طه الغريب
القاهرة | تُواصل مصر عمليات التضييق الأمني بهدف لجم أيّ مظاهر للتضامن مع فلسطين، من شأنها أن تحمّلها مسؤولية تجاه تشديد الخناق على أهالي قطاع غزة. وفي هذا الإطار، مدّدت «النيابة»، أول من أمس، اعتقال ستة أشخاص، لـ 15 يوماً إضافية، على أن يعرضوا بعد ذلك على محكمة المشورة التي يخوّلها القانون تمديد حبس المتهمين لمدة 45 يوماً في كل مرة، بدلاً من 15 يوماً. وقد اعتقل هؤلاء، وأغلبهم جامعيون، من منازلهم في الإسكندرية، بين يومي 28 و29 نيسان الماضي، في القضية 1644 لعام 2024، والمعروفة إعلامياً بـ«قضية بانر فلسطين»، بعد انتشار فيديو على الإنترنت للافتة كتب عليها «فكّوا حصار فلسطين… أفرجوا عن المعتقلين… افتحوا معبر رفح»، معلّقة في أحد شوارع المدينة. وتضمّ هذه المجموعة: عمر الأنصاري، شهاب الدين، محمد دياب، عبد الله أحمد والقيادي العمّالي شادي محمد، وهو أحد مؤسسي «المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية» و«اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني بالإسكندرية». على أن أول الاعتقالات في هذا السياق بدأ في التظاهرة التي خرجت تنديداً بمجزرة مستشفى «المعمداني» في حيّ الزيتون جنوب مدينة غزة، والتي وقعت مع ساعات الليل الأولى من السابع عشر من تشرين الأول من العام الماضي، حين هاجم سلاح الجوّ لجيش العدو ذاك المستشفى وارتكب مجزرة مروّعة راح ضحيتها المئات من المدنيين. إذ ألقت قوّات الأمن، خلال فضّ تلك التظاهرة، التي خرجت مثيلاتها في العديد من البلدان العربية تنديداً بالمجزرة، القبض على 28 شخصاً من محيط ميدان التحرير في القاهرة (القضية 2468 لعام 2023)، و14 شخصاً من محيط مسجد القائد إبراهيم وميدان المنشية بالإسكندرية (القضية 2469 لعام 2023).
وخرج المصريون، في ظهر يوم الجمعة التالي، إلى ميدان التحرير ومسجد الأزهر وسُلّم نقابة الصحافيين في القاهرة، للتظاهر، فضلاً عن خروج تظاهرات أخرى في عدة مدن تمركزت بعضها في المناطق التي تسيطر عليها الأحزاب الموالية للسلطة، علماً أنه في اليوم التالي من مذبحة «المعمداني»، لوّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، بإمكانية خروج المصريين إلى الميادين لإعلان رفضهم تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، قائلاً: «إذا استدعى الأمر أن أطلب من الشعب المصري الخروج… فسترون ملايين من المصريين يخرجون للتعبير عن رفض الفكرة ودعم الموقف المصري».
مع ذلك، توالت الاعتقالات في الأسبوع نفسه مع خروج التظاهرات، إذ اعتقل آنذاك 11 شخصاً من مناطق ومحافظات مختلفة (القضية 2526 لعام 2023)، بالإضافة إلى 11 آخرين خلال فض تظاهرات في محيط مسجد الأزهر في القاهرة، يوم الجمعة 27 تشرين الأول (القضية 2635 لعام 2023). وبعد ذلك، توالت التظاهرات، ليواجه المصريون المتضامنون مع الفلسطينيين حملات اعتقال متعددة، ألقيَ القبض فيها على ما لا يقل عن 350 شخصاً خلال الفترة الممتدة من تشرين الأول 2023 حتى أيار من العام الجاري. وتعرّض أغلب المعتقلين للضرب بالعصيّ والهراوات خلال اعتقالهم على أيدي رجال الأمن الذين يرتدون زيّاً مدنياً، علماً أن «نيابة أمن الدولة» قرّرت التحفّظ عليهم بموجب المادة 40 من قانون «مكافحة الإرهاب» الرقم 94 لسنة 2015، من دون إبلاغ ذويهم أو المحامين بمكان وجودهم.
أفرج عن أربعة طلاب محتجزين، في تموز الماضي، فيما يقبع ما يزيد على 70 شخصاً قيد الاعتقال حتى اليوم
وفي مستهل الأسبوع الثاني من آذار الماضي، اعتقلت قوّات الأمن ستة أشخاص، هم: عبد الرحمن محمود، أحمد هيثم، مهنّد عمرو، عبد الرحمن رضا، يوسف العقاد والطفل محمد رجب (16 عاماً)، من منازلهم في منطقة دار السلام في القاهرة (القضية 952 لعام 2024)، على خلفية ظهور صور على وسائل التواصل الاجتماعي لعبارات داعمة للفلسطينيين كُتِبَت على كوبري دار السلام، اتُّهموا بكتابتها. كما اعتقلت قوّات الأمن، بين يومي الثامن والتاسع من أيار الماضي، الطالبين مازن دراز وزياد بسيوني، بتهمتَي الانضمام إلى جماعة إرهابية ونشر الأخبار الكاذبة (القضية الرقم 1941 لعام 2024)، وذلك بسبب مشاركتهما في تأسيس حركة «طلاب من أجل فلسطين» التي نشرت ثلاثة بيانات؛ أولها لمساندة الطلاب الفلسطينيين بالتعلّم في مصر وإعفائهم من المصاريف الدراسية، والثاني للتنديد باجتياح مدينة رفح الفلسطينية، والثالث لمطالبة وزارة التعليم بحظر المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني.
أيضاً، اعتقلت قوّات الأمن، فجر الثالث من نيسان الماضي، 14 شخصاً بشكل منفصل من منازلهم عقب اشتراكهم في وقفة تضامن مع الفلسطينيين على سُلّم نقابة الصحافيين في القاهرة (القضية 1277 لعام 2024)، وسرعان ما أُخليَ سبيلهم بعد أيام من صدور قرار النيابة بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات، ومن بين هؤلاء الناشطة نور عادل، التي تعرضت للضرب والسباب خلال اعتقالها. وفي الثالث والعشرين من الشهر نفسه، اعتقلت قوّات الأمن 19 شخصاً معظمهم من النساء خلال فضّ وقفة أمام المكتب الإقليمي لـ«هيئة الأمم المتحدة للمرأة» من أجل التضامن مع نساء فلسطين والسودان (القضية 1567 لعام 2024)، فيما قررت النيابة، بعد أكثر من 24 ساعة من الاحتجاز السري والتحقيق، إخلاء سبيل المحامية ماهينور المصري وثلاثة آخرين من المجموعة بكفالة 10 آلاف جنيه، كما أفرج عن يوسف شعبان ومحمد فرج بضمان محل الإقامة، وباقي المجموعة بكفالة 5 آلاف جنيه لكل منهم. وفي 14 حزيران الماضي، تعرّض ما يزيد على 250 شخصاً من مشجعي «النادي الأهلي» للاعتقال بسبب هتافات تضامن مع الفلسطينيين، بعد انتهاء المباراة التي جمعت «الأهلي» و«نادي الاتحاد السكندري» في ملعب الجيش في برج العرب، ليودع هؤلاء في عدة مراكز شرطة، من بينها مقر جهاز الأمن في منطقة مرغم وقسم شرطة العامرية، للتحقيق معهم. ولكن سرعان ما أفرج عنهم جميعاً على فترات مختلفة، بعد تهديدهم بالاعتقال مرة أخرى إذا صدرت عنهم مواقف مماثلة.
والجدير ذكره، هنا، أن جميع من اعتقلوا في قضية التضامن مع فلسطين وجِّهت إليهم تُهم الانضمام إلى «تنظيم إرهابي» و«نشر الأخبار الكاذبة» و«الاشتراك في التجمهر». وبالإضافة إلى الذين أفرج عنهم في تظاهرات أمام «نقابة الصحافيين» ومكتب «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» وفي «ملعب الجيش»، أفرج عن أربعة طلاب محتجزين في قضية «طلاب من أجل فلسطين» في 22 تموز الماضي، فيما يقبع ما يزيد على 70 شخصاً قيد الاعتقال حتى اليوم بسبب التضامن مع الفلسطينيين، من دون أيّ سند قانوني، وبعض هؤلاء أمضوا حتى الآن ما يزيد على 10 أشهر في المعتقل.
وبنتيجة هذه الاعتقالات، ومع تشديد الطوق الأمني على أهمّ الميادين في المحافظات، ولا سيما ميدان التحرير في القاهرة، ومحيط السفارتين الأميركية والإسرائيلية، بات يقتصر تضامن المصريين، اليوم، مع الفلسطينيين على أنشطة فردية وجماعية لجمع التبرعات والدعم المالي للفلسطينيين المقيمين في البلاد وخاصة الطلاب. ورغم احتلال جيش العدو معبر رفح، ومنعه عبور المساعدات، غاب أيّ نوع من الاحتجاج والتضامن في الشارع المصري، ليبقى سُلّم نقابة الصحافيين في القاهرة هو الملجأ الوحيد للمصريين. وحتى في هذا الأخير، تضاءلت الفعاليات التضامنية والوقفات الاحتجاجية، أيضاً، نتيجة القبضة الأمنية وحملات الاعتقال الأخيرة.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار