الرئيسية » كلمة حرة » طبول الحرب وجنون الشجعان..!

طبول الحرب وجنون الشجعان..!

 

 

مالك صقور

 

هاهي ذي طبول الحرب تقرع على مسمع الدنيا كلها . وفيها مافيها من التحدي ..وعلى الرغم ، من إجماع الشعوب كل شعوب الكرة الأرضية على بشاعة الحرب وشناعتها ، وويلاتها ، ونكباتها ، وجرائمها ، وفواجعها ، ما زالت الحروب مستمرة ومستعرة تقتات بأرواح الناس ، لترضي فئة قليلة جداً ، هي صاحبة المصلحة في إشعال الحروب على هذا الكوكب الحائر ، الذي يُسمى الكرة الأرضية .

وماهي هذه الكرة الأرضية ، عند عالم الفلك الأميركي كارل ساغان إلاّ ذرّة غبار تكاد لا ترى بالعين المجردة ، في فضاء الكون غير المحدود وغير النهائي . وعند بعض الفلكيين الآخرين ، وبعض رواد الفضاء ما الكرة الأرضية إلاّ بحجم رأس دبوس صغير . فتخيل أيها القارئ العزيز ما يجري على رأس دبوس صغير ،أو في ” قلب ” ذرة الغبار الهائمة أو التائهة في فضاء هذا الكون اللامتناهي !!

وإذا كان إجماع الشعوب ، حقاً ، ضد الحروب ؛ وهي تواقة للسلم والسلام ، والأمن والأمان .. مع ذلك ، لم يسجل التاريخ لنا عصراً ذهبيأً، خالياً من الحروب . وإذا سألت أجاب العالِمون : لقد بدأ تاريخ البشرية بالقتل إذ قتل قابيل أخاه هابيل .. وقد تعمد تاريخ البشرية بالدم . وللأسف ، كانت الحروب عبر مسيرة البشرية هي السمة الأساسية للتاريخ . قال الله تعالى : ( وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالاتعلمون ) ..

أما ابن خلدون فكتب : ” اعلم أن الحروب وأنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة ، مذ برأها الله .. وهو أمر طبيعي في البشر لا تخلو منه أمة ولا جيل ” .

يطول الحديث عن تاريخ الحروب ، وعن تطور أساليبها ، مذ كان سلاح الإنسان مما يصنع من الحجر ، مرورا باختراع أدوات الحرب : من القوس والسهم والرمح والسيف والترس والدرع ؛ إلى أن تمّ اكتشاف البارود .. فقفزت علوم الحرب قفزة نوعية ومازالت العلوم العسكرية في تطور ، منذ اختراع المدفع والبندقية حتى الصاروخ .. واليوم ، حرب الصواريخ . وأعود إلى العنوان : طبول الحرب …

باختصار أقول : متى كانت منطقتنا العربية من غير حرب ؟!!.. لنتذكر عام النكبة 1948 ، وتشريد شعب فلسطين واغتصاب أرضه . والعدوان الثلاثي 1956 . وحرب 1967 ، وحرب تشرين 1973 ، والحرب الأهلية في لبنان 1975 ، وغزو لبنان واجتياح بيروت 1982 . وحرب العراق وإيران 1980- 1988 . ثم غزو العراق للكويت ..في صيف 1990 . ثم تحرير الكويت 1991 . وبعدها النكبة الثانية وهي احتلال العراق 2003 .. بالإضافة إلى حروب غزة مع الكيان الصهيوني . والحرب على الإرهاب الذي اوجع الشعب السوري ، ومزق ليبيا ، من غير أن أنسى الحرب على اليمن .. وهنا لا بد من ذكر المصطلحات التي برزت بتسمية هذه الحروب : الحرب العدوانية ، الحرب الاستباقية . الحرب النفسية ، الحرب الوقائية ، الحرب العادلة ، حرب التحرير الحرب الإعلامية ، الحرب الإكترونية ، حرب الحضارات ، الحرب على الإرهاب . وإنه لمن المؤسي والمؤسف والمؤلم ، إن الذي أسس وصنع الإرهاب ومولّه ودربه ، وطوره هو الذي أعلن الحرب عليه . …

واليوم ، والمعارك مستمرة ومستعرة في أشرس حرب عرفتها المنطقة في غزة ، وبعد عشرة شهور ، أثبت الفلسطيني أنه قادر على الصبر والصمود والأنتصار ، على الرغم من الحصار ومن الإبادة الجماعية . وفي الوقت نفسه ، لم يستطع الكيان الصهيوني الذي يمتلك احدث العتاد الحربي المتطور ، وبدعم مباشر من اعتى امبراطورية في العالم هي الولايات المتحدة ومؤازرة فعلية من فرنسا وبريطانيا وغيرهما من ( بعض) الدول العربية ..وحين لم يستطع هؤلاء جميعا ً أن يحرروا الأسرى ، ولا أن يقضوا على المقاومة في غزة ، لجأوا إلى أسلوب خسيس وجبان هو الأغتيالات ..والكيان بارع فيي هذه العمليات الدنيئة ، متوهماً أنه بالتخلص من شخصية ما ، يحقق نصراً لحفظ ماء وجهه أمام شعبه . لهذا اغتال في يوم واحد تقريباً شخصيتين هامتين : شخصية من حزب الله ، ورئيس المكتب السياسي لحماس ، لكن اغتالته في طهران . كان بوسع الكيان ان يغتاله في مقر إقامته في قطر أو في تركيا ، لكن أراد أن يتحدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، الداعمة لحركة المقاومة . ولهذا اعتبرت إيران أن هذا الإغتيال طعنة كبرى واختراق غير مسبوقين في القوانين الدولية ..ومن هنا كان إعلان التحدي من قبل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن ، ومحور المقاومة .

طبول الحرب تُقرع .. والمنطقة على شفير الهاوية ، وأميركا حشدت كل ما تستطيع حشده في البحر الأبيض المتوسط ، واستنفرت كل قواعدها في تركيا والخليج والسعودية تحسباً للضربة القادمة . بالإضافة إلى الوساطات والوعود بالهدنة وجبر الخواطر ، وإن لم تستجب إيران لهذه الوساطات فتبدأ حرب شاملة لا تبقي ولا تذر .. في الوقت الذي يرتكب العدو الصهيوني كل ساعة مجزرة مروعة يقتل فيها الناس العزل ، أمام الدنيا والعالم كله يتفرج .ولا يردع هذا المجرم المتوحش من إبادة جماعية ، لأهلنا في فلسطين .

والجميع ينتظر ..وثمة من يتمنى أن تشن إيران حربا انتقامية ، تثأر فيها ل قاسم سليماني ، ولإغتيال علماء الذرة ، ولضرب قنصليتها في دمشق ، ومقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ، في طهران . وهذه الجريمة لا تمس كرامة إيران كدولة مضيفة فحسب ، بل هي خرق للقوانين الدولية ، وتلطخ دستور الأمم المتحدة ، ويوجد من لا يتمنى الحرب خوفاً من العواقب غير المضمونة ، لأن الخراب سيعم على الجميع .

وهناك من يناشد العقل ، من أجل إجراء تسوية ، وحل سلمي يرضي إيران وحزب الله .

كتب نارام سرغون بتاريخ 6/7/ 2024 تحت عنوان : ( يا نصر الله يا حبيب إحرق تل أبيب ) ،

يقول :” قد يكون الجنون أحياناً هو ذروة العقل .. قد تكون العقلانية متمثلة أحياناً في منتهى الجنون .. فأين ستكون عقلانية إيران وحزب الله ومحور المقاومة ؟ أهي عقلانية الجنون الأقصى أم جنون العقلانية إلى حد العبث واللاجدوى ؟؟

إيران ومحور المقاومة اليوم أحوج ما يكونون اليوم إلى الجنون .. وأنا سأنظر إلى أن المحور في منتهى العقلانية عندما يبدي منتهى الجنون في رده على الغرب ووقاحته وعلى إسرائيل ( كلب الغرب ) أو كما يقال كلب الروم .. الذي يعض في كل اتجاه .. ” ويختم قائلاً : بل سأقول وقد يعاتبني البعض .. ولن أخشى مصير غزة : يا محورنا يا حبيب .. أحرق أحرق تل أبيب ” .

مقالة نارام سرجون مهمة جداً .. أتمنى أن يقرأها الجميع ..وهذه المقالة ذكرتني بقصة مكسيم غوركي : “أغنية الصقر ” الذي يرمز فيها غوركي عن الثورة القادمة :

نغني ممجدين جنون الشجعان

فجنون الشجعان – حكمة الحياة

فالصقر رمز البطولة والشجاعة والظمأ إلى المأثرة والاستعد اد للتضحية …صحيح أن غوركي كتب القصة في المرحلة الرومانسية عام 1895 ..لكن هذه القصة اعتبرت مأثرة اجترحت المآثر . لأن البطل – الصقر يسأل : ما مغزى أن أعيش ، إذا مات مغزى حياتي ؟ وهو يقصد حريته . ولكن ” الجنون ” أي مغامرة الصقر المتهم بالجنون وحتمية مصيره الاستشهاد مقابله ثمن عظيم :شكر الشعب له لأنه هو سبب حريته..

وهنا يتطابق رأي غوركي وسرجون حول مفهوم ” جنون الشجاعة ” لأن جنون الشجعان – هو نبض المستقبل ، ذلك ” جنونهم ” الشجاع يصير في المستقبل أسمى حكمة لنصرة قضية عظمى .

(موقع سيرياهوم نيوز-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أسئلة و دعوة للحوار موجهة لمن يهمه الأمر

مالك صقور       – هل الثقافة العربية ( في هذه الأيام ) ، تعكس السياسات العربية ؟ – أم هل السياسات في الوطن ...