خضر خروبي
بعد أيام قليلة من قبولها رسميّاً ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، خلال المؤتمر الذي استضافته مدينة شيكاغو، في ولاية إلينوي، تبدو الحملة الانتخابية لنائبة الرئيس كامالا هاريس، أفضل حالاً من الحملة الجمهورية المنافسة. وكانت تلك الأخيرة على موعد، يوم الثلاثاء الماضي، مع لائحة اتهام جديدة وجّهها القضاء الأميركي إلى المرشح دونالد ترامب، في قضية محاولته تغيير نتائج انتخابات عام 2020، علماً أن اللائحة الجديدة الواقعة في 36 صفحة، جاءت معدّلة عن سابقتها على خلفية مراعاتها قرار «المحكمة العليا» الصادر قبل نحو شهر، والقاضي بمنح الرئيس الأميركي السابق حصانةً واسعة من الملاحقات القضائية في قضايا جنائية. وتبدو الحملة الرئاسية للديمقراطيين متسلّحة باعتبارات عدة، منها بلوغ قيمة التبرعات التي حصلت عليها أرقاماً قياسية غير مسبوقة قُدّرت بـ540 مليون دولار، فضلاً عن الشعبية المتزايدة التي لا تزال هاريس تتلقّاها على حساب ترامب، بعدما أَظهر استطلاع جديد للرأي أجرته «رويترز/ إبسوس»، تَقدُّم الأولى على الثاني بـ45%، مقابلة 41%، إضافةً إلى الأصداء الإيجابية، بوجه عام، على المستويَين الحزبي والشعبي، التي رافقت أجواء انعقاد مؤتمر الحزب الديمقراطي بعد انسحاب الرئيس جو بايدن من «رئاسيات 2024».
استحسان ديمقراطي عام… وتقدُّم في أوساط «اللاتينوس» والنساء
وكمظهر من مظاهر ارتياح «الديمقراطي» لِما بات يطلق عليه مراقبون «الانطلاقة الصاروخية» لحملة هاريس، أعرب ما نسبته 73% من ناخبي الحزب المستطلَعين عن حماسة أكبر للتصويت في انتخابات تشرين الثاني المقبل، مع تزكية هاريس رسمياً لخوض السباق، فيما أوضح معظمهم أن نواياهم التصويتية تنطلق من قناعتهم بشخص المرشحة، وليس فقط بدافع التصويت العقابي ضدّ ترامب. ووفق نتائج الاستطلاع نفسه، نالت مرشحة «الديمقراطي» مستويات تأييد أعلى من منافسها في أوساط النساء والمتحدّرين من بلدان أميركا اللاتينية، بفارق 13 نقطة، إذ بلغت 49%، مقابل 36%. ومع ذلك، حافظ ترامب على «علو كعبه» على هاريس في أوساط الرجال، بخاصة البيض منهم، فضلاً عن تمكّنه من الحفاظ على شعبية أعلى من منافسته في أوساط الناخبين غير الحاصلين على درجات جامعية، وإنْ بفارق سبع نقاط في أحدث استطلاع، مقارنة بفارق 14 نقطة وفق استطلاع للرأي أجري قبل أسابيع. وفي حين يمثّل موقف «الحملة الديمقراطية» في ملف الإجهاض إحدى أهم نقاط المفاضلة بينها وبين الجمهوريين لدى ما لا يقل عن 47% من الأميركيين، يُعدّ عامل الاقتصاد إحدى نقاط قوّة «الحملة الجمهورية»، والتي تميل إلى تحميل الإدارة الحالية مسؤولية المشكلات الاجتماعية والمعيشية في البلاد، لدى ما نسبته 45% منهم.
اتّسم «مؤتمر شيكاغو» بوجود بصمة وازنة لوجوه «الحرس القديم» في الحزب الديمقراطي، من أبرزهم بايدن نفسه
وأيّاً يكن، ومع اتضاح حجم تجاهل الصوت المؤيّد لحقوق الشعب الفلسطيني خلال «مؤتمر شيكاغو»، الذي اتّسم بوجود بصمة وازنة لوجوه «الحرس القديم» في الحزب الديمقراطي، من أبرزهم بايدن نفسه، على رغم حضور بعض الوجوه القيادية الجديدة، المحسوبة على «التيار التقدمي»، والتي يعبّر عنها الرئيس السابق باراك أوباما، تبقى استمالة الصوت العربي إحدى أهم المعضلات التي تواجه هاريس، إذ تحوّل موضوع الحرب على غزة، بسبب تفضيل الإدارة الحالية مواصلة «انحيازها الأيديولوجي» على حساب الفلسطينيين، إلى أحد أبرز خطوط الصدع داخل الحزب الديمقراطي، وهو ما تجلّى من خلال الفعاليات التضامنية مع الفلسطينيين داخل قاعات مؤتمر الحزب وخارجه، ومن ضمنها مسيرة حاشدة (شارك فيها قرابة 15 ألف شخص) في إحدى ضواحي شيكاغو، التي تضمّ أكبر جالية من الأميركيين المتحدّرين من أصول فلسطينية، والمعروفة باسم «فلسطين الصغرى»، فضلاً عن انتشار مقاطع مصوّرة وتعليقات مندّدة بسياسة بايدن-هاريس الشرق أوسطية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على نحو يهدّد فرص المرشحة الديمقراطية في الولايات التي تتميز بقاعدة شعبية كبيرة من العرب الأميركيين كميشيغان وويسكونسن وبنسلفانيا وأريزونا. وهو تهديد يفسّر مبادرة الديمقراطيين إلى الاستعانة بالمحامية الأميركية، المصرية الأصل، بريندا عبد العال، لمساعدتهم على مواجهته.
وفي أول مقابلة لها مع شبكة إعلامية كبرى منذ «مؤتمر شيكاغو»، عادت هاريس إلى تأكيد تمسكها بالنهج الحالي تجاه الصراع في غزة، معربةً عن رفضها دعوات بعض «الديمقراطيين» إلى إعادة النظر في إرسال الأسلحة إلى إسرائيل. وفي حديثها إلى شبكة «سي إن إن»، اعتبرت أن إسرائيل يجب أن تبقى «قوية»، مشدّدة على أنه «يتعيّن علينا التوصل إلى اتفاق» لوقف لإطلاق النار في غزة. وبخصوص ملف الهجرة، الذي يستغلّه المعسكر الجمهوري لمهاجمة هاريس، في ظلّ إخفاق محاولات التوافق بين الجمهوريين والديمقراطيين على القانون الذي يطالب به البيت الأبيض، تعهّدت المرشحة الديمقراطية باتباع نهج أكثر صرامة تجاه الهجرة على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، وتذليل العقبات أمام إقرار ذلك القانون.
أصداء المؤتمر والمدلولات التي حملها
في العموم، تباينت ردود الفعل على «مؤتمر شيكاغو»، إذ رأى فيه بعض المراقبين مؤشراً إلى استعانة الديمقراطيين بأساليب الدعاية التي دأب عليها الحزب الجمهوري، كالخطابات الشعبوية ذات الطابع «الوطني»، كجزء من مساعيهم لتعطيل مفاعيلها عليهم، ضمن سياق من الانقسامات العميقة بين الأميركيين في النظرة إلى قضايا عدة، كالهجرة، والإجهاض، والأميركيين «الملوّنين». وفي المقابل، اعتبره آخرون انعكاساً لمعركة انتخابية «تتمحور حول القيم أكثر ممّا تتمحور حول صراعات سياسية» بين حزبين كبيرين، أو «أجندات شخصية» بين زعيمين، أحدهما «وضع غروره ونرجسيته جانباً»، في إشارة إلى قرار بايدن سحب ترشيحه، فيما لا يتورّع» الآخر» عن فعل «كل ما يتطلّبه الأمر لحماية مصالحه الذاتية».
وفي هذا الإطار، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» تعليقات بعض القراء، والتي عاب بعضها على خطاب هاريس «قلّة الاهتمام بقضية التغير المناخي»، التي لم ترد الإشارة إليها إلا «مرة واحدة فقط»، فيما انتقد آخرون الازدواجية في خطابها لناحية تأكيدها أهمية «ضمان السلامة والكرامة والعدالة» للأجيال الأميركية الناشئة، من جهة، وإبدائها «حزماً أقلّ في شأن ضمان الأمل والفرح ومشاعر العطف والاهتمام لأهالي غزة». ولفتت «واشنطن بوست» إلى أن الاستقطاب الحزبي الذي تميزت به خطابات المتحدثين خلال «مؤتمر شيكاغو»، إنما يؤكد «مدى اتساع الفجوة بين الحزبين في كثير من الأحيان تجاه عشرات القضايا، كاقتناء الأسلحة، والتمييز العنصري والجندري، واحترام القوانين، والأجهزة الأمنية الفدرالية» وغيرها، مضيفة أن «معظم أنصار مرشحي الحزبين الرئيسيين، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، يعتقدون بأن مشاكل أميركا المستعصية غير قابلة للإصلاح».
بدورها، أشارت «نيويورك تايمز» إلى أن خطاب هاريس مثّل «التعبير الأكثر وضوحاً وشمولية للخطاب الذي لطالما تبنّته منذ أصبحت المرشحة المفترضة، ومن ثم الفعلية، للحزب الديمقراطي، مشيرة إلى أن رسالتها الأساسية إلى الجمهور تمحورت حول عدد «من الأفكار الأميركية النموذجية، حول الطبيعة (السياسية) للبلد الذي تتواجد فيه، والسياسات التي يطمح الأميركيون إليها». ولمّحت الصحيفة الأميركية إلى أن هاريس حرصت على أن تقول إنها «ليست دونالد ترامب، بل هي مواطنة أميركية تحمل على عاتقها القيم الأساسية لبلادها»، وإقناع الجمهور بقدرتها على «حياكة القطب المستعصية (في المجتمع الأميركي)، وقيادة البلاد نحو طريق العودة إلى الحياة الطبيعية والخروج من فترة شاذة للغاية في الحياة (السياسية) الأميركية».
سيرياهوم نيوز١_الاخبار