حمود الخميس
تستند التوقعات الاقتصادية في تل أبيب حتى الآن إلى تقديرات باستمرار الوضع السياسي – الأمني القائم على ما هو عليه، مع إدراك أن اندلاع حرب متعددة الجبهات من شأنها أن تقلب الصورة رأساً على عقب. ووفقاً للنائب السابق لمحافظ بنك إسرائيل ومؤسس «معهد أهارون للاقتصاد» في جامعة «رايخمان»، البروفسور تسفي أكشطاين، فإن «حرباً متعددة الجبهات قد تتسبب في خفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 5%، وستصبح نسبة الدين من الناتج المحلي أكثر من 80%»، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح كيف تقود الحكومة الدولة إلى وضعٍ كهذا».وبحسب صحيفة «كَلكَليست» الإسرائيلية المتخصصة، تقف إسرائيل اليوم أمام مفترق طرق، بعد التطورات الجيوسياسية والعسكرية التي تفاقمت بشكل خاص إثر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في بيروت.
الواضح أن العدوّ يتصرف على أنه امام سيناريوَين؛ الأول هو التهدئة، والثاني حرب محدودة من شأنها أن تتحول حرباً شاملة متعددة الجبهات. ولكل من هذين السيناريوين «عواقب بعيدة المدى على إسرائيل، لجهة النمو والعجز والديون والتشغيل ووضع التكنولوجيا المتقدمة وكل الجوانب الاقتصادية الأخرى». فيما «ليس من المؤكد أن إسرائيل أعدّت توقعات لأسوأ السيناريوات، هذا إن كان بالإمكان الاستعداد لها أساساً».
ونقلت الصحيفة عن أكشطاين أن «جميع الخبراء الاقتصاديين عملوا على السيناريو المتفائل، والذي يتم بموجبه التوصل إلى صفقة توقف الحرب في غزة، وإلى اتفاق مع لبنان بموجب القرار 1701»، وهذا «يمكن أن يتحقق بعد شهر، وقد بنينا التوقعات على هذا الأساس». وبموجب هذه التوقعات، سيرتفع الناتج 1.5% فقط السنة الجارية، وهذا يعني نموّاً اقتصادياً سلبياً، لأنّ النموّ السكاني يرتفع 2% سنوياً، كما سترتفع نسبة العجز المالي في الموازنة إلى 8.4%، ونسبة الدين من الناتج إلى 67%. «وهو ما نحن موجودون فيه اليوم، وهو ما كتبناه قبل بضعة أشهر، وجاءت معطيات النموّ التي صدرت الأحد الماضي متطابقة معه تماماً»، وفقاً للخبير الاقتصادي الذي شدد على أن إسرائيل، وفقاً لهذا المسار، «ستعود إلى وضعها الطبيعي خلال أشهر، ويبدأ النمو بالارتفاع في الربع الأخير من السنة». وهذا، في رأي أكشطاين، «سيناريو متفائل، وبموجبه تخرج إسرائيل من الحرب في غزة مع وقف إطلاق نار. إذ ليس مهماً بالنسبة إلى الاقتصاد ما إذا كان يحيى السنوار حياً أو لا، لكن ثمة أهمية إذا كان هناك اتفاق تبادل أسرى. وبالمناسبة، هذا ما يقول الجيش الإسرائيلي أيضاً إنه محتمل، ويعمل المسؤولون الأمنيون بموجبه».
ماذا عن الحرب الشاملة؟
في المقابل، ثمة سيناريو الحرب الشاملة المتعددة الجبهات «الذي يجري الحديث عنه بشكل أقل، ولا توجد توقعات حوله». قد تتحقق التهديدات من جانب إيران وحزب الله و«تتوقف جميع الطائرات عن التحليق من إسرائيل وإليها. هذا سيناريو رعب لا توجد توقعات حياله». وقال أكشطاين إنه في سيناريو الحرب المحدودة نسبياً، «إذا عادت الرحلات الجوية وعاد كل شيء إلى ما كان عليه في حزيران (قبل اغتيال هنية وشكر) يمكننا الاستمرار. وسيكون هناك نموّ في 2025، وفي حالة كهذه، لن تكون هناك كارثة اقتصادية»، موضحاً أن الحرب المحدودة نسبياً «تتمحور حول إطلاق صواريخ على شمال البلاد حتى حيفا طوال شهر ونصف شهر، فيما نقصف نحن لبنان، مع استدعاء كامل لقوات الاحتياط والقيام بتوغل بري. لكن هذا كله ينتهي بعد شهر ونصف شهر باتفاق يستند إلى قرار الأمم المتحدة 1701، أي أن النهاية هي ما يمكن الحصول عليه الآن من دون حرب، لو أنهينا الآن مسألة المختطفين». ولفت إلى أن سيناريو الحرب المحدودة مع حزب الله فقط قائم على أن حرباً كهذه «ستحدث في أيلول. وسينخفض الناتج 2.5%، وتصل نسبة الدين من الناتج إلى 75%، مع انخفاض كبير في التصنيف الائتماني لإسرائيل. لكن هذا سيناريو مع تواريخ دخول وخروج، وهو عملياً حرب صغيرة مع حزب الله».
ليس من المؤكد أن إسرائيل أعدّت توقّعات لأسوأ السيناريوات، هذا إن كان بالإمكان الاستعداد لها أساساً
كل ما تقدم يمكن إسرائيل تخطّيه، لكن، وفقاً لأكشطاين، «ما يجب أن يكون مصدر قلق لنا هو الحرب المتعددة الجبهات؛ أي سيناريو الرعب الذي يشمل إطلاق صواريخ على تل أبيب وتوقف الرحلات الجوية. وقد نرى استهدافاً لعمل الموانئ. وهذا يعني أننا لن نواصل من المكان الذي كنا فيه قبل عمليتَي الاغتيال، فالتأثير الاقتصادي قد يكون تدهوراً كبيراً جداً». وحذّر أكشطاين من أنه «في مثل هذا السيناريو، ليس واضحاً كيف سنخرج. والسبب هو أنه ليس واضحاً أيضاً ما الذي يريده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وليس واضحاً إلى أيّ وضع تأخذنا هذه الحكومة. كما أنه متعلق بالرئيس الجديد للولايات المتحدة، وبماذا سيحدث في الأمم المتحدة وماذا سيحدث في لاهاي». وأوضح أنه «لا علم لي بنتائج كل ما تقدم. فنحن (كخبراء) لم نترجمه إلى أرقام لأن هذا السيناريو بإمكانه أن يقودنا إلى انهيار متسارع جداً وانعدام هائل لليقين. وهو بكل بساطة يضع إسرائيل في مستوى انعدام يقين، وأنا كخبير اقتصادي لا يمكنني مواجهته». وتابع: «في مثل هذه الحال، لا نعلم (كخبراء) المدة الزمنية، وكم صاروخاً ستطلق إيران. ولا نعلم كم صاروخاً سيعترض التحالف الدولي بقيادة الأميركيين مع سلاح الجو الإسرائيلي. هذا انعدام يقين هائل. وعندما يكون انعدام اليقين بهذا الحجم، لا يمكنك إجراء توقعات. في وضع كهذا، قد يتم استدعاء الجميع للخدمة العسكرية وتُخاض معارك لشهر أو شهرين… هذه أمور ليس منطقياً أن تخوضها دولة، فيما لديها خيارات أخرى».
وبحسب أكشطاين، «لا توجد في وزارة المال وبنك إسرائيل سيناريوات رعب كهذه؛ إذ لم يضعوا خطة لا توجد بموجبها رحلات جوية إلى إسرائيل، ونكون فيها تحت تهديد كبير لصواريخ يطلقها حزب الله وإيران».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار