آخر الأخبار
الرئيسية » الرياضة » زياد الرحباني «معرّياً» تفاهة العالم!

زياد الرحباني «معرّياً» تفاهة العالم!

 

بول مخلوف

 

 

صرّح زياد الرحباني في إحدى المرّات أنه يتحفّظ في استعمال تطبيق واتساب لأنه، أي واتساب، باعتباره فضاء مفتوحاً، يدفع المستخدم إلى الشعور كأنه «على البلكون». المشهد الذي رسمه الرحباني ممكن فهمه كالآتي: إنّ مستخدم واتساب كمن يجلس بأريحية على شرفته، فيما قائمة الأرقام/ الأسماء الأخرى المندرجة في التطبيق نفسه يشبهون أولئك المارة الغرباء الذين يبادرون إلى إلقاء التحية وفي داخلهم توق شديد للتقارب والثرثرة وربما أكثر. يشرّع الواتساب استباحة الفرد. يتكلم الرحباني عمّا يمكن وصفه بحالة العراء… تلك الحالة التي تعتري مستخدم واتساب، ويفرضها التطبيق على مستخدميه: بمجرّد الدخول إلى هذا الفضاء المفتوح، يغدو المستخدم مكشوفاً، ومعرضاً للاحتكاك، وللمراقبة والتأويل. إنّ واتساب يفسح المجال لانتهاك فسحة مغلقة، ويتيح للزائر أن يفتح الباب من دون طرقه. غير أنّ حالة العراء هذه، والرحباني يعلم بهذا، ليست محصورة بـواتساب فقط، بل تنسحب على العالم الافتراضي بأسره. ثمة التباس طفيف يكمن هنا: إنّ العالم الافتراضي بوصفه تكثيفاً للوجود المرئيّ، فهو يقوم أساساً على العريّ، فلا سرّ خفيّاً في هذا العالم وليس من مكبوت، حتى نبرة الصوت للجمل المكتوبة مكشوفة.

 

 

هناك ما يقابل حالة العراء تلك فإذاً، وهي الرغبة في العريّ، وهي رغبة محمومة في أن يكون الشيء ظاهراً تماماً، كل جوانبه بائنة وما من مستتر، وأن يكون بحالته العارية مطابقاً لتوقعات الناظر وانطباعاته. إذا كانت حالة العراء تجسيداً لتهديدٍ يطاول المستخدم، وهو الشعور بأنه مباح، فالرغبة بالعريّ التي تحرّك عصرنا المفتون بالانكشاف الساطع والرؤية الواضحة، هي الإشارة المباشرة، والفهم السهل الذي تفرضه الذات على موضوعها مهما كان فهمها اختزلاياً، مجحفاً أو اعتباطياً. على هذا النحو، لم يعد الموضوع الشائك هو الجلوس «على البلكون»، لأننا كلنا بشكلٍ أو بآخر نجلس هناك، وقد نكون كلنا مشاريع مؤجلة لتأسرنا حالة العراء. إنّ الحبكة تكمن في الباحثين عن العريّ في جلسة «البلكون» تلك. المارة بأعينهم المتربصة الذين ينظرون إلى المشهد ويرغبون في رؤيته عارياً، وإن لم يكن كذلك فيجهدون لتعريته.

استضاف زياد الرحباني في منزله امرأة تدعى جومانا حداد، وهي كما تعرّف عن نفسها، معلمة لغات في أكاديمية تُسمى «أمانة» ويقع مركزها في الخارج. على قناتها يوتيوب، نشرت جومانة حداد لقاءها المصوَّر مع الرحباني. اللقاء عبارة عن أسئلة حضّرها تلاميذها موجّهة للرحباني، وتصبّ بمعظمها في طبيعة الفن وكيفية صناعته والقليل منها متعلّق بالفنان ذاته. المرأة ليست إعلامية ولا معدّة برامج، ومن المؤكد أنها غريبة بالكامل عن سلطة الكاميرا. إنها ببساطة معلّمة تحب مهنتها وتحب زياد الرحباني. حداد تنتمي كما هو واضح، إلى جيل هاجر من لبنان منذ زمنٍ بعيد، وهجر معه اللكنة العربية (اللبنانية)، والألفة المعهودة، وببساطة «الخصائص» المحلية. عفوية حداد وبداهتها الأجنبية، بطبيعة الحال، تشكّلان بالنسبة إلى اللبناني مادة فكاهة ومحط استهزاء، وهذا ليس غريباً بتاتاً، إذ دائماً ما اعتبر لسان الأجنبي غير الفصيح واللغة المكسّرة، نكتة ساخنة (ساذجة) في الثقافة اللبنانية. ومن المعروف أنّ كل ما يعد غريباً، وكل ما هو غريب، يعدّ دعابة بديعة في لبنان. كانت جومانا حداد على يقين أنّ زياد الرحباني لا يحب التصوير، وأنه يتجنب حالة العراء، فراحت تطرح عليه الأسئلة على عجل، وقد حاولت جعل لقائها معه خفيفاً وسلساً. لذلك نراها تتوقف مراراً لتسأله ما إذا كان يريد استراحة قبل أن تنتقل من سؤال إلى آخر. في الأوساط الهائمة في الرغبة بالعريّ، لم تكن حداد ولا زياد الرحباني يرتقيان إلى التوقعات المطلوبة. المشهد ببساطة، بالنسبة إليهم، غير مطابق للأوصاف. انهالت التعليقات الساخرة على ما سمّي بالمقابلة، عجّ العالم الافتراضي بالنكات الضحلة ولا عجب بعد اليوم من رواج موضة ستاند آب كوميدي الركيكة في لبنان.

استقبل زياد الرحباني ضيفاً لا يشتغل في الصحافة في منزله. كان المستضيف وليس الضيف في لقاء أشبه بالمسامرة. لقد أفصح عن أمور نعرفها جميعاً، سبق أن تحدث عنها مراراً، فكيف يكون هذا اللقاء بمنزلة مقابلة، ولو صنّف بأنه مقابلة؟ كيف نعترف بأنه كذلك؟ على أريكته داخل المنزل، وليس عند الشرفة، كان زياد الرحباني جالساً. أمامنا فيديو لجلسة دردشة شبه مغلقة، ليست شخصية تماماً، ولكنها محصورة بوظيفة: تعريف تلامذة أجانب بفنان لبناني، ومدّ الجسور بينهم، فهذا الفيديو موّجه أساساً إلى تلاميذ الأكاديمية الذين سيرسلون بدورهم ـــ كما صرحت حداد في نهاية الفيديو ـــ مقاطع مصورة لأعمالهم إلى الرحباني. خرج الفيديو من نطاقه المخصّص إلى العراء، ولا بأس بذلك. بوسعنا أن نرى الجانب الممتلئ من الكأس، فنعتبر عندئذ أن هذا الخروج لهو من حسن حظنا، وبالتالي بإمكاننا، إذا أردنا، شكرها على رؤية الرحباني بعد غياب دام سنوات عدة. على الكنبة هناك، يجلس من اشتغل لما يقرب من ثلاثة عقود على التوالي في المسرح والأغنية والموسيقى والكتابة من دون أن يأخذ استراحة واحدة طوال ذاك الوقت. لكن في الفيديو نراه مرتاحاً. الرحباني بصحةٍ جيدة. لا يزال الرجل يستمتع بسيجارته. هو هادئ ولو بدا خافتاً، وإذا أردنا مقارنة ظهوره مع إطلالاته السابقة، سنجده ليّناً للمرة الأولى، ذا مزاج معتدل، لا يستطرد، وأجوبته زاهدة، متقشّفة، ولامعة كما العادة. بإمكاننا أخذ هذا الفيديو كتسجيل، كوثيقة تهمّ محبيه وكارهيه على حد سواء، مفادها أنّ زياد الرحباني يكبر، ويشيخ، والأهم أنه لا يزال موجوداً بيننا رغم الحروب، والحصار، والانكسارات، والخيبات والتفاهة. بيد أنّ الرغبة في العريّ المنخرطة في بحث محموم عن الصخب والإثارة، تغفل النظر عن كل ما عدا ذلك. الرغبة في العري تشترط أن يكون الشيء المرغوب خاضعاً لأهواء الراغب ويتوافق مع معاييره. وفي حال لم يكن كذلك، يعمد الأخير إلى التعرية. وهذا فعل عنيف، لأنه يعني التشويه. إنه يشترط التعامل مع المرغوب بما يصبو إلى التمزيق والتلصيق. فالبحث عن العري، وخصوصاً إذا جاء بالقوّة أي عبر التعرية، غايته البحث عن الاختلاف بين الناظر والمنظور إليه، فتشويه الثاني حتى يشبع الأول. هي ديكتاتورية العين التي نعيش تحت أنظارها. إن تحوّل هذا الفيديو إلى مقابلة، ثم إلى مادة تهكّم، لهو التعبير الأمثل عن ضجر (ثقافي) يسطو على المرحلة الراهنة، وعن تفاهة مخلوطة بدونكيشوتية: القليل من السخرية المقذعة بالإضافة إلى القليل من النقد اللاذع بحق زياد الرحباني، يسمحان لصاحب الخلطة بإثبات نفسه. ينجح زياد الرحباني دائماً في جعلنا نرى الأشياء عارية: على حقيقتها.

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

معلا يزور نادي الصفصافة

ممدوح علي   قام رئيس الاتحاد الرياضي العام فراس معلا قبل أمس السبت بزيارة نادي الصفصافة، واطلع من خلالها على واقع النادي وتطلعاته والصعوبات التي ...