بقلم د. حسن أحمد حسن
لا أحد يستطيع الادعاء أن حياته خالية من العثرات ونقاط الوهن والوجع، وعندما ترتسم معالم ابتسامة صفراء على الوجه إزاء أي موقف تفرض فيه الأعراف العامة والقيم المجتمعية المرعية التزام الصمت فهذا يعني إضافة خيبة جديدة قد تكون صغيرة أو كبيرة إلى مكدس الخيبات المتراكم في أعماق كل منا على امتداد سني حياته، لكن عندما تتكرر مثل تلك الابتسامة على الوجه الواحد أكثر من مرة في اليوم فتلك حالة تستوجب التوقف عندها بكثير من الجدية والمسؤولية، وقد يأتي الجواب صادما ًعندما يحاول الشخص التخلص من مصادر الطاقة السلبية فيخلو إلى نفسه، ويعيش أحداث اليوم والأمس ثم ما قبله وما قبل قبله، وإذ به يتفاجأ بأن مخزون الطاقة الإيجابية لديه بدأ ينقص بدلاً من تقليل أعباء الطاقة السلبية، وقد يمر صدفة أمام المرآة وينظر إلى وجهه وإذا بالابتسامة الصفراء ذاتها تشهد على مراكمة معالم خيبة أشد وضوحاً مما كانت عليه، فلا السكوت وابتلاع مرارة عدم الرضا يقلل سماع ما يؤلم الأذن، أو يعفي العين من مشاهدة ما يدميها ويجرح الروح بآن معاً، ولا التعايش مع الوضع كما هو يحمل أية نتائج إيجابية تساهم في تخفيف ألم المنغصات المتكاثرة كالفئران والأرانب.
إن وقفة موضوعية مع الذات تؤكد المسؤولية المباشرة لغالبيتنا في توليد طاقة سلبية نحن بغنى عنها، فالإشارة إلى خطأ هنا وممارسة مرفوضة هناك تحمل في طياتها بعداً إيجابياً انطلاقاً من أن النقد حاجة موضوعية وعامل تحصين ذاتي للفرد والمجتمع، لكن هذه النتيجة تبقى مشروطة بعدم تحول النقد والانتقاد والامتعاض والتأفف إلى هدف قائم بذاته، أو ديدن حياة يجب أن يتكرر على مدار الساعة، فنحن بشر، وكل ابن آدم خطاء، وفي مثل هذه الحالة التي نعيشها في سورية بعد ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية من الطبيعي أن يطفو على السطح العديد من السلبيات والتراكمات، وتسليط الضوء عليها للتحذير من مخاطرها ظاهرة صحية، فليس كل من يرفع صوته يتعمد تعميم الإحباط واليأس، وفي الوقت ذاته ليس كل من يجند طاقاته للدفاع عن كل تفاصيل الحياة اليومية التي نعيشها، ويسعى لإيجاد المبررات، وتحميل كل شيء على مشجب الحرب والضغوط الخارجية يستحق بطاقة شكر لأنه ـــ حسب رأيه ـــ يعمم الطاقة الإيجابية… الإفراط في كلا الأمرين يؤدي إلى نتائج متشابهة ومتقاربة وقد تكون متطابقة في كثير من الأحيان والمواقف، ولا تثمر إلا ابتسامات صفراء جديدة تراكم اليأس والقنوط.
من المؤسف حقاً أن يصل الأمر ببعضنا إلى التحفز الدائم للنقد والانتقاد والتذمر والشكوى، ليأتي غيره فيتذمر من تذمر هذا المتحفز ولومه، وقلما يتم الإعلان عن خطوة ما تقرر اتخاذها في هذا الجانب أو ذاك إلا وترتفع بعض الأصوات المستندة إلى أكوام من الاتهامات الجاهزة وذات مرجعيات متناقضة، فهناك من يطيب له التغني بالماضي القريب أو البعيد وتوقف عجلة الحياة عند ذاك الماضي “المقدس”، وهذا يعني إعلان العداوة المسبقة لأي تغيير قبل أن يبدأ، وبالتالي قبل أن تتبلور نتائجه الأولية، وهناك ما هو على النقيض من ذلك ممن يربطون كل شيء بنظرية المؤامرة، ويطيب لهم المراوحة في المكان حذر الوقوع في الخطأ المرسوم لنا مسبقاً ضمن مؤامرة خارجية، وهناك صنف ثالث لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، ويطالب بقطف الثمار قبل اكتمال تفتح الأزهار، فالمهم لدى أولئك رفع الصوت بالانتقاد والرفض والتوجس والتشكيك، وإذا حاول أي شخص مناقشة أي من هؤلاء في طروحاته يأتيه الجواب الصادم: يا أخي أن عم احكي وجهة نظري، و”الحكي ما عليه جمرك” ولعمري هذه المرجعية بحد ذاتها معضلة تفرض على النخب الفكرية والثقافية والسياسية والمجتمعية التشمير عن ساعد الجد ومواجهة كل العناوين العريضة التي تعج بها صفحات التواصل الاجتماعي، والعقبة الكأداء التي قد تعترض طريق الحريصين فعلاً على الاضطلاع بدور وطني وإنساني لتعميق الوعي المجتمعي تأتي بامتعاض من لا يعمل ممن يعمل، وتوجيه أصابع الاتهام والتعالي عن أداء الواجب إلا بتكليف رسمي من هذه الجهة أو تلك، ولوم كل من لا يتبنى هكذا مواقف إشكالية بحد ذاتها.
على رسلك يا أخي فقبل قليل كنت تحاضر في الدفاع عن الوطن وأهمية الانخراط في خوض غمار الحرب على الوعي، وكأن تسفيه رأي الآخرـــ كائناً من يكون ذاك الآخر ــ ليس جزءاً من الحرب على الوعي، أو كأن تثبيط الهمم وتعميم النظرة السلبية المسبقة من دون الاطلاع على المضمون لا تؤثر على تحصين الفرد والمجتمع، وما لم يتم العمل على تحصينهما وفق الإمكانيات المتاحة فلن تكون الخطوات التي يتم اعتمادها ذات جدوى ملموسة، وبخاصة في ظل ضغط عامل الوقت، فالمجتمع أحوج ما يكون إلى تلمس المعالم الإيجابية التي بدأت تتبلور بحق في هذا الفصل الجديد من فصول الحرب على الوعي المجتمعي لكيّه من جديد، ونقاء الانتماء للوطن يفرض على كل من يستطيع المبادرة بالقول والعمل للمساهمة في تسريع طي صفحة مؤلمة وفتح صفحة جديدة عنوانها الأمل الموضوعي وليس تسويق الرغبات والأمنيات على أنها واقع، ومن وجهة نظري الشخصية هذا فرض عين على كل من يستطيعه بالكلمة أو الصورة أو المقال أو القراءة التحليلية أو الحوار المباشر في جلساتنا اليومية في أماكن العمل والسكن والاتصال والتواصل بدلاً من التريث وانتظار هذه الجهة أو تلك لتكلف هذا الشخص أو غيره، فالوطن لجميع أبنائه، ومن واجب الجميع وحقهم بآن معاً تقديم ما يستطيعه كل فرد لتمثل الأفكار التي تضمنها خطاب السيد الرئيس في افتتاح الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب، والعمل على الانتقال بها إلى واقع التطبيق العملي، وبغير ذلك سنبقى نراوح في المكان، وقد يحلو لبعضنا أن يتحدث فيما يعلمه ولا يعلمه انطلاقاً من أن “الحكي ما عليه جمرك”.
(موقع سيرياهوم نيوز-١)