الرئيسية » مجتمع » الاغتصاب في السجون الإسرائيلية: محاولة لقتل الروح الفلسطينية

الاغتصاب في السجون الإسرائيلية: محاولة لقتل الروح الفلسطينية

غادة حداد

 

كل شيء مباح لدى إسرائيل من القتل والتهجير وصولاً إلى الاغتصاب. في 13 آب (أغسطس)، أعلن المتحدث العسكري عن تحويل تسعة جنود متهمين باغتصاب أسير فلسطيني، إلى السجن المنزلي، في معسكر «سيدي تيمان» في صحراء النقب. تجري التحقيقات في القضية منذ أسبوعين، فيما سُرّب مقطع فيديو، عرض على قناة 12 الإسرائيلية في 6 آب (أغسطس)، يظهر اغتصاب الأسرى الفلسطينيين في معتقل «سيدي تيمان». انتشر المقطع الذي يظهر عدداً من الأسرى الفلسطينيين الممدّدين عراةً على الأرض، ليقترب أحد الجنود ويأخذ أحد الأسرى، ويقوده إلى جانب حائط حيث تعرّض لاغتصاب شرجي بواسطة قضيب معدني. واستخدم الجنود دروعهم لإخفاء هويتهم عن الكاميرا. وحشية الاعتداء أدت إلى نقل الأسير إلى المستشفى، حيث لم يعد قادراً على السير.وكان قد اعتُقل عشرة جنود في النهاية بتهمة الاغتصاب في 29 حزيران (يونيو)، واعتقل جندي آخر في اليوم التالي بشبهة ضرب الفلسطينيين المحتجزين. ينتمي الجنود إلى وحدة «قوة 100» المكلفة بحراسة سجن «سيدي تيمان». وفي الرابع من آب، أفرج عن ثلاثة جنود، وقبلهم أفرج عن اثنين، بفعل التظاهرات أمام المعتقل تضامناً مع الجنود.

 

 

 

فور انتشار خبر اعتقال الجنود الإسرائيليين، توجهت مجموعات يمينية متطرفة، بعضها ضم وزراء حكوميين، للمطالبة بالإفراج عنهم. ثم توجهوا إلى قاعدة «بيت ليد» حيث يتم استجواب الجنود. ووقعت اضطرابات أثناء جلسة الاستماع في المحكمة العليا، واعتبر المدافعون عن الجنود أنّ المحاكمة «هدية للسنوار».

دافع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن الجنود المغتصبين، وطالب في منشور على «أكس»، بفتح تحقيق جنائي فوري لتحديد مسرّبي الفيديو المتداول الذي «يهدف إلى إيذاء جنود الاحتياط، وتسبّب في ضرر هائل لإسرائيل في العالم، وتطبيق أقصى درجات القانون ضدهم». أما وزير «الأمن الوطني» إيتمار بن غفير، فاعتبر أنّ «الاغتصاب الجماعي جائز، إذا تم تنفيذه لأمن الدولة».

ولاحقاً، أفردت قناة 12 الإسرائيلية هواءها لمناقشة تأييد ورفض اغتصاب الأسرى. أما القناة الـ 14، فقد استضافت الجندي المغتصِب، الذي ظهر ملثماً، ليدافع عن القوات الإسرائيلية، وقد وصفها بأنّها «الجيش الصحّي»، مشيداً بتحرك اليمين المتطرف المدافع عن الاغتصاب.

وفي التاسع من آب (أغسطس)، نشر الجندي المغتصِب فيديو يكشف فيه عن وجهه، بعدما خرج «بريئاً» من هذه القضية، إذ وصلت الوحشية الإسرائيلية إلى حد أن يناقش علناً الحق بالاغتصاب، كنمط إجرامي جديد، وتباهٍ في التعذيب.

الاغتصاب في السجون محط نقاش وجدل في دول عدة، لكن الأفظع في الحالة الفلسطينية هو نقاشه في البرامج التلفزيونية الإسرائيلية، كأنه فعل طبيعي. والصدمة تتفاوت بين الفعل ومناقشته، إذ تُرمى حقوق الإنسان، وحقوق السجناء جانباً، ويجد المجرمون من يبرر فعلهم.

الفيديو المسرب أثار هذه الموجة من ردود الفعل، وشكّل صدمة، بفعل تصويره وعرضه، فيما الاغتصاب في السجون الإسرائيلية ليس بجديد. إذ تعود أولى تقارير الاغتصاب في السجون الإسرائيلية إلى ما بين الأعوام 1948 و1967. ومع ارتفاع عدد الأسرى بعد النكسة عام 1967، ازدادت التقارير حول الاعتداءات الجنسية التي تعرض لها الأسرى الفلسطينيون. وبعد عام 1980، بدأت منظمات حقوق الإنسان بتوثيق الانتهاكات في السجون الإسرائيلية، وجمعت شهادات لأسرى سابقين، وأجرت تحقيقات حول ظروف السجون. مع ذلك، كانت التقارير الشاملة التي تركز على الاغتصاب والعنف الجنسي في البداية نادرةً. وأول تقرير بارز حول العنف الجنسي في السجون الإسرائيلية، نشرته منظمة العفو الدولية عام 1989، تناول أشكالاً مختلفة من الإساءة، بما في ذلك العنف الجنسي الممارس على الأسرى الفلسطينيين.

فعل الاغتصاب محاولة لفرض سلطة فرد على الآخر، من منطلق القول بأنّ المُغتصِب يملك القوة والقدرة على تحديد مسار العملية الجنسية بما يلبّي رغباته، الجنسية والسادية. هي عملية تحويل علاقة عاطفية وغريزية إلى أداة عقاب وتفوّق، وهي تمارس عادةً على النساء والأطفال، على اعتبار أنّ الذكر هو من يملك القرار بالعملية الجنسية، لإشباع رغباته هو، وهنا يكون الطرف المُغتصَب هو مجرّد متلقٍّ خاضع لرغبات المغتصِب.

استخدم الاغتصاب والتحرش الجنسي في السجون كآلية تعذيب، وتعدٍّ على حدود الأفراد الشخصية، وانتهاك لخصوصيتهم، وخصوصاً ضمن إطار المفهوم المجتمعي للعرض، ووسيلة فرض الهيمنة والسيطرة على الأفراد أو الجماعات. عبر ارتكاب العنف الجنسي، يفرض الجاني سلطته على الضحية. والسجن مؤسسة هرمية، كما المؤسسات العسكرية، تشكّل أرضية لممارسة الاغتصاب كأداة عقابية.

كما أن التهديد أو الفعل الفعلي للاغتصاب، يعمل كأداة قوية للترهيب. هو يخلق حالةً من الخوف والعجز، ما يساعد على قمع أي معارضة، ويحافظ على السيطرة على الجماعات المهمّشة أو الخاضعة. في المؤسسات مثل السجون، يمكن أن يؤدي استخدام الاغتصاب إلى ضبط أي حالة مقاومة، والحفاظ على النظام، عبر ترسيخ الخوف من الاغتصاب أو احتمال حصوله. ويعد أحد أنماط الإساءة المنهجية الأوسع، المعزّزة لهياكل السلطة القائمة. وعندما يسمح بالاغتصاب، ويتم تبريره، والتغاضي عنه، يصبح جزءاً من السيطرة الممنهجة، ويؤدي إلى التطبيع معه، ليصبح قاعدة متّبعة.

في كتابها «هل السجون عفا عليها الزمن؟»، تضع الكاتبة والنسوية أنجيلا ديفيس العنف في السجون ضمن سياق تاريخي واجتماعي. ترى أن توسّع السجون، أدى إلى ارتفاع نسب العنف، بما في ذلك الجنسي، ما يعكس الاتجاهات الاجتماعية الأوسع نحو الممارسات العقابية والاستبعادية.

وترى دايفيس أنّ السجون أداة للسيطرة الاجتماعية، وهي بطبيعتها عنيفة. وتؤكد أن العنف الذي يمارس داخل السجون ليس معزولاً، بل هو سمة نظامية للمؤسسة، والعنف الجنسي داخلها، هو جزء من هذه البنية الأوسع من القسوة، ويستخدم الاغتصاب، كأداة للحفاظ على النظام وفرض السيطرة على الأفراد المحتجزين، وهو جزء لا يتجزأ من ثقافة المؤسسة التي تصبح فيها الإساءة أمراً روتينياً.

يترك الاغتصاب آثاره النفسية العميقة لدى الضحية، وهو يمارس داخل السجون، ويبرر، ويحلل، كمحاولة لنفي الحق بالوجود الفلسطيني، ومحاولة قتل لروحه ومقاومته، ونزع الأمل من قلوب الأسرى. فالنقاش لم يعد أخلاقيّاً، بل تعدّاه إلى نقاش حول طبيعة العدو المجرمة، الذي وجد من يبرر مجازره في غزة، واحتلاله أرضاً وطرده لسكانها، والآن تبرير اغتصابه، لأن من يفلت من العقاب يوماً، يتجاهله دائماً.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

النساء العنيـدات ..نساء فاشلات في الزواج والعلاقات 

      النساء العنيدات هُـنّ النساء الفاشـلات في الزواج وفي علاقتهن حتى مع الأقارب ٠. بل حتى فى علاقتهن مع أولادهن . المرأة التي ...