حسين فحص
تُختتم غداً الأحد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي احتضنتها فرنسا على مدى أسبوعين. دورة لم تكن كما روّج لها الفرنسيون وصرفوا من أجلها أكثر من 10 مليارات دولار، فتصدرت المشكلات المشهد، وكذلك اعتراضات الرياضيين على التنظيم، لتُعدّ «نُسخة» باريس 2024 واحدة من الأسوأ
الألعاب الأولمبية في باريس «رديئة»، تفوق بسوء تنظيمها «نتانة» نهر السين. هذا ما عبّر عنه عدد من المشاركين في التظاهرة الأولمبية لهذا الصيف. ومع اقتراب كل يوم من اختتام «الحدث»، تطفو مشكلات تنظيمية جديدة على السطح، وتطرح تباعاً أسئلة جوهرية حول الهدر المالي الحاصل.هو أولمبياد الفشل. «ألعابٌ» أنقذها جهد رياضيين ورياضيات، قلّصوا بإنجازاتهم رداءة المشهد العام.
واستهلّت دورة الألعاب الأولمبية في باريس مشوارها بالكثير من المشكلات، بدءاً باستهداف شبكة القطارات قبل انطلاق حفل الافتتاح بساعات قليلة، إثر «أعمال تخريبية من مجهولين». هذه الشبكة وغيرها من وسائل النقل شكّلت حديث الوسط الرياضي في العاصمة وضواحيها، إثر الزحمة الخانقة ورداءة الجودة وتأخر الرحلات الدائم.
الرياضيون والزائرون عانوا الأمرّين في الألعاب. بعيداً من النقل، عرف زائرو باريس ليالٍ بلا نوم بسبب الجوع… والخشية من فقدان أو سرقة متعلقاتهم الشخصية.
قرر منظمو أولمبياد باريس عدم تركيب مكيفات الهواء في غرف الرياضيين واعتماد أسرّة من الكرتون المقوّى، تحت ذريعة الحد من «البصمة الكربونية» وحماية البيئة. مبادرة لم تلقَ قبول الأولمبيين، الذين اشتكوا مراراً من عدم الراحة.
وللحؤول دون التأثير السلبي على أدائهم، ترك عدد من الرياضيين القرية الأولمبية، منهم البعثة الأميركية وعلى رأسها منتخب كرة السلة الذي فضّل الانتقال من القرية الأولمبية إلى فندق بسبب عدم الراحة على مختلف الأصعدة من الطعام إلى النوم والنقل…
انعدام الراحة لم يقتصر على الجسد، بل امتد ليشمل أذهان الرياضيين والجماهير. معدّل عالٍ من السرقات شهدته ألعاب باريس، طاولت، على غير المألوف، الرياضيين في القرية الأولمبية وخارجها. وأبلغ عدد من الرياضيين عن فقدان جزء من ممتلكاتهم، منهم لاعب «رغبي» ياباني فقدَ خاتم زواجه، إضافة إلى مدرب أسترالي سُرقت بطاقته الائتمانية.
فضّل منتخبا أميركا لكرة السلة وإسبانيا لكرة القدم الانتقال إلى فنادق خاصة بحثاً عن الطعام والراحة
الأولمبيون دخلوا الألعاب غالباً بلا راحة جسدية ونفسية، كما أنهم شاركوا بحمية غذائية ناقصة إثر التزام «الألعاب» بجعل 60% من الوجبات خالية من اللحوم وثلثها نباتي. رياضيون مختلفون اشتكوا من سوء جودة الطعام، منهم السبّاح الفائز بالميدالية الذهبية الأولمبية البريطانية آدم بيتي، الذي أعرب عن مخاوفه الكبيرة بشأن جودة الطعام المُقدَّم في القرية الأولمبية، متهماً المنظمين بالتقصير في خدماتهم للرياضيين. وصرَّحَ بيتي: «خدمات تقديم الطعام ليست جيدة بما يكفي للمستوى المتوقع من أداء الرياضيين. في طوكيو، كان الطعام لا يصدق، وفي ريو كان لا يصدق. ولكن هذه المرة لم تكن هناك خيارات كافية من البروتين، وطوابير طويلة، وانتظار لمدة 30 دقيقة للحصول على الطعام لأنه لا يوجد نظام للطوابير».
وتساءل بيتي: «لقد عوقب الرياضيون للتو على رواية الاستدامة. أريد أن آكل اللحوم، وأحتاج إلى اللحوم للأداء وهذا ما آكله في المنزل، فلماذا أغير ذلك؟». وعلى خطٍ موازٍ، اشتكى بعض الرياضيين من نظافة الطعام، مؤكدين وجود ديدان في بعض الأطباق، وخاصةً البحرية. ورغم نفي منظمي الأولمبياد هذه الادعاءات، توجّهت بعض الجهات للاعتماد على طبّاخ خاص، منها الجمعية الأولمبية البريطانية التي عمدت إلى تقديم الطعام عبر فريق طهاة بريطاني.
من جهته لجأ منتخب إسبانيا لكرة القدم إلى خيار بديل، فانتقلت البعثة إلى فندق خاص خارج القرية الأولمبية بغية الحصول على الراحة الكافية وطعام جيد لا يُقدم من المنظمين بحسب مدرب الفريق.
وبالحديث عن «الوساخة»، واجه نهر السين تدقيقاً شديداً في ما يتعلّق بجودة مياهه. رغم جهود التنظيف التي بلغت تكلفتها قرابة 1.53 مليار دولار، ارتفعت مستويات البكتيريا بعد قص شريط الانطلاق، ما سبّب تأخير وإلغاء بعض الأحداث، كما مرض عدد من الرياضيين.
هذه المشكلات وغيرها لم تنحصر بسوء التنظيم المادي، إذ تحوّلت الألعاب الأولمبية إلى مسرح تمييزي لنقاشات التنوع الاجتماعي والثقافي أيضاً. أدت قوانين العلمانية في فرنسا إلى خلاف حول الحجاب، إذ تم تهديد العدّاءة الفرنسية سونكامبا سيلا بالاستبعاد من حفل الافتتاح بسبب ملابسها الدينية، ما أجبرها على ارتداء قبعة بيسبول زرقاء داكنة كحل وسط. وفي الوقت نفسه، أثارت مزاعم حول اختبارات الأهلية الجنسية التي شملت الملاكمتين لين يو تينغ وإيمان خليف الجدل، كما واجهت باريس انتقادات بشأن تعامل السلطات مع المهاجرين عبر نقلهم من وسط باريس، مع ظهور مزاعم «التطهير الاجتماعي».
مشكلات كبيرة جدّاً في الأولمبياد الفرنسي الذي صُرفت من أجله المليارات، ولم تشفع بتلميع الصورة وتقديم نسخة مميزة بعد 100 عام غابت خلالها الشعلة الأولمبية عن باريس.
سيرياهوم نيوز١_الأخبار