مازن النجار
رغم دعم أميركا المفرط لإسرائيل وشراكتها في العدوان والإبادة، تبدو إدارة بايدن عاجزة عن تطويع استعصاء بنيامين نتنياهو، في إدارة الحرب ومفاوضات صفقة التبادل، على نحو يطرح أسئلة حول علاقة ذلك بحملة الانتخابات الأميركية الراهنة.يكرّر ويؤكد رؤساء المؤسسات الأمنية بالكيان الصهيوني أن المفاوضات لا تتقدّم لإصرار نتنياهو على احتلال محور فيلادلفيا. في حين تطالب تصريحات المقاومة الفلسطينية من الوسطاء والرأي العام بانسحاب جيش الاحتلال من محورَي فيلادلفيا ونيتساريم وعودة النازحين إلى شمالي القطاع، ويصر نتنياهو على عرقلة ذلك. إذاً، فرص فشل المفاوضات أكبر من فرص تحقيق اتفاق، ما ولّد أزمة متفاقمة داخل المجتمع الاستيطاني الصهيوني.
هراء «النصر الكامل»
اقترح الخبير الأمني الإسرائيلي، يوسي ميلمان، أن يبادر الكيان فوراً إلى وقف إطلاق النار على الجبهات كافة والبدء بمفاوضات مع حماس وحزب الله وإيران، قبل تطوّر الأمور إلى حرب شاملة ورهيبة، فالحروب ليست حلاً بل مشكلة، والحرب المستمرة منذ 11 شهراً ليست حرباً وجودية، بل تستمر لأن رئيس الحكومة يريد، للبقاء سياسياً، «النصر الكامل»، الذي وصفه وزير الجيش، يوآف غالانت، بأنه «هراء»!
ويرى نير دڤوري أن «الأمور لا تدار إستراتيجياً في الكيان.. ولا إدارة إستراتيجية بالمطلق. سنبكي على فرصة الصفقة الضائعة لأجيال، كان بالإمكان إنجاز الصفقة ووقف الحرب بالجبهات كافة. ما يحدث الآن حرب استنزاف لا قدرة (لإسرائيل) على استمرارها… نحن أمام فرصة قد لا تعود مرة أخرى»! ويحذّر الجنرال إسحاق بريك من أن «البلاد تتجه بالفعل نحو حافة الهاوية. وإذا استمرت حرب الاستنزاف ضد حماس وحزب الله، فستنهار إسرائيل في عام واحد على الأكثر».
لكن الأخبار أضافت جديداً إلى الصورة؛ فقد نشرت «معاريف» العبرية قبل أيام، نقلاً عن تقارير أميركية، أن دونالد ترامب طلب من نتنياهو رفض صفقة التبادل. وذكرت صحافة عبرية أن الإعلامية الأميركية، جودي وودروف، قالت على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون، إن الرئيس السابق يضغط على نتنياهو لعدم التوصل إلى صفقة تبادل خوفاً من أن يساعد إنجاز ذلك حملة كامالا هاريس.
مفاجأة أكتوبر
في السياسة الأميركية، تُعَد «مفاجأة أكتوبر» حدثاً مهماً، متعمّداً أو تلقائياً، قد يؤثر في نتيجة الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام انتخابي (إذ تُجرى الانتخابات، رئاسية وتشريعية ومحلية، كل أربع سنوات). فالأحداث التي تقع في أكتوبر/ تشرين الأول لها إمكانية التأثير على قرارات الناخبين المحتملين، ولا تسمح بوقت كافٍ للطرف المتضرر باستدراك الحدث أو التصحيح. وبالتالي، فإن أحداث اللحظة الأخيرة، نسبياً، قد تغيّر مسار الانتخابات ونتائجها. صاغ المحامي المخضرم ومدير «سي آي إيه» بإدارة ريغان، وليم كيسي، مصطلح «مفاجأة أكتوبر»، عندما كان مديراً لحملة رونالد ريغان الرئاسية عام 1980. لكن كانت هناك أحداث سبقت صياغة المصطلح وقلبت في أكتوبر اتجاه الانتخابات.
في خريف 1980، كتب جاك أندرسون في «واشنطن بوست» حول مفاجأة محتملة في أكتوبر، عندما كانت إدارة كارتر تستعد لعملية عسكرية كبرى في إيران لإنقاذ الرهائن الأميركيين، وتعزيزاً لحملة إعادة انتخابه. وظهرت مزاعم لاحقة ضد ريغان زعمت أن فريقه عرقل بشكل نشط إطلاق سراح الرهائن. عقب إطلاق سراح الرهائن في 20 يناير/ كانون الأول 1981، بعد دقائق من تنصيب ريغان، اتهم البعض حملة ريغان بإبرام صفقة سرية مع حكومة إيران ليستمر احتجاز الرهائن الأميركيين حتى بعد انتخاب ريغان وتنصيبه. وتردد لاحقاً أن جورج بوش الأب ووليم كيسي تآمرا لتأخير إطلاق إيران سراح الرهائن حتى هزيمة جيمي كارتر في انتخابات 1980، وأن مبيعات الأسلحة لإيران كانت جزءاً من هذه الصفقة.
القنابل تتساقط
في حين يواصل نتنياهو التصلب والعناد والمماطلة وإضافة شروط مستحيلة لإفشال المفاوضات، تواصل إدارة بايدن التعبير عن تفاؤلها بإمكانية إنجاز الصفقة، وترويج أن الفجوات بين طرفَي التفاوض يمكن جسرها، وأن نتنياهو وافق على مقترحاتها. وقد أدرك المفاوض الفلسطيني، بشكل لا لبس فيه، أن الإدارة الأميركية تبث آمالاً كاذبة بالحديث عن اتفاق وشيك، لأغراض انتخابية تخدم المرشحة الديموقراطية كامالا هاريس وحزبها، واستمالة أصوات مهمة «غير ملتزمة» نحو هاريس في ولايات متأرجحة، التي لا فوز بانتخابات الرئاسة من دونها. بدوره، حذّر ترامب، عقب عملية «يوم الأربعين»، من أننا نتجه إلى حرب عالمية ثالثة، منتقداً الرئيس جو بايدن ونائبته. وتساءل ترامب: «من يتفاوض نيابة عنا في الشرق الأوسط؟»، وقال إن «القنابل تتساقط في كل مكان!». وختم: «دعونا لا نشهد حرباً عالمية ثالثة، لأن هذا هو الاتجاه الذي نتجه إليه!».
هكذا، يبدو جلياً أنّ أحد اعتبارات نتنياهو لعرقلة أي صفقة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى أنه يريد أن يصل إلى يوم الانتخابات الأميركية من دون حسم الصفقة، لإعطاء الإنجاز لترامب إن كان فائزاً، أما إذا فازت هاريس فسيذهب إلى الصفقة في كل الأحوال.
إذاً، لن يوافق نتنياهو على أي صفقة تعدّ إنجازاً لإدارة بايدن وهاريس والحزب الديموقراطي في سياق الحملة الانتخابية الراهنة، أي قبل 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، إلا إذا وقع انهيار في أداء جيش الاحتلال أو انقلاب عسكري، حذّرت منه سارة نتنياهو قبل أشهر!
* كاتب وباحث في التاريخ والاجتماع
سيرياهوم نيوز١_الأخبار