بعد مرور 333 يومًا على الحرب الدامية التي يشنها الجيش الإسرائيلي “برًا وبحرًا وجوًا” على قطاع غزة وسكانه، وخلفت عشرات آلاف من الشهداء والإصابات والمفقودين، ودمارًا هائلًا لا يمكن وصفه وويلات وأزمات لا تنسى، بدأت تُطرح أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة لتكشف ما يجري فوق الأرض وأسفلها.
الإعلام العبري والذي توقع سقوط غزة بعد 3 أشهر على الأكثر من انطلاق الحرب، بدا اليوم يُغير من أوراقه ويعيد حسابته، بعد الواقع الجديد الذي رسمته المقاومة في صمودها وتحديها وقوتها على نصب الكمائن للجيش الإسرائيلي واستهدافه بالرصاص والصواريخ والمسيرات في كل محاور القتال داخل القطاع وتوثيق ذلك بالصوت والصورة، الأمر الذي عقد المشهد كثيرًا داخل إسرائيل وبعثر حسابتها الأمنية والسياسية والعسكرية.
وفي الأيام الأخيرة بدأت وسائل الإعلام العبرية وكذلك تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، تقر بالهزيمة وتتحدث عن فشل الجيش في مهمته بغزة، مع أسئلة تُطرح بقوة على الطاولة حول مدى قدرة وصمود المقاومة في غزة، على رغم بشاعة الحرب واستهدافها كل من يتحرك أسفل الأرض وفوقها.
وفي آخر التقارير التي صدرت حول قدرات المقاومة بغزة، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصدر أمني، تأكيده أنّ “حماس نجحت بإعادة ترميم قدراتها في شمالي قطاع غزة”.
وتقول التقديرات، وفقاً للإعلام الإسرائيلي، إنّ نحو 3000 مقاتل من حماس، “عادوا إلى العمل في شمالي قطاع غزة، ويعملون على تحسين القدرات العملياتية للمنظمة”، وبحسب هذه التقديرات، فإنّ الأمر “يتعلق بتجنيد عناصر جدد من جانب حماس في الفترة الأخيرة، وليس انتقال مقاتلين من جنوبي القطاع إلى شماله”.
ووفقاً لكلام مسؤولون كبار في المؤسسة الأمنية والعسكرية، “فلن يكون هناك مفر من إعادة الدخول المكثف لقوات الجيش إلى شمال القطاع”.
وتتزايد الضغوط داخل إسرائيل على حكومة بنيامين نتنياهو، وسط اتهامات بـ”الفشل” في تحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها القضاء على “حماس”.
وكان تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية كشف أن “تل أبيب” غير قادرة على القضاء على حركة “حماس” رغم نجاحها في إضعافها، ويرى مسؤولون أمريكيون أن الجيش الإسرائيلي لن يحقق المزيد من المكاسب في قطاع غزة، وأن الحل الوحيد يكمن في عقد صفقة لاستعادة الرهائن.
وتحدّث اللواء في احتياط الاحتلال، إسحاق بريك، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” بعنوان: “ليست حماس من تنهار بل إسرائيل”، عن خسائر مواصلة القتال في قطاع غزة، وفشله.
وفي التفاصيل، قال بريك إنّ “مواصلة القتال في غزة من خلال توغلات متكررة على نفس الأهداف، سيُقوّض إسرائيل وليس حماس”، مشيراً إلى أنّ “الجيش لن يتمكّن من القيام بالتوغلات المتكررة خلال وقتٍ قصير، لأنّه يضعف، ويتزايد عدد قتلاه وجرحاه”.
وفي مقابل “تململ جنود الاحتياطـ، وعدم استعداد كثيرين منهم للتجنيد مراراً وتكراراً، واستنزاف مجندي الإلزامي وفقدان قدراتهم المهنية بسبب نقص التدريب والتأهيل (منهم من يترك الدورات قبل إكمالها)”، تقوم حماس “بإعادة ملء صفوفها”.
وتابع بريك أنّ “الذين يقولون إنّ وقف القتال في غزة يعني الهزيمة والاستسلام ضمن ادّعاءات مبنية على الكليشيهات التي ينشرها المستوى السياسي والعسكري للحصول على دعم الجمهور لاستمرار القتل الفاشل، يجعلون هزيمة الجيش وانهيار إسرائيل أقرب”.
وأشار إلى أنّ “الحاجة إلى تركيز قوات في قطاعات أخرى، أي في الشمال والضفة الغربية بسبب التصعيد الحاصل، ستُجبر الجيش الإسرائيلي أيضًا على سحب قواته من غزة وإرسالها إلى المناطق المشتعلة، لأنّه ليس لديه ما يكفي من القوات للقتال على عدة جبهات في نفس الوقت”.
بعبارة أخرى، “سيأتي اليوم الذي لن يتمكن فيه الجيش الإسرائيلي من البقاء في غزة، لأنّ حماس تسيطر الآن بشكل كامل عليها – سواء في مدينة الأنفاق التي تمتد لمئات الكيلومترات أو فوقها”، إذ إنّ “نسبة الأنفاق التي دمرها الجيش قليلة”، وفي هذه الحالة، “لا يملك الجيش القدرة على القضاء عليها وتقويضها”.
وأردف بالقول: “إذا أوقفنا التوغلات بسبب ضعف الجيش وانعدام الخيار، أو حوّلنا القوات إلى مناطق أخرى، فسيُعلن أعداؤنا بصوت عالٍ أنّ الجيش الإسرائيلي رفع العلم الأبيض، وخرج من غزة واستسلم”.
لذلك، “من الأفضل الآن استباق الأمور والموافقة على صفقة لاستعادة الأسرى، لأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإعادتهم”، أي “ينبغي أن يتوقف القتال في غزة، وهو ما من شأنه أن يؤدّي على الأرجح إلى وقف القتال من جانب حزب الله، ويقلل أيضاً من احتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة متعددة الجبهات، وهي الحرب التي لسنا مستعدين لها على الإطلاق”، وفق ما أكد بريك.
وفي ذات السياق، شددت صحيفة “نيويورك تايمز” على أن جزءا كبيرا من صمود حركة “حماس” أمام الاحتلال الإسرائيلي يعود إلى “استراتيجية الأنفاق”، التي مكنت مقاتلي المقاومة من مباغتة جيش الاحتلال في مناطق ضيقة وبطرق فتاكة.
وقالت الصحيفة الأمريكية، في تقرير سابق لها، إن “هناك دليلا لحماس وصف بالتفصيل كيفية التحرك في الظلام والتنقل بقوة وإطلاق النار من مناطق ضيقة وبطريقة فتاكة”، وأوضحت أن دليل الإرشادات الذي يعود إلى عام 2019، والذي عثر عليه جيش الاحتلال، طلب من المقاومين الفلسطينيين عد الدقائق والثواني التي يتمكن من خلالها المقاتلون من التحرك بين نقاط عدة تحت الأرض.
وتابعت، “المسؤولين الإسرائيليين كانوا يعرفون قبل الحرب أن حماس لديها شبكة أنفاق واسعة النطاق، لكن ما اكتشفوه هي أنها كانت متطورة وأوسع مما يفكرون”.
ويبقى هنا التساؤل المطروح..
هل سيرفع الجيش الإسرائيلي الراية البيضاء؟ ومتى؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصمد المقاومة في ظل الحرب والحصار؟ وهل تملك المقاومة مقومات صمود لشهور إضافية؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم