وصفت إيكونوميست في مقال افتتاحي المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي -الذي ختم أعماله أمس الخميس في مدينة شيكاغو بولاية إيلينوي الأميركية- بأنه كان تجمعا تبادل فيه المشاركون عبارات الود والمديح، بعد أن كان يُنظر إليه قبل أسابيع قليلة بأنه سيكون بمثابة صحوة للحزب.
وقالت المجلة البريطانية إن الحماس المتدفق الممزوج بالارتياح كان السمة الغالبة على الحاضرين، وذلك لأن مرشحتهم لانتخابات الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل كامالا هاريس أنقذت الحزب من هزيمة مؤكدة.
والآن بعد أن خرج الرئيس جو بايدن من السباق الانتخابي، أصبح دونالد ترامب هو المرشح “العجوز” الذي ظفر ببطاقة الحزب الجمهوري لمنافسة هاريس على الرئاسة، وفق المقال الافتتاحي.
وتعتقد إيكونوميست أن ترامب، بإطلاقه الإهانات “السخيفة” وبما ينتابه من “هواجس شريرة” يجعل الناخبين ينفرون من التصويت له.
وتطرق المقال إلى محاولات مندوبي الحزب الديمقراطي في مؤتمرهم الوطني بشيكاغو للترويج لهاريس على أنها الشخص الذي ينبغي التصويت له، وذلك من خلال الإسهاب في تناول مناقبها وقصة حياتها.
على أن كل ذلك ينبغي أن يترجم إلى واقع عندما تتولى هاريس الرئاسة، وهو أمر ترى المجلة البريطانية أنه يظل غامضا بشكل يدعو للقلق.
ومما يثير قلق هيئة تحرير إيكونوميست -في مقالها الافتتاحي- أن أساليب المرشحة الديمقراطية قد تشير أيضا إلى شيء أكثر أهمية، وهو أنها لا تزال من الناحية السياسية شخصية غير معروفة، ومسؤولة جزئيا عن ذلك.
فقد “توارت” هاريس خلال وجودها ضمن إدارة بايدن كما هو الحال عادة مع نواب الرئيس. ثم إنها أصبحت مرشحة للرئاسة دون أن تخوض انتخابات تمهيدية داخل الحزب، ولم تُجرِ مقابلات واكتفت بتلقي بعض الأسئلة من الصحفيين.
ومضت المجلة البريطانية في سرد مكامن الضعف في شخصية هاريس، قائلة إنها ورثت برنامجها السياسي في الغالب من رئيسها، وهو منهاج عمل سياسي أقل حتى من برنامج ترامب.
وعندما تتخذ هاريس مواقف مثل تعهدها بالتصدي لتلاعب الشركات بالأسعار، فإن ذلك لا يعد -برأي المقال- تعبيرا عن معتقداتها السياسية بقدر ما هي مناورات انتخابية تهدف إلى تهدئة الناخبين القلقين بشأن تكاليف المعيشة.
كما أنها ليست من أولئك الذين تكشف مسيرتهم المهنية عن مجموعة قناعات عميقة أو عما تضمره في جوانحها من معتقدات جوهرية، ولكنها بدلا من ذلك تميل قليلا نحو يسار الوسط داخل حزبها وتتكيف مع ما يطرأ عليه من تحولات في مواقفه، شأنها في ذلك شأن بايدن نفسه.
والأسوأ من ذلك كله -برأي المجلة- أن سياستها في ما يتعلق بالاقتصاد والقضايا الخارجية تبدو متقلبة، وللنزعة البراغماتية أو الروح العملية مزاياها لدى الشخصية السياسية. فقد يصف ترامب هاريس بأنها شيوعية، لكنها “ليست أيديولوجية”.
واستعرض مقال إيكونوميست جانبا من مواقف هاريس في بعض القضايا الداخلية مثل تبنيها -إبان ترشحها في الانتخابات التمهيدية لحزبها عام 2019- برنامج رعاية صحية تتم تغطية تكاليفه من خلال نظام عام واحد، ووعدها بإلغاء تجريم عبور الحدود بشكل غير قانوني. غير أن الطريقة التي تخلت فيها عن كل تلك الوعود توحي بأنها “لم تكن جادة على الإطلاق”.
وسيكون من الصعب وضع اقتراحها فيما يتعلق بمكافحة التلاعب بالأسعار موضع التنفيذ، وربما لا تكون بصدد إطلاق حملة ضد الشركات الأميركية “فالبراغماتية تعني أيضا أن هاريس منفتحة على أفكار الآخرين”.
ووفقا للمجلة البريطانية، هناك من الأسباب ما يدعو للاعتقاد بأن هاريس ستسعى إلى ضمان الاستمرارية في السياسة الخارجية والبيئية دون تغيير جوهري.
ولكن عندما تشي البراغماتية بالافتقار إلى المبادئ المدروسة، فهنا مكمن الخطر، حيث يتعين على الرئيس -في هذه الحالة- أن يتعامل كل يوم مع مشاكل “مشحونة سياسيا” لا يتوفر لها حل بسيط.
وفي هذا الصدد، فإن إيكونوميست ترى أن ضعف هاريس إزاء الأفكار “الرديئة” والحيل السياسية يشكل عائقا. ثم إن “ادعاء” التلاعب بالأسعار لا تدعمه ببساطة الأدلة، ويؤدي إلى اضمحلال الثقة في الأسواق المفتوحة التي تجعل أميركا مزدهرة.
قد يبدو من الظلم -من وجهة نظر المجلة- انتقاد هاريس لحرصها على سياستها، وتتمثل مهمتها الأساسية في إلحاق الهزيمة بترامب، وهي مهمة حيوية تتطلب قدرا من المكر والدهاء.
ومع ذلك، فهناك أسباب للضغط عليها، أولها أنها إذا فقدت قدرتها على دفع حملتها الانتخابية إلى الأمام، فإن السياسة قد تكون إحدى الوسائل لإنعاشها.
وعندما يهاجمها ترامب، في المناظرة المقرر انعقادها في العاشر من سبتمبر/أيلول، لكونها أضعف من أن تتمكن من الوقوف في وجه روسيا والصين، أو أنها اشتراكية راديكالية أكثر من اللازم للتعامل مع الهجرة أو إنشاء اقتصاد صحي، فسوف تحتاج إلى أكثر من مجرد العبارات المبتذلة لإفحامه.
والسبب الآخر الأهم للضغط على هاريس -في نظر إيكونوميست- هو أن كونها سياسية يعني أكثر من مجرد القيام بالحملات الانتخابية “فالحكم مسألة مهمة”.
وقد يشعر المرء برغبة شديدة في أن يرى هاريس تنتصر على ترامب، لكن يبقى السؤال عن مدى كفاءتها وقدرتها على تولي المنصب، بحسب مقال إيكونوميست.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم