آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الردّ الإيراني بين منزلتين

الردّ الإيراني بين منزلتين

ميشال نوفل

 

 

مَن يعرف قليلاً كيف يُصنع القرار في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، عليه أن يتأنّى قبل أن يُطلِق أحكاماً في شأن ما يُعتبر تأخّراً في تنفيذ الوعد بالردّ على اغتيال الشهيد إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» في طهران. ذلك أنّ هذه العمليّة التي تُشغل العالم وتُثير هستيريا على وسائل التواصل الاجتماعي، محكومة بتحدّيات مرحلة انتقالية في إيران في مجال الأمن القومي، وتسوية سياسيّة معقّدة في إدارة ورشة التجديد والإصلاح عقب أزمة الحقوق والحرّيات والاضطرابات الدامية التي رافقتها. فضلاً عن أن الإشكاليّة الوجوديّة للتموضع الاستراتيجي الإيراني في قلب المشرق العربي وعقدته الفلسطينيّة، تُمثّل حالة خطيرة في الجغرافيا السياسيّة لمجال إمبراطوري أُعيدت هندسته لكي يتّسع لجيوبوليتيكا عصيّة على الهمينة الإمبرياليّة والوصاية الغربيّة.ومِنَ السذاجة الاعتقاد أنّ المجموعة السياسيّة/الثقافيّة التي تحلّقت حديثاً حول الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، هي التي تمسك بقرار السياسة الإيرانيّة والذي يعود في التحليل النهائي إلى مكتب المُرشد الأعلى آية الله خامنئي، حيث تتقاطع مراكز القوّة في النظام الديني، وإن كان لمؤسسات السلطَتَين التنفيذيّة والتشريعية دورها في إدارة شؤون البلاد والوقوف على اتجاهات الرأي العام الذي يميل على ما يبدو إلى عدم الاهتمام بالقضيّة الفلسطينيّة في مقابل منح الأولويّة لعلاج المشاكل الاقتصاديّة.

وليس سرّاً في المناقشات الداخليّة الطارئة، أن المرشد الأعلى خامنئي وقيادة حرّاس الثورة يريدان استعادة الردع تجاه إسرائيل، بينما يخشى أطراف آخرون من أن يؤدّي هجوم كاسح إلى انجرار إيران في حرب شاملة مع الكيان الصهيوني، وربما حتى مع الولايات المتحدة الأميركيّة التي أعلنت التزامها الدفاع عن إسرائيل وحشدت لهذه الغاية أسطولاً حربيّاً كبيراً شرق المتوسط. وفي خضمّ حرب نفسيّة لا هوادة فيها، حملت التحركات الدبلوماسية التي تحضّ إيران على ضبط النفس وعدم الرد على إسرائيل، إشارات إلى نوع مختلف من الدبلوماسيّة الإيرانيّة أثار تأويلات حول احتمال قبول طهران بتأجيل الهجوم الموعود في مقابل وقف دائم لإطلاق النار في غزّة، أو أن يفضي وقف إطلاق النار إلى اقتناع طهران بتقليص حجم هجومها، بل اختبار طريقة مختلفة للردّ لا تنطوي على توجيه ضربة مباشرة إلى إسرائيل. ويُظهر تقييم المخاطر الملازمة للردّ على اغتيال الضيف الفلسطيني أنّ معضلة إيران تكمن في توجيه ضربة عقابيّة لا تكون ضعيفة بحيث تفقد قيمتها الرادعة، ولا تكون قوية إلى درجة التسبّب بجولة تصعيديّة تُولّد حرباً.

وكان لافتاً في الحركة الدينامية للسياسة الداخلية الإيرانية كيف أن المرشد تصرّف على أساس أن مصلحة النظام تقضي بفتح الطريق لصعود بزشكيان ممثّلاً للتيار الإصلاحي والمحافظين قبل أن ينحاز هذا الأخير إلى صيغة الوحدة الوطنيّة التي تقوم على التوافق بين اتجاهات المحافظين والإصلاحيين. غير أن التشكيلة الوزارية التي رفعها بزشكيان إلى مجلس الشورى (البرلمان)، أثارت موجة انتقادات من جانب التيار الإصلاحي لكونها تعكس صيغة تعدّدية وتضمّ في آنٍ معاً وزراء من حكومتي الرئيسين إبراهيم رئيسي وحسن روحاني، إلى جانب أسماء إصلاحيّة وممثلين لجهاز حرّاس الثورة في وزارات أساسيّة.

ورأى مراقبون في طهران أن التشكيلة الحكوميّة المقترحة، استفادت من زخم «الاختراق الإصلاحي»، وأضعفت في الوقت نفسه التحالف بين الرئيس الجديد ومحمد جواد ظريف وزير الخارجيّة السابق الذي تولّى إدارة الحملة الرئاسيّة لبزشكيان وتصرّف كأنّه «الرجل القوي» في تركيبة سياسيّة ما زالت قيد الاختبار، ثم اضطرّ إلى تقديم استقالته نائباً للرئيس لشؤون التخطيط الاستراتيجي عقب سقوط مقترحه في شأن قيام «حكومة مثاليّة». لكن خطوته المتسرّعة هذه لاقت رفضاً رئاسياً.

وقبل أن ترى التشكيلة الحكوميّة النور، عمد محلّلون في مؤسسات حكوميّة خليجيّة، إلى التشكيك في خيارات بزشكيان/ظريف ولا سيما منها الدعوة إلى تفويت الفرصة على مقامرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعدم الانجرار إلى الحرب الشاملة، والمطالبة بوقف حرب الإبادة الإسرائيليّة في غزّة أو التوصّل إلى هدنة على الأقل. وكأنه كان مطلوباً تقويض هذا التوجّه الذي خدم مبادرة الدبلوماسيّة الإيرانيّة في الأمم المتحدة إلى طرح الترابط بين أولويّتين: الأولى لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، والثانية التمسّك بمعاقبة إسرائيل على جريمة اغتيال إسماعيل هنيّة، وانتهاك السيادة الإيرانيّة، وهو الموقف الذي أكّده المبعوث الإيراني إلى اجتماع جدّة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

وربّما هي إشارة إلى تقلّبات المرحلة الانتقالية، أن يسعى فريق سياسي إيراني يُقال إنه يضمّ إلى بزشكيان وروحاني، محمد باقر قاليباف رئيس البرلمان (القادم من الجهاز الأمني لحرّاس الثورة)، إلى التركيز على أهمية التفاوض مع أميركا. علماً أنّ التحريض على هذا الفريق الافتراضي بالقول إنّه «مسكون بهاجس التفاوض مع أميركا»، لا يمكن أن يخفي حقيقة أنّ هناك مناخات شعبيّة في إيران تسند الاقتناع بأنّ العديد من المشاكل الاقتصاديّة والماليّة والأمنيّة يمكن أن تجد طريقها إلى الحلّ عبر التفاوض وإدارة الصراع مع الأميركيين للتخلّص من العقوبات التي ترهق الاقتصاد والتجارة، من دون أن ننسى وطأة الضغوط الغربيّة على الجمهوريّة الإسلاميّة بسبب أزمة البرنامج النووي وإقدام واشنطن على تعطيل تسوية 5+1.

ويبقى أنّ المزايدة العربيّة لا تنفع في مقاربة سياسات الأمن القومي أو الاستراتيجيّة الدفاعيّة، خصوصاً عندما يرتدي ذلك لباس التحدّي: إمّا أن تردّ إيران على اغتيال إسماعيل هنيّة ردّاً واضحاً… وإمّا تنكفئ نحو داخلها ومشكلاته. ذلك أن الردّ في ذاته إذا كان المراد أن يساهم في ترسيخ صورة إيران ومكانتها في الإقليم، فإنّ واجب «الدولة القادرة» أن تؤمّن النظم الدفاعيّة المناسبة لحماية أمنها القومي ومنه البرنامج النووي والمنشآت الحيوية لإنتاج وتصدير النفط والغاز.

ويعرف القاصي والدّاني أنّ حادث سقوط الطائرة الذي أودى بحياة الرئيس إبراهيم رئيسي، والاختراق الذي أدّى إلى لُغز استشهاد إسماعيل هنيّة، فتحا الباب واسعاً للتساؤلات في شأن فاعليّة الجهاز الأمني والدفاعي في إيران.

 

* كاتب وصحافي لبناني

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اليوم التالي بعد الحرب…..

  باسل علي الخطيب دعونا نتفق اولاً ان عاموس هوكشتاين ليس وسيطاً، انا لا اناقش هنا المضمون وأقصد النزاهة من عدمها، أنا اناقش من حيث ...