ملاك حمود
سيحتاج القارئ إلى بعض الوقت للمرور على أبرز ما ورد في سياق «مشروع 2025»، الواقع في نحو ألف صفحة، والذي أعدّته مؤسسة «هيريتيج» الفكرية المحافِظة الأميركية، ووضعته في متناول العامّة للإفادة من تصوّرٍ تعاونَ على إخراجه 400 باحث وخبير ينتمون إلى التيار المحافظ، رسموا الأساس النظري لِما ينبغي أن يكون عليه شكل الحكم في ظلّ إدارةٍ يمينية محافِظة. ولأنّ المشروع أصبح مرتبطاً ارتباطاً عضويّاً بالمرشح الجمهوري، دونالد ترامب، فقد أثار حفيظة الحزب الديموقراطي، ومرشّحته، كامالا هاريس، التي نبّهت، في آخر أيام المؤتمر الوطني لحزبها، إلى أن أجندة منافسها ستكون قائمة على «مشروع 2025»، «لإعادتنا إلى الخلف»، واصفةً العودة المحتملة لترامب إلى البيت الأبيض، بأنها «خطيرة جداً». ولعلّ من أبرز أهداف الخطّة، تغيير الحكومة الفدرالية وإصلاحها، وإحداث تحوّل جذري في أنظمة الحكم، فضلاً عن تطهير الوكالات من «الليبرالية الراديكالية»، عبر استبدال الموظفين الحكوميين في مؤسسة الرئاسة وباقي مؤسسات الدولة والوزارات السيادية، بآخرين محافظين وموالين للرئيس، يتمّ اختيارهم وتدريبهم على تنفيذ خطط المشروع، الذي جاء طرْحه (2023) بعد أيام قليلة من تصريح رئيس مؤسسة «هيريتيج»، كيفين روبرتس، بأن الولايات المتحدة على أعتاب «ثورة أميركية ثانية، غير دموية، إذا سمح اليسار بذلك!».و»مشروع 2025» حقيقي للغاية، كما يصفه المعلّقون، وليس قائمة أمنيات خيالية؛ فهو خطّة وضع تصوّرها الأوّلي قاضي «المحكمة العليا» الأميركية، لويس باول، الذي أنشأ الأساس النظري لـ»Citizens United»، مفتتحاً العصر الحديث لـ»السياسة الشركاتية»، قبل نصف قرن. وتُعدّ الخطّة أجندة جاهزة للتنفيذ، كونها تفصّل السياسات المصمَّمة خصوصاً لتمكين الحركة المحافِظة وأصحاب المليارات والمانحين الجمهوريين في اللحظة التي يؤدي فيها ترامب اليمين الدستورية لولاية ثانية. وقد جاء في مقدّمتها، أنه «لا يكفي أن يفوز المحافظون بالانتخابات؛ إذا أردنا إنقاذ البلاد من قبضة اليسار الراديكالي، فنحن بحاجة إلى أجندة حاكمة وأشخاص مناسبين في أماكنهم، وعلى استعداد لتنفيذ هذه الأجندة في اليوم الأول الذي تتسلّم فيه الإدارة المحافظة المقبلة» مقاليد السلطة. ومن أبرز الطروحات الواردة في متن المشروع: إلغاء التشريعات الخاصة بالمناخ، وإغلاق مكتب حماية المستهلك، وحلّ وزارتَي التجارة والتعليم، وزيادة الضرائب على الطبقة المتوسطة لتمويل تخفيضات الضرائب على أصحاب المليارات والشركات، وتمكين البيت الأبيض من استبدال الموظفين المدنيين بالموالين الأيديولوجيين، كما الحدّ من سلطة الحكومة في فرض قوانين تمويل الحملات الانتخابية المصمَّمة – كما يُشاع – لردع الفساد القائم على الدفع مقابل الولاء. ويلخّص الجزء الافتتاحي في الخطّة، والذي كتبه كيفين روبرتس، بإيجاز هدفها: «وعدٌ بجعل أميركا أمّة محافظة. وللقيام بذلك، يتعيّن على الإدارة الرئاسية المقبلة أن تركّز على أربع جبهات واسعة ستقرّر مستقبل أميركا: استعادة الأسرة باعتبارها محور الحياة الأميركية وحماية أطفالنا؛ تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأميركي؛ الدفاع عن سيادة أمّتنا وحدودها وخيراتها ضدّ التهديدات العالمية؛ وتأمين حقوقنا الفردية التي منحها الله وضمِنها الدستور للعيش بحرية».
تُعدّ الخطّة أجندة جاهزة للتنفيذ، كونها تفصّل السياسات المصمَّمة خصوصاً لتمكين الحركة المحافِظة وأصحاب المليارات والمانحين الجمهوريين
صُمّم «مشروع 2025» بمشاركة ما لا يقلّ عن 140 مسؤولاً سابقاً في إدارة ترامب، وهو يحظى بتأييد كوكبة من الجماعات المحافِظة، فيما كان المرشح الجمهوري قد أشاد بمؤسسة «هيريتيج» النافذة، باعتبارها «مجموعة عظيمة»، «ستضع الأساس وتفصّل الخطط لِما ستفعله حركتنا بالضبط عندما يمنحنا الشعب الأميركي تفويضاً هائلاً لإنقاذ أميركا». ولعلّ هذا الارتباط بالمؤسسة ليس عرضيّاً؛ فهي انطلقت في الأساس، في أوائل سبعينيات القرن العشرين، بتمويل أوّلي من قطب صناعة «البيرة» جوزيف كورز. وقد أخبر هذا الأخير، أحد المؤرخين، أن نشاطه السياسي في ذلك الوقت كان «مدفوعاً» على وجه التحديد بمذكّرة كتبها عام 1971 قاضي «المحكمة العليا»، لويس باول. وناشدت تلك المذكرة المكتوبة إلى غرفة التجارة الأميركية، الشركات والأثرياء أن يكونوا «أكثر عدوانية» في التأثير على النظام السياسي، الذي كان يُخشى أن يصبح أكثر استجابة للمطالب الشعبية بتنظيم الأعمال. وكتب باول، الذي سرعان ما أصدر حكماً تاريخياً لـ»المحكمة العليا» يمنح بموجبه الشركات حقوقاً جديدة لإنفاق الأموال للتأثير على الانتخابات: «من الضروري أن يكون المتحدّثون باسم نظام المشاريع أكثر عدوانية من الماضي. ولا ينبغي أن يكون هناك أدنى تردُّد في الضغط بقوّة في جميع الساحات السياسية من أجل دعم نظام المشاريع. ولا ينبغي أن يكون هناك تردّد في معاقبة أولئك الذين يعارضونه سياسيّاً».
وبحسب الوثائق، التي تم الكشف عنها في الخطّة الرئيسيّة، أنشأت الغرفة فريق عمل مؤلّفاً من مسؤولين تنفيذيين من بعض أقوى الشركات في البلاد، بما فيها «جنرال إلكتريك»، و»فيليبس بتروليوم»، و»أمواي»، و»يونايتد ستيتس ستيل». وكانت البنية التحتية السياسية الناتجة من ذلك – مراكز الفكر المحافِظة وشركات المحاماة وجماعات المناصرة – تهدف إلى إضعاف قوانين تمويل الحملات الانتخابية حتى تتمكّن الشركات من ممارسة المزيد من السلطة، ثم استخدام هذه السلطة لاستمالة المحاكم والأنظمة التشريعية لمصلحتها. وبفضل مذكّرة باول التي ألهمت كورز، نجحت «هيريتيج» في إيجاد دور خاص لنفسها في كل هذا التنظيم الناشئ، إذ ركّزت بشكل مكثّف على السياسة العامة. وبرزت المؤسسة بشدّة خلال فترة رئاسة رونالد ريغان، الذي اعتمدت سياساته على الدراسة السياسية التي أعدّتها بعنوان «انتداب القيادة». ومنذ ذلك الحين، أصبح لها تأثير بارز في صنع السياسة العامة الأميركية، وعُدّت واحداً من مراكز البحث المحافِظة الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة
سيرياهوم نيوز١_الأخبار