مطلع العام الجاري، سحب حزم معوناتها لمالي بسبب موقف الأخيرة الداعم لموسكو، ثم مراجعة الاتحاد الأوروبي مجمل سياساته تجاه مالي والنيجر وبوركينا فاسو على وجه التحديد. وتضامناً مع مالي، أعلنت النيجر قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وبأثر فوري. كما أكّدت نيامي تقديمها طلباً إلى مجلس الأمن الدولي لمناقشة «العدوان» الأوكراني (على سيادة مالي). ومن جانبها، وصفت موسكو، على لسان الناطقة باسم الخارجية، ماريا زاخاروفا، سياسات أوكرانيا في الساحل بأنها «تدشين لجبهة ثانية (للحرب مع روسيا) في أفريقيا»، من بوابة دعم أوكرانيا لـ»الجماعات الإرهابية»، في محاولة لتعويض عجزها عن هزيمة روسيا في ساحة المعركة في أوروبا.
وهكذا، يبدو أن المواجهة الروسية – الغربية في أفريقيا قد وصلت إلى مستويات جديدة. كما يبدو أن كييف لن تضيّع هذه الفرصة السانحة لتعزيز دورها في السياسات الغربية في أفريقيا لعاملَين رئيسييْن، هما: كسب ثقل فائق في مساعيها لتقوية العلاقات الثنائية مع دول القارة، ومدّ خطوط المواجهة مع روسيا، ما سيصبّ في النهاية في مصلحة استنزاف الأخيرة، أو على الأقلّ فرض تحديات إضافية عليها.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار