الرئيسية » كلمة حرة » الأعمى و الأطرش 

الأعمى و الأطرش 

 

 

مالك صقور

 

هذا عنوان رواية الأديب الكبير الشهيد غسان كنفاني “سيقال فيما بعد أن ماحدث كان مستحيلاً ، أما الآن فالأبعدون يقولون إنها مغامرة ، وأنا أقول إنها الولادة .. إن الحقائق الصغيرة لم تكن في البدء إلاّ الأحلام الكبيرة .. والمسألة مسألة وقت ليس غير “هكذا يستهل كنفاني روايته ..

الأعمى : يسمع ولا يرى ..

الأطرش : يرى ولا يسمع ..

وببراعته الفنية ، جمع غسان كنفاني بين الأطرش و الأعمى ، وبوطنيته العالية وإيمانه بالقضية الفلسطينية

جعلهما يتحرران من الوهم والعجز . وينتهي الأمر بهما “إلى جماعة ( الطق الطق ) – أي أولئك الذين يختارون من بين كل المتاعب بند ( الطق الطق ) – يعني (القواص). يعني إطلاق الرصاص ” .. و يعني إلى العمل الفدائي .

 

 

والآن ، إذا كان الأعمى لايجر أعمى . ولا الأطرش يحاور أطرش .. فالمسألة ، أو القضية عند

( بعضهم ) ، وأصّر على كلمة ( بعضهم) صارت مثل حال الأعمى و الأطرش . أقصد بالنسبة للولادة التي يقصدها غسان كنفاني . ألا وهي المقاومة ..يعني العمل الفدائي الذي دفع كنفاني حياته ثمناً في سبيل الفداء وفي سبيل ألا يتوقف العمل الفدائي والذي يطلق عليه اليوم المقاومة ، وهذا ما أراده كنفاني في كل ماكتب . وما يجري الآن في فلسطين . وخاصة في غزة هي الولادة . الولادة الحقيقية للثورة الفلسطينية . لكن بعضهم يشكك .وبعضهم يشمت .وبعضهم يقول اتفاق حماس مع إسرائيل وبعضهم يقول تمثيلية وبعضهم يقول ماذا جنى المقاومون إلاّ الدمار والإبادة الجماعية وبعضهم يقول إن طوفان الأقصى أعطى الفرصة والمبرر للصهيوني كي يقوم بهذه المذابح ، وكأن الكيان قبل الطوفان ماكان يهدم البيوت فوق أهلها ؟! .وبعضهم ينتظر . بعضهم لا يسمع إلا إذاعات العدو وما يطرحه الطابور الخامس ..ولكن لتكن النتائج ما تكون : تم تسوية غزة في الأرض .واستشهد أهلها جميعاً..لكن غزة انتصرت على الولايات المتحدة ، وبريطانيا ، وفرنسا ، وعلى الكيان الغاصب الصهيوني ، وبعض الدول العربية لأنه يمكن أن تقتل الإنسان ولكن لا يمكن أن تنتصر عليه . حتى لو تم استئصال فلسطين من رحم الأمة العربية ، ومن الجغرافيا ..فعملية طوفان الأقصى كانت من اليوم الأول انتصاراً ساحقا للفدائيين ، وللقضية الفلسطينية ، التي هي قضية قومية ووطنية وإنسانية وأخلاقية ودينية . ومحو غزة وتشريد أهلها أو قبرهم أحياء ، مخطط له منذ زمن بعيد ، من أجل شق قناة ابن غوريون ، وتعطيل قناة السويس . وتهجير أهل غزة إلى سيناء أو مصر أو الأردن أو إلى القبر ..فقد فضلوا القبر .. لأن تجربة خمس وسبعسن سنة كافية كي يتعلم الفلسطيني من الهجرة والتشريد والذل والمهانة ..ومن ثم الوعود الكاذبة ، بعد إتفاقية أوسلو . والسؤال إلى ( محبي السلام ) : ماذا جنى الشعب المصري ؟! وماذا جنى الشعب الأردني ؟! .” إسرائيل ” أيها السادة المحترمون لاتريد سلام ، لا تريد سلام ، لا تريد سلام ، تريد استسلام ، وخضوع وخنوع .. ولو كانت تريد سلام لما اغتالت رابين … والسؤال الثاني : هل بقي الاستعمار القديم والحديث يحتل بلدان الشعوب الضعيفة المستضعفة ؟. لقد تحررت الهند من الاستعمار البرتغالي ثم من الاستعمار البريطاني .وتحررت الولايات المتحدة من بريطانيا . وتحررت الجزائر من فرنسا بعد 132 سنة وأكثر من مليون شهيد .تحررت فيتنام من فرنسا ومن أميركا والقائمة تطول . ..ولم يكن التحرير والآستقلال بتبويس اللحى ؛ تم التحرير بالحديد والنار . تم التحرير بالدم ، وبالدم وحده يتمُ يتم ُالتحرير . أعيد وأكرر : لقد انتصرت المقاومة ، ولو لم يبقَ فلسطيني واحد . انتصرت فلسطين – إذ حولّت الرأي العام العالمي وفهم القضية الفلسطينية وتعاطف معها ، انتصرت القضية الفلسطينية حتى في قلب الولايات المتحدة فعندما يثور طلاب خمس وسبعين جامعة أميركية تطالب بوقف المجازر في غزة ، وتطالب الحكومة بعدم دعم الكيان الصهيوني هذا معناه انتصار ، وعندما تهب الشعوب الأوروبية بمظاهرات تغص بها الشوارع وهي ترفع العلم الفلسطيني ، والمتظاهرون يرتدون الكوفية الفلسطينية ، هذا معناه انتصار . إن قرار محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الإسرائيلي هو انتصار. إن قيام مبادرين أوروبيين بتصنيع منتجات تحمل اسم غزة وفلسطن ، وعلى معلبات المشروبات ( كولا فلسطين ) و ( كولا غزة ) وعليها الكوفية الفلسطينية هو انتصار . وإذا تذكرنا حرب الخامس من حزيران ، استمرت ستة أيام وهزمت ثلاثة جيوش عربية واحتلت باقي الأراضي الفلسطينية – الضفة الغربية والقدس ، والجولان ، وسيناء .وحرب تشرين التحريرية 1973 استمرت تسعة عشر يوماً . وحرب تموز ، حزب الله مع الكيان 2006 استمرت 34 يوماً .. وحرب غزة اليوم مازالت مستمرة ومستعرة منذ أحد عشر شهراً بأمكانيات بسيطة مع حصار شديد ، ألا يعتبر هذا وحده انتصار اً وهزيمة مدوية لجيش مدعوم من قبل جيوش جميع الإمبرياليات في العالم ..

أيها السادة .. هل تعرفون معنى المعجزة ومعنى الأسسطورة ؟؟ غزة هي المعجزة وهي الأسطورة ..

ثمّ ، إن هذا التاريخ يشهد : إن لكل احتلال في العالم منذ بدء التاريخ وحتى اليوم نهاية . قبل الميلاد وبعده . تذكروا الاسكندر المقدوني ، وكافة الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية والروسية والعثمانية . والاستعمار القديم والحديث كله انحسر وتراجع . والشعوب تحررت ونالت استقلالها .

إذن ، نهاية كل احتلال هو التحرير . فلماذا لا يدعم ( محبو السلام ) الشعب الفلسطيني كي يعيش بسلام ؟ لقد ولت مرحلة ( العين لا تقاوم مخرز ) .وولت مرحلة ( الواقعية السياسية ..أي أن إسرائيل أمر واقع )فلماذا لاتقولون : يجب إنصاف الشعب الفلسطيني . واعطاؤه حقوقه . وأعود إلى رواية ( الأعمى والأطرش ) .. وبعد حوار ساخن عن هزيمة حزيران والعمل الفدائي والسجن في ” إسرائيل ” يسأل غسان كنفاني على لسان أحد شخصيات الرواية : ” ماذا فعلت من أجل وطنك ؟” والذي استهل غسان به الرواية صار حقيقة : ” سيقال إن ماحدث كان مستحيلاً ، أما الآن فالأبعدون يقولون إنها مغامرة ، وأنا أقول إنها الولادة ” .. ولقد تمت الولادة وليتك ياغسان ترى ؟

وأخيراً :

إن شعباً أرضه محتلة ولا يقاوم الاحتلال ، شعب لا يستحق الحياة .

(سيرياهوم نيوز-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية: بين المشورة واتخاذ القرار

  حسان نديم حسن في ظل التطورات السريعة التي يشهدها العالم وتنامي أهمية المؤسسات التشاركية، تبرز المجالس الاستشارية والمجالس التمثيلية كأدوات حيوية للإدارة وتقديم الخدمات ...